"يا موضع الناظر من ناظري- و يا مكان السرّ من خاطري.. يا جملة الكلّ التي كلها - أحبّ من بعضي و من سائري" الحلاج الحسين بن منصور الحلاج، فارسي الأصل، ولد فى منتصف القرن الثالث الهجري، بقرية "الطور" فى الشمال الشرقي لمدينة البيضاء أحدى مدن فارس فى إيران، إرتدى عبائة الصوفية فترة من الزمن لكن بسبب تشدد فكرة اتهمه الناس بأنه زنديق وساحر واخرين قالوا عنه أنه ولياً من أولياء الله، ووصفة البعض بأنه كافر.
عمل أبوه بحلج القطن ونسجه، سبب تسميته بال "الحلاج" تركت أسرته قرية الطور وانتقل معها إلى وسط العراق، وتنقل الحلاج بين الكتاتيب فى فترة صباه ليتلقى ما أتيح له من العلم، ثم انتقل إلى تستر حيث درس على سهل ابن عبد الله التسنريّ، ثم إلى البصرة لينشئ علاقة طيبة بعمرو بن عثمان المكّي الصوفي الذي ألبسه الرداء الصوفي.
"لبّيكَ لبّيكَ يا سرّي و نجوائي - لبّيك لبّيك يا قصدي و معنائي ..أدعوك بلْ أنت تدعوني إليك فهلْ - ناديتُ إيّاك أم ناجيتَ إيّائي"
عاد الحلاج إلى العراق والتقى بالشيخ الجنيد، الذي طالبه بالذهاب لأداء فريضة الحجّ وظل فى مكة سنة كاملة يمارس أشق الرياضات الصوفية، حيث كان يعرّض جسده لأشد ألوان العذاب، ويقتصر في طعامه على الخبز والماء، ويعرّض جسده لأشعة الشمس المحرقة أو للمطر الغزير. وبعد أن عاد الحلاج من رحلته شعر مريديه أنه أصبح مختلفاً عما كان باتباعه فلسفة جديدة أثارت إعجابهم، فكثر أتباعه واختار الصوفية فلسفة له، ولكنه واجه بعض الصعوبات بين المشايخ الذين قرروا أن ينفوه لاعتقادهم أنه يمارس السحر والشعوزة، ورفضوا وجوده بين المتصوفين.
"فيا من بات يخلو بالمعاصي - وعين الله شاهدة تراه .. أتطمع أن تنال العفو ممّا - عصمتَ و أنت لم تطلب رضاه"
كانت نظرية الحلاج بالنسبة للتصوف، انه جهاداً ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع، فلم تلق هذه النظرية إعجاب السلطة السياسية الحاكمة في ذلك الوقت، وبسبب فلسفته كان أعدائه يصفونه بالكافر، ربما بسبب أقواله التي لم تكن مفهومة لهم فى ذلك الوقت، أما أتباعه فإنهم يقدسون أقواله ويؤكدون نسبتها إليه، ولكنهم يقولون إن لها معاني باطنة غير المعاني الظاهرة، وأن هذه المعاني لا يفهمها سواهم، بينما جنح المستشرقون إلى تفسيرات أخرى وجعلوا منه بطلاً ثورياً شبيهاً بأساطير الغربيّين.
"سكنتَ قلبي و فيه منك أسرار - فليَهْنِك الدار بلْ فليهنك الجارُ.. ما فيه غيرك من سرٍّ عَلِمْتُ به - فأنْظُرْ بعينك هل في الدار ديّار"
يعتبر الحلاج، من الصوفية الذين اعتقدوا بإمكانية الوصول إلى اتحاد بين الذات الإنسانية، والذات الإلهية، أو ما عُرف بالإحلال، فكان في هذا الرأي جدلٌ كثير، واتهاماتٌ عديدة، ومحاكمات كثيرة، فيقول الحلَّاج: "لا أرى شيئاً إلا أرى الله فيه". لكنَّه فسر كلامه، بأعقدَ منه، فقال: "النقطة أصل كلِّ خط، والخط كلُّه نقطٌ مجتمعة؛ فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط.، وكلُّ خطٍ مستقيم أو منحرف، هو متحركٌ عن النقطة بعينها، وكلُّ ما يقع عليه بصر أحد؛ فهو نقطة بين نقطتين، وهذا دليل على تجلّي الحق من كلِّ ما يُشاهد، وترائيه عن كلِّ ما يُعاين، ومن هذا قلتُ: ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه".
لم يعجب الفقية محمد بن داود بفلسفة الحلاج، معتقداً أنها تتعارض مع تعاليم الإسلام التي لا تعترف إلا بالقرأن الكريم، فرفع أمر الحلاج إلى القضاء طالباً محاكمته أمام الناس والفقهاء. وحكم على الحلاج بالصلب بباب خرسان المطل على دجلة، على يدي الوزير حامد ابن العباس، تنفيذاً لأمر الخليفة المقتدر في القرن الرابع الهجري. "اقتلوني يا ثقاتي إنَّ في قتلي حياتي .. وحياتي في مماتي ومماتي في حياتي"