طالب إعدادى يقامر ب«الكونكر» لشراء الفودو أستاذ علم اجتماع: تربية الأطفال قضية أمن قومى أهم من الإرهاب على طريقة فيلم «الكيف»، بات الأطفال هم أداة لصناعة المخدرات الحديثة مثل الفودو والاستروكس، مما دفع محرر «الصباح» إلى التواصل مع تجار المخدرات مدعيًا أنه مخرج مسرحى بصدد عمل مسرحية بطلها طفل محترف فى صناعة خلطات الفودو والاستروكس، فضلًا عن إدمانه لهما، وبالتالى يحتاج إلى طفل من نفس نوعية بطل المسرحية للتعرف منه على كيفية عمل الخلطات ومن خلال هذا الادعاء توصلنا إلى الأطفال مدمنى ومصنعى هذه الخلطات، لنكشف كيف أصبحوا ضحايا لتجار المخدرات. البداية كانت فى منطقة – بهتيم- شبرا الخيمة - حيث تقابلنا مع «كريم.م» البالغ من العمر 13عامًا وهو طالب فى الصف الثانى الإعدادى، وعند التحدث معه تشعر أنه تاجر مخدرات من طراز فريد وليس مجرد طفل عادى، سألناه فى البداية عن أسباب إدمانه مخدر الفودو، فقال: إنه يتعاطى الحشيش منذ أن كان عمره 11 عامًا، موضحًا أنه فى إحدى المرات كان يدخن سيجارة حشيش برفقة صديق له وبعد الانتهاء منها أشعل صديقه سيجارة أخرى وصفها بأن مذاقها كان ممتعًا وتأثيرها أقوى، وبعد تدخينها سأل عن مكونات هذه السيجارة فجاوبه صديقه وقال: «دى سيجارة حشيش مخلوط بالفودو». وتابع: من هنا بدأت رحلة إدمانى للفودو وصديقى أوصلنى بتجار المخدرات الذين يبيعونه فى منطقتين «إمبابة» و«باب الشعرية»، كما أكد أن «صديقه كان يتعمد استدراجه لإدمان الفودو مثله كى يشترونه معًا وبسؤاله عن كيفية جلب الأموال لشراء الفودو أكد أن والدته شيخة تعمل فى فك السحر وطرد الجن ويتم استضافتها فى البرامج التلفزيونية، أما شقيقه الأكبر «تاجر حشيش» فضلًا عن أنهما لا يبخلان عليه بالأموال بالإضافة إلى أنه يلعب لعبة «الكونكر» (قمار إلكترونى) للحصول منها على أموال أكثر لسد تكاليف شراء الفودو، ولفت إلى أنه فى حالة عدم امتلاكه أموالًا كافية لشراء الفودو، يشترك مع أصدقائه المدمنين ويجمعون الأموال فيما بينهم ويشترون كيس فودو شعبى ب500 جنيه وزنه 30 جرامًا، موضحًا أن سيجارة الفودو ينتهى تأثيرها بعد ربع ساعة فقط من تدخينها لذلك يدخن مع أصدقائه 50 سيجارة على مدار اليوم. أكد كريم أنه بعد اكتشاف أهله إدمانه للفودو عاقبوه بشدة حتى هرب من المنزل لمدة شهر وعاد مرة أخرى لكنهم منعوا عنه المصروف اليومى، لذلك اتجه إلى تعلم طريقة عمل خلطات الفودو وبيعها للحصول على الأموال. وعن تعلمه خلطات الفودو قال إن علاقته توطدت للغاية بأحد تجار المخدرات بسبب شرائه ل الفودو منه بكميات كبيرة يوميًا ومع الوقت تعلم منه طريقة عمل خلطة الفودو منذ عام، والمكونة من عشبة تشبه الفودو الأصلى ويضاف إليها بعض المواد المخدرة، موضحًا أن المدمنين يعتقدون أن هذه الخلطة «فودو أصلى» ويطلقون عليها السيجارة «الغبية» بسبب تأثيرها القوى. وتابع: «بعد الانتهاء من عمل الخلطة أجرب منها سيجارة ولو كان تأثيرها جيدًا أستقر على مكوناتها بلا إضافات أخرى، بعدها أبيع جزءًا من الخلطة للحصول على أموال لشراء مكوناتها مرة أخرى والجزء المتبقى يكون نصيبى أنا وزملائى» مختتمًا حديثه بأنه يتمنى أن يمتلك «كافيه» لأنه يكره المدرسة. أما «طلعت.م» وشهرته «صامولة» البالغ من العمر 18 عامًا من منطقة ميت نما القليوبية، ويعمل فى ورشة ميكانيكا لإصلاح التكاتك روى حكايته مع إدمان خلطات الاستروكس فقال إنه مدمن لمخدر الحشيش وكان يتاجر فيه مع ديلر يدعى محسن من شبرا الخيمة إذ يوزع له الحشيش على الزبائن، مضيفًا أن الديلر اقترح عليه التجارة فى الاستروكس عن طريق عمل خلطات ببعض المواد المخدرة وبيعها للمدمنين على أنها استروكس وظل يغريه بالمكاسب المادية الطائلة حتى وافقه، ولفت إلى أن الديلر كان يكلفه بشراء الفودو الخام لزوم الخلطة -من منطقة الشرابية- وهذه الخلطة مكونة من تبغ سجائر يسمى «جولدن