المتلاعبون يستغلون غلاء أسعار السلع ويبدلونها بالخبز مقابل التنازل عن حصص «الدعم» طرق الغش والخداع والسرقة لايمكن منعها أو وقفها إلا إذا احتكم الإنسان للضمير الإنسانى خاصة أنه كلما اكتشفت الجهات الرقابية طريقة وأمسكت بالبعض من المواطنين أو المسئولين ابتكروا شيئًا آخر ليكملوا سرقتهم بطريقة أخرى. القضية محل التحقيق تتعلق بقطاع الدعم التموينى الذى يفترض أنه حق المواطنين البسطاء الذين لم يعودوا قادرين على تحمل أعباء المعيشة فى ظل هذا الارتفاع الجنونى للأسعار، إلا أن هذا الدعم لم يستفد به كل البسطاء بل أصبح عملية تربح بالملايين لبعض المسئولين وأصحاب الأفران وأصحاب مكاتب صرف التموين فى المناطق المختلفة. على الرغم من أن الشروع فى عمل البطاقات الذكية لكل أسرة كان بهدف الحد من عمليات السرقة التربح للتجار أو أصحاب مكاتب التموين، إلا أن أداة المواجهة أصبحت هى ذاتها أداة السرقة من خلال سرقة نقاط الدعم التى توجد على الكارت الذكى، والتى يصرف بها الدعم المادى من قبل وزارة التموين طبقًا لما تم صرفه من الأفران أو السلع التموينية. القضايا الأبرز فى سرقة الدعم، كان أبطالها أصحاب المخابز الذين يتلاعبون بالنقاط الموجودة على البطاقات التموينية من خلال طرق عديدة، إما سرقة الرصيد دون علم صاحب البطاقة، أو من خلال برامج إلكترونية تضيف نقاطًا عديدة إلى الماكينة، أو عبر التنسيق مع بقال تموينى ليجمع البطاقات ثم يبيع ما تحويه من نقاط، أما الآن فقد أضيف إلى الأمر طريقة أخرى وهى السرقة المشروعة، أى أنها بموافقة المواطن نفسه الذى لم يجد أمامه إلا الرضوخ لأساليب أصحاب الأفران التى تمثل استغلالًا وتربحًا غير مشروع. داخل إحدى الحارات الضيقة بمنطقة الطوابق فى شارع فيصل بالجيزة، والتى تضم عددًا من المخابز التابعة للحكومة، كشف لنا الأهالى بداية خيوط لعبة «سرقة الدعم»، لننتقل إلى أحد المخابز، ونتابع مديره المسئول خلال استلامه البطاقات من المواطنين ووضعها بالماكينة الصغيرة استعدادًا لصرف الخبز طبقًا لعدد أفراد الأسرة بعدد خمسة أرغفة للفرد الواحد فى اليوم، وكانت المفاجأة قيام بعض المواطنين بصرف البيض بدلًا من الخبز! إحدى السيدات التى حصلت على البيض مقابل نقاط الخبز، أخبرتنا أن صاحب المخبز يبيع البيض بأقل من سعره، وتحديدًا ب 75 قرشًا، مقابل تنازل كل فرد على البطاقة عن حصته فى الخبز، وهى 5 أرغفة يحصل فى مقابلها من وزارة التموين على 20 قرشًا عن كل رغيف، أى أنه يتحصل على جنيه آخر بجانب ال 75 قرشًا التى يحصل عليها مقابل تبديل الخبز بالبيض، فضلًا عن أنه يبيع رغيف الخبز للتجار ب 30 قرشًا، ما يعنى أنه تربح أيضًا