حجزت السلطات الكندية فى مطار فانكوفر فى 9 ديسمبر الماضى المدير المالى لشركة الاتصالات الصينية هواوى (Huawei)، منج وانزو، وهى ابنة مؤسس الشركة أثناء توقف طائرتها للترانزيت خلال توجهها إلى مدينة المكسيك. والاحتجاز كان تجاوبا مع اتفاقية ترحيل المتهمين بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكندا، وبما أن أمريكا قد اتهمت شركة هواوى بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران ضمنا لاتهامات أخرى، وجب على المسئولين فى مطار فانكوفر القبض على منج وانزو. وبعد جلسات استجواب دامت ثلاثة أيام أُطلق سراح منج وانزو بكفالة قيمتها 10 ملايين دولار بشرط الإقامة الجبرية فى منزلها فى فانكوفر واتباع قيود السفر المفروضة عليها لحين النظر فى قضية ترحيلها إلى أمريكا. أثار القبض على منج وانزو غضب بكين، فاستدعت السفير الأمريكى محتجة على ما بدر من واشنطن وطلبت من كندا العدول عن تسليم منج وانزو إلى أمريكا واتهامها بالمشاركة فى المناورة. وهنا تفاقمت المعركة بين كنداوالصين، وعلى نمط العين بالعين اعتُقل مواطنان كنديان فى الصين بتهمة تهديد الأمن القومى الصينى، وكذلك حُولت قضية كندى آخر - كان قد حُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة فى قضية الاتجار بالمخدرات - إلى حكم بالإعدام، وهى وسائل للضغط على كندا، وإن كانت كندا مكتوفة اليدين أمام اتفاقية ترحيل المتهمين مع أمريكا، خاصة أن العلاقات السياسية والتجارية بين أمريكاوكندا متوترة. وقد بدأت كندا عقد جلسات قضية ترحيل منج وانزو فى دعوى ينتظر أن تكون طويلة وذات آثار سياسية وخيمة. دعنا نبحث عن الحقائق.. من حق أمريكا معاقبة إيران وفرض عقوبات عليها وإقناع البلاد الأخرى بعدم التعامل معها، ولكن هل يحق لها اعتبار من يتعاملون مع إيران جناة؟ مثلا تفرض أمريكا عقوبات على كوبا مشابهة للعقوبات التى تفرضها على إيران، ولكن لم تعاقب البلاد الأخرى لمزاولة المعاملات التجارية مع كوبا.. إذن لماذا تعاقب الصين وشركاتها على التعامل مع إيران؟ بالطبع التهمة الموجهة إلى هواوى هى تهمة واضحة للضغط المتعمد على الصين، بالإضافة لكونها وسيلة أخرى لقمع إيران إلى حد أبعد. كذلك هناك دوافع سياسية وتجارية خلف هذه المناورة.. هواوى شركة اتصالات تصنع الهاتف الذكى والمودم والوايفاى والتابلت، وأصبحت رائدة فى إنتاج الجيل الخامس (G5) من التكنولوجيا اللاسلكية، وأصبحت بمثابة الند للشركات الأمريكية إن لم تكن قد جاوزتها فى التفوق.. وللعلم فإن مبيعات شركة هواوى قد تجاوزت مبيعات شركة أبل الأمريكية (Apple) لتصبح ثانى أكبر مصنع للهواتف الذكية فى العالم بعد سامسونج.. فهل هيمنة هواوى على الأسواق العالمية تحتاج إلى محاولات مستميتة لتحطيمها من قبل الغرب؟ ولكن اتهامات اخرى تقول إن بإمكان شركة هواوى تصنيع ما يسمح للصين بالتجسس والتنصت، مما يسمى الباب الخلفى لهذه الأجهزة. وقد نفى والد منج وانزو ومؤسس هواوى أن شركته تصنع أجهزة تجسس قائلا: أحب بلدى ولكن لن أفعل ما يضر بأى دولة فى العالم، ولم يثبت حتى الآن استخدام هواوى أجهزة تجسس أو تنصت.. وبما أن هواوى لا يمكنها إثبات السلبى فقد سمحت للحكومات بتقييم أجهزتها.. لنقف قليلا عند هذه التهمة: ألا يعلم جوجل وأجهزة البحث الأخرى بكل ما يدور فى ذهن مستعمليه؟ ولكن أمريكا لا تعتبر هذا تنصتا. هذا بينما تصاعدت الحرب التجارية الشرسة بين بكينوواشنطن إلى مستوى خطير، ففى الآونة الأخيرة فرضت واشنطن عدة جولات من الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، وردت الصين بالمثل على الواردات الأمريكية.. فهل قضية هواوى هى نزاع قانونى وشرعى أم محاولة من واشنطن للضغط على الصين تجاريا؟ نفى مسئولون أمريكيون أن تكون الاتهامات ضد هواوى مرتبطة بالحرب التجارية، ولكن الرئيس ترامب أكد ذلك قائلا: سأتدخل بالتأكيد بل أعتقد أنه ضرورى التدخل (فى قضية منج وانزو) إذا كنا سنفوز بصفقة تجارية كبيرة. إن استعداد الإدارة الأمريكية للتنازل عما تعتبره أمنها القومى فى سبيل الكسب التجارى ما هو إلا إثبات أن كارثة هواوى مصطنعة وذريعة من أجل الحصول على مزايا تجارية. كما ضغطت أمريكا على حلفائها وحذرتهم من ممارسة نشاط تجارى مع هواوى، وهذا الوعيد قد شجّع الشركات والحكومات الغربية على عدم التعامل مع هواوى، واتبعت حكومات اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وبعض الدول الأوروبية نفس المنوال. قضية ترحيل منج وانزو إلى الولاياتالمتحدة لتواجه تهما جنائية متعددة تحمل كلٌ منها عقوبة قصوى بالسجن لمدة 30 عاما، قد تستمر شهورا أو سنوات. لعل وعسى القوى المتعاركة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه سريعا، لأن عاقبة محاكمة منج وانزو سوف تكون وخيمة. إن قضية منج وانزو هى عاصفة مفتعلة تحاول الولاياتالمتحدة عن طريقها مقايضة الصين وجعلها تخضع لتنازلات تجارية لم تكن فى حسبانها، وسوف تربح أمريكا الجولة إلا إذا كان لدى الصين هى الأخرى مساومة تستطيع عن طريقها الفوز. قد يكون جُرم هواوى الوحيد هو قوتها. لمزيد من مقالات د.عزة رضوان صدقى