فيرجينيا» يضاف عليه نسبة ضئيلة من مخدر الفودو الخام ويطحن عليهما برشام الابتريل وبرشام الصراصير بنسب معينة ثم يغمر الخلطة بالمياه ويتركها تحت الشمس حتى تجف، وتابع قوله: الديلر كان يلف لى سيجارة من الخلطة ويغوينى لتجربتها فحينما أفقد الوعى يتم الاستقرار على مكونات الخلطة والبيع منها على أنها استروكس، وقال، حتى أصبحت مدمنًا على هذه الخلطة منذ عامين «ومفيش حاجة بتعمل لى دماغ غيرها» وأضاف أنه تعلم صناعة الخلطة من الديلر فمنذ القبض عليه وهو يقوم بصناعة الخلطة بنفسه داخل منزله بمساعدة صديق له يدعى عمر 19 عامًا مدمن استروكس ويكون دوره هو الآخر مقتصر على تجربة الخلطة وأكد «صامولة» أنه لا يتعاطى من الخلطة أثناء إعدادها للحفاظ على تركيزه وأثناء تجاذب أطراف الحديث استخرج من بين طيات ملابسه عدة شرائط برشام وقال إنه برشام صراصير ثم تناول قرصًا منه واستكمل حديثه فى حزن فقال: إن والده كان يجبره على العمل فى ورش الميكانيكا منذ أن كان عمره 7 سنوات وكان يتعرض للعنف الجسدى من جانب والده وصاحب الورشة الذى كان يعمل لديه مما اضطره للهروب من المنزل لعدة أيام يتجول فيها بين الشوارع مصاحبًا المدمنين وعند عودته للمنزل يعاقبه والده ويقوم بربطه بالجنازير، وأوضح أنه يعمل فى ورش الميكانيكا للحصول على الأموال لشراء البرشام ومكونات خلطة الاستروكس.
اللقاء الثانى كان مع عوكل صاحب ال 17 عامًا بمنطقة «قليوب البلد» والذى كشف طريقته فى الحصول على الأموال لشراء الاستروكس، مؤكدًا أنه مدمن له قائلًا، إنه مدمن استروكس منذ 3 سنوات ويتعاطى منه فى اليوم الواحد كيسًا كاملًا، مؤكدًا أنه بغض النظر عن أن حالته ضعيفة لكن حالته المادية غير جيدة إلا أنه مستعد لفعل أى شىء للحصول على الأموال لشراء الاستروكس كأن يصعد إلى أسطح المنازل خلسة ويسرق أى شىء يصلح للبيع وجلب الأموال. وتابع: أسرق من الأطفال الصغار بطاقات التموين عند أفران الخبز، وأبيعها إلى أصحاب العديد من المخابز الذين يعرفون جيدًا أنها مسروقة ومتوسط أسعار الطاقة الواحدة من 100 : 200 جنيه، لافتًا إلى أنه يصنع بنفسه خلطة الأستروكس.
قال عبد الرحمن، طالب ثانوى فنى، يعمل بائع ملابس فى أحد المحلات بمنطقة الشواربى، إنه مدمن فودو وتعلم خلطته منذ سنة من صديقه فى المدرسة الذى تعلمها من تاجر مخدرات يعمل معه ويبيعونها فودو أصلى، مضيفًا أنه يشترك مع أصدقائه المدمنين لشراء مكونات الخلطة ويجربونها على بعضهم حتى يستقروا على الخلطة المطلوبة، موضحًا أن خلطته تسبب الهلاوس لمدة 10 دقائق فقط لذلك يحتاج إلى تدخينها عدة مرات.
من جهته قال دكتور «عبد الرحمن حماد»، المدير السابق لوحدة الإدمان بمستشفى العباسية، أن الأطفال مدمنى المخدرات، ضحايا للمجتمع والأسرة فالذين تعرضوا للعنف الجسدى أو الاعتداء الجنسى، أو تم استغلالهم فى العمالة منذ الصغر يكونوا أكثر عرضة لإدمان المخدرات. وأشار إلى أن الطفل دائمًا ما يطاوع أصدقاءه فى تعاطى المخدرات لتجنب استهزائهم به، بالإضافة إلى كثرة الأفلام والمسلسلات التى تروج للمخدرات ورغبة الطفل فى تقليد أبطال هذه الأفلام، موضحًا أن مدمن الفودو دائمًا ما يحتاج إلى تعاطيه باستمرار لأن مفعول السيجارة ينتهى بعد 15 دقيقة فقط مما يتسبب فى حالات تسمم للمدمن، مشددًا على ضرورة خلق لغة حوار ما بين الأسرة وأبنائهم وتوعيتهم بخطورة المخدرات وحثهم على ممارسة الرياضة. وفى نهاية حديثه طالب بضرورة تفعيل دور الأخصائى النفسى والاجتماعى بالمدارس للحد من الظاهرة.
التربية أمن قومى كما أكد دكتور «جمال حماد»، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية، أن غياب القدوة الحسنة والطموح لدى الأطفال أدى إلى إدمانهم للمخدرات مشددًا على أن التربية والتعليم يعتبران من أولويات قضايا الأمن القومى ولا يقلان أهمية عن مواجهة الإرهاب، لأن بناء المجتمع الجيد يبدأ من الطفل.