«أحاديث ضعيفة وأموال وصكوك إيمان » لإغراء الشباب يعزل عن الباقين لتعزيز كراهية الدولة والناس لديه.. وأحياناً إعطاؤه حبوب مخدرة لتهدئته خبير فى الحركات الإسلامية: 3 مراحل يمر بها الانتحارى..مع السلفيين ثم الإخوان وأخيرًا داعش جهادى سابق:التقيت ببعضهم.. ويتم اختبار ثباتهم بحزام ناسف وهمى ..ولا حل سوى بقتلهم قبل العملية «حدثوا أنفسكم بالعمليات الاستشهادية طوال الوقت»، كلمات أطلقها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن مطلع صيف 1999 لتكون شرارة البدء فى موجة من العمليات الانتحارية؛ التى كثرت فى مصر مؤخرًا، وكان آخرها استهداف كنيسة مارجرجس بمحافظة الغربية وكنيسة القديسين بالإسكندرية، والتى راح ضحيتها العشرات ممن تواجدوا داخل الكنيسة للصلاة والاحتفال بأحد الشعانين. ولأن تلك العمليات جديدة على المجتمع المصرى كان لابد من الاجابة عن تساؤلات أثيرت مؤخرًا، فمن أين أتوا هؤلاء الانتحاريون، وكيف تم تجنيدهم وكيف خرجوا من مصر وعادوا إليها، وما هى الأساليب التى تنتهجها التنظيمات المتطرفة فى انتقاء تلك العناصر وتوجيههم، والأهم من ذلك كيف يتم ردعهم لمنع تكرار المشاهد الدامية التى رأيناه قبل أيام.
دعوة مرسى فى سياق متصل، أوضح الشيخ ياسر سعد عضو تنظيم الفنية العسكرية سابقًا ل(الصباح)، إذا حاولت أن تعرف من أين جاءت العناصر الانتحارية ممن يحملون الجنسية المصرية، عليك أن تبحث فى خطاب الرئيس المعزول محمد مرسى داخل استاد القاهرة فى ذكرى انتصارات أكتوبر حينما دعا للجهاد فى سوريا ضد بشار الأسد، حيث خرج العشرات من أبناء التيارات الإسلامية «سلفيين وإخوان وجماعة إسلامية»، وتلقوا تدريبات عسكرية بصفوف الجيش السورى الحر، وسرعان ما انضموا لتنظيم داعش الإرهابى، وما إن نجحت ثورة 30 يونيو فى اقتلاع حكم الإخوان، حتى قررت تلك العناصر المقاتلة العودة إلى مصر عن طريق ليبيا واختراق الحدود الغربية. وتابع سعد «تم اختيار العناصر التى تصلح للقيام بعمليات انتحارية هناك فى سوريا، قبل إرسالهم إلى مصر، وفق شروط على رأسها أن يكون معدوم الأهلية أو على أقل تقدير تكون علاقته بأسرته سيئة وحالته المادية متدنية للغاية، حيث يتم عزله عن باقى أفراد المعسكر وتعزيز روح الكراهية لديه ضد الحكومة والنظام والمواطنين، ويتم استلامه فى مصر بواسطة أعضاء تنظيم ولاية سيناء ومهمتهم توفير بيئة منعزلة حتى لا يتأثر قبل التنفيذ، وفى بعض الحالات يتم إعطاؤهم حبوب مخدرة لتهدئة الأعصاب، فهو شخص سيتحول إلى أشلاء بعد لحظات، وخلال مراحل الإعداد يتم الاستناد إلى أحاديث ضعيفة ليس لها سند لتبرير قتل الأبرياء». ويستطرد سعد «العمليات الانتحارية سياسية من الدرجة الأولى وليست دينية كما يشاع، فالغرض إحداث حالة فوضى لتتمكن جماعات سياسية من الصعود إلى سدة الحكم، والكارثة الحقيقية ما يحدث داخل السجون فى الوقت الراهن من اتصال بين أبناء تنظيم داعش المؤمنين بفكرة العمليات الانتحارية وبين الشباب من خارج التيارات الإسلامية، وهى نفس التجربة التى مررت بها أثناء تواجدى بالسجن حيث حاولنا تجنيد الشباب وضمهم لصفوف الجماعات الجهادية وعليه لابد من عملية الفصل بين المتطرفين وبين باقى المسجونين السياسيين».
تجربة القاسمى صبرة القاسمى الجهادى المنشق، يروى ل (الصباح)، تجربته مع الانتحاريين، قائلًا «تعاملت خلال انتمائى للتنظيمات الجهادية مع الانتحاريين ممن نفذوا عمليات فيما بعد، وهم أشخاص لديهم رغبة ملحة فى القتل سواء من خلال السلاح أو باستخدام الأحزمة الناسفة، حيث يتم تلقينهم مناهج معينة، فور أن تظهر لديهم الرغبة فى الشهادة، فمثل هؤلاء الأفراد لا يتم إجبارهم على تلك العمليات، بل يتم توجيههم فقط وهم من يحددون الزمان والمكان المراد استهدافه، بعد أن يتم تنصيبه أميرًا بشكل ظاهرى، وقبل أن يتم تنفيذ العملية يتم اختباره من خلال حزام ناسف وهمى للتأكد من إقباله بدون تردد على تنفيذ العملية». وتابع القاسمى «لا توجد طريقة أمنية لمواجهة الانتحارى إلا بقتله قبل تنفيذ العملية، لأن جميع المراجعات الفكرية وجلسات النصح والإرشاد لن تجدى معه نفعًا، فهو مقتنع تمامًا بأن المجتمع كافر». وعن طريقة إعداد تلك العناصر، أكد القاسمى أنه ليس بالضرورة أن يتم إعداده خارج مصر، فهناك عناصر يتم تجهيزها بالداخل بعد أن يتم اصطيادهم عن طريق المقاهى وصفحات الإنترنت، وأضاف: «البطالة واحدة من الأبواب التى تدخل من خلالها العناصر الإرهابية لاصطياد الانتحاريين».
معسكرات درنة فيما حصلت «الصباح» على شهادة حية من أحد العمال العائدين من ليبيا ويدعى على كمال، وهو من بنى مزار بالمنيا، الذى أكد أن تنظيم داعش بمدينة درنة فى ليبيا وراء تجنيد الانتحاريين الذين جاءوا إلى مصر لتنفيذ العمليات الإرهابية التى شهدتها البلاد مؤخرًا. وتابع كمال «رأيت الدواعش والذى تم تجنيدهم بواسطة شخص يدعى الشيخ سليم، أسس معسكرًا اسمه أبو سليم بمدينة درنة، وهو صاحب الورشة التى عملت بها، حيث يقوم بالاستيلاء على جوازات السفر للمصريين المقيمين هناك وتجنيد بعضهم، وتلقينهم دورات تدريبية على القتال لمدة 45 يومًا، ومن ثم إرسالهم إلى سوريا للقتال، ورأيت محمود شفيق منفذ هجوم البطرسية داخل ورشة الشيخ سليم، ولم يسمحوا لى بالنزول إلى مصر إلا بشرط، وهو توصيل مجموعة فلاشات إلى أشخاص بكفر الشيخ وتهديدى بالقتل إذا لم أنفذ التعليمات، وهو ما اضطرنى إلى الذهاب لمقر المخابرات فور نزولى للقاهرة وتسليم الفلاشات التى تبين احتواؤها على أسماء قضاة وضباط، والعناوين الخاصة بهم، وبعضهم تم اغتياله فيما بعد». شهادة أخرى، يرويها حسام الديب، وهو أيضا أحد العائدين من ليبيا، وكان يعمل بمدينة مصراتة، وأوضح ل (الصباح)، أن هناك طرقًا لتجنيد الشباب خاصة فى مرحلة المراهقة من 18 الى 20 سنة، وهى تسهيل زواج الشباب من خلال جهاد النكاح وإغراقهم بالمال خلال الفترة التى يقضونها داخل المعسكر. وعن طريقة تجنيد المنضمين للجماعات المتطرفة بشكل عام، أكد طارق أبو السعد خبير الحركات الإسلامية، أن «كل أبناء الحركة الإسلامية قادرون على بناء شخص انتحارى، فصناعته تمر بثلاث مراحل، تبدأ المرحلة الأولى مع الجماعة السلفية حيث يتم إعداده وتهيئته، ثم المرحلة الثانية والتى تقوم بها جماعة الإخوان وهى التجهيز وجعله صالحًا لتنفيذ المطلوب من خلال تعزيز فكرة السمع والطاعة لديه، ثم المرحلة الثالثة والأخيرة وهى التنفيذ والتى تتولاها الجماعات الجهادية وهو ما تم مع صهيب الجمال الذى قتل فى سوريا، نجل أحد القيادات الإخوانية، فالعلاقة بين التنظيمات الثلاث وظيفية وليست تنظيمية، فقد يكفر تنظيم داعش جماعة الإخوان، ولكنه لا يستطيع العمل دون شباب قابل للخضوع وتنفيذ الأوامر، كذلك فتاوى شيوخ الجماعة والتى كفرت الخارجين فى ثورة 30 يونيو، ولأن الأقباط كانوا ضمن الثائرين على حكم التنظيم فتم استخدام ذلك فى توجيه الانتحاريين ضد المسيحيين». وتابع أبو السعد «المسئول عن الانتحاريين يصل بهم لمرحلة أنهم فى كل الأحوال أموات، وفى بعض الاوقات يضطر أن يكشف هويتهم للأمن حتى يشعروا بأنهم مطاردون وبدلًا من أن يقتلوا برصاص الأمن يفخخون أنفسهم ويختارون الهدف والتوقيت، وعلى افتراض أن هناك ما يقرب من 100 شخص بهذه الطريقة، فنحن أمام كارثة إذا ما قرروا القيام بعمليات انتحارية».
مبايعة الزنازين على الجانب الآخر، علمت «الصباح» أن مبايعة السجون لتنظيم داعش، التى سبق أن أكدها صحفى الجزيرة السابق محمد فهمى والإخوانى المتنازل عن جنسيته محمد سلطان، لاتزال مستمرة حتى الآن. ويرى مصدر مطلع أن «حركة حازمون هى الأقرب لفكر تنظيم داعش، وبدأ العشرات من أعضائها والمحبوسين داخل سجن العقرب شديد الحراسة فى مبايعة داعش والتواصل مع الشباب من التيارات السياسية والدينية لتجنيدهم لصالح هذا التنظيم الأشد تطرفًا، وهناك مشاجرات حدثت بين أبناء جماعة الإخوان، وبين هؤلاء الشباب بسبب الخلافات الفقهية وفكر الجهاد».