فيما بدا أنه تغير في شكل وأدوات صراع القوى الكبرى، بدأت حرب ضروس تجاه شركة هواوي الصينية، من قبل الحكومة الأمريكية وحلفائها، في تجلي جديد للحرب التجارية المشتعلة بين الصين من ناحية، والولاياتالمتحدةالأمريكية في ناحية أخرى؛ الأمر الذي ُيعتبر اشتباك حاد بين الشرق والغرب؛ منذرًا بحربٍ باردةٍ جديدة بدأت تستعر نيرانها؛ خاصة في عالم تحكمه العولمة، التي تغيرت معها قواعد لعبة السياسة، وتحديدًا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ببداية َتشَكُل النظام العالمي الجديد، ليصبح الأمر أكثر تعقيدًا بإضافة قوى أخرى غير الدول إلى معادلة السياسة، وتتمثل إحدى هذه القوة في الشركات الكبرى العابرة للحدود، والتي توازي قوتها في عالمنا اليوم حجم اقتصادات دول، وعن شكل هذا الصراع بتعقيداته تفتح الصباح هذا الملف في محاولة للتحليل والفهم. وفي الأونة الأخيرة فرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية قيودًا تجارية على شركة هواوي تكنولوجيز الصينية، تمثلت في حرمان الشركة من شراء مواد أميركية الصنع تعطل عمل الشبكات القائمة وتحديث البرامج الموجودة على أجهزة هواوي، قبل أن تتراجع عن هذه الخطوة، فيما لا يزال محظورًا على الشركة الصينية شراء قطع غيار ومكونات أميركية لتصنيع منتجات جديدة بدون الحصول على موافقات على الترخيص، التي من المرجح رفضها. فيما تحاول الحكومة الأمريكية تضيق الخناق أكثر على هواوي، بإقناع بعض الدول الحليفة بفرض قيود مماثلة، وكان آخر ثمار هذه الجهود، منع شركة ARM البريطانية استخدام التعامل مع أي شركة تابعة لهواوي، والتي تشمل شركة أشباه الموصلات هايسلسيكون المنتجة لمعالجات كيرين المبنية على معمارية شركة ARM المستخدمة في هواتف Huawei. شكوك حول أنشطة هواوي المعركة التي بدأتها الحكومة الأمريكية تجاه شركة هواوي تكنولوجيز الصينية، لم تكن وليدة الصراع الحالي، بل كان هناك اتهامات سابقة من الولاياتالمتحدة للشركة الصينية باستخدام منتجاتها في أعمال تجسس لصالح الجيش الصيني، هكذا أوضح الدكتور محمد الجندي خبير أمن الإنترنت والإرهاب الإلكترونى بالأمم المتحدة. وأضاف الجندي، أن هناك مخاوف كبيرة لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة مع دخول هواوي في تجهيز البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس لشبكات الهواتف المحمولة (5G)، وهناك تخوف أمني من الولاياتالمتحدة وحلفائها، من احتمالية استخدام تكنولوجيا ال 5g في أعمال تجسس لصالح الجيش الصيني. وبحسب خبير أمن الإنترنت، لمعركة هواوي والحكومة الأمريكية، لا ينفصل عن الحرب الاقتصادية بين الصينوالولاياتالمتحدة، إضافة ألى ما يحدث في الخليج أيضًا، خاصة أن إيران من أكبر موردي الطاقة للصين، ويمكن اعتبار المعركة الخالية لها شقين، شق أساسي له علاقة بالأمن القومي، بينما الآخر اقتصادي رقمي بالأساس. ويؤكد الجندي، أن المعركة الاقتصادية بالنسبة للشركة الصينية لا تكمن في تصنيع الهواتف المحمولة فقط، لأن الشركة لا تعتمد في تجارتها على الهواتف، لكن صناعتها بشكل كبير تعتمد على تصنيع تكنولوجيا البنية التحتية، والمساس بهذا الأمر هو ما يمثل الخطورة الأساسية على اقتصاد الشركة، وهذا الأمر أيضًا يعتبر الأخطر الأكبر للولايات المتحدةالأمريكية وحلفائها. وفيما يخص مستخدمي الهواتف المحمولة التي تصنعها هواوي، يوضح الجندي، على المدى القريب لا يوجد خطورة على هواتف هواوي، لكن على المدى المتوسط والمدى البعيد سيتضح الأمر مع الصراعات التي ستنشأ حول منصات جوجل والبرامج التي سينطقع اتصالها مع هواوي، وبرغم قدرة الصين تجاوز عقبة نظام الأندرويد بتصنيع بديل، لكنها لن تستطيع تصنيع جميع البرامج الموجودة على متجر جوجل. إتهامات أمريكية على جانب آخر تقول المحللة والباحثة الأمريكية المتخصصة في الأمن القومي وحقوق الإنسان، إيرينا تسوكرمان، إن الصين دولة أمنية، حيث تعمل الحكومة حرفيًا في كل الأعمال التجارية. وقد رأينا أمثلة للتجسس الصناعي في جميع المجالات، ولسوء الحظ، هذا هو المعيار بالنسبة للحكومة الصينية، لهذا السبب ، يجب أن تكون الولاياتالمتحدة حذرة للغاية في فحص شركائها، وتلقي تسوكرمان باللائمة على هواوي لانتهاكها قوانين الملكية الفكرية في الدول الغربية، وسرقة الأسرار التجارية والذكاء الاقتصادي، وفيما يخص علاقة الصين بالصراع الأمريكي مع إيران، تضيف تسوكرمان، هواوي متهمة بتجنب العقوبات الأمريكية على إيران، والصين هي المسؤولة تمكين إيران من ارتكاب الكثير من الأخطاء الإيرانية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. أما فيما يخص سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية لتشكيل تحالف غربي يضم كندا، بريطانيا، أستراليا ونيوزيلندا فيما يعرف بتحالف "الخمسة عيون" الاستخباراتي" للضغط على هواوي، تقول الباحثة الأمريكية، من المنطقي بالنسبة لهم الرد على تهديد استراتيجي مشترك، والرد بطريقة تظهر وجودهم على جبهة موحدة، علاوة على ذلك ، لا يمكنك الحصول على اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخبارية إذا كان من المحتمل أن يتم اختراق شركاءك من قبل الأجانب، وإذا بدأت الصين العمل كشريك تجاري صادق وتوقفت عن استهداف الدول الغربية من أجل الأعمال التجارية، فلن يكون هناك ما يدعو للقلق، في حين إذا أصرت على الحرب الاقتصادية، فلا ينبغي أن نتوقع أن قدرتها على حماية مصالحها الوطنية وحماية مواطنيها. وتختتم تسوكرمان، إن الحروب التجارية تؤذي في النهاية المستهلكين في كلا البلدين، ومع ذلك فإن الصناعات الأمريكية في الصين قد بدأت بالفعل الاتجاه إلى دول أرخص لأن الصين قد وصلت إلى مستوى من التنمية الاقتصادية، لم تعد معه بيئة مربحة، وربما يكون التوجه الأكثر نفعًا للولايات المتحدةالأمريكية في الوقت الحالي هو إنشاء علاقات اقتصادية إيجابية مع الهند، المنافس الإقليمي الرئيسي للصين، وكذلك بتشجيع الشركات التي تعمل في الخارج على الانتشار إلى بلدان أخرى إلى جانب مثل فيتنام، المكسيك، والهند، بدلًا من الاستثمار في الصين لقد قدمنا للصين اعتمادًا مفرطًا عليها اقتصاديًا؛ حان الوقت لتغيير ذلك من خلال خلق بيئة تجارية أكثر توازنا. لكن البديل عن الحروب التجارية هو تطبيق بيئة التجارة الحرة. بدلا من فرض الرسوم الجمركية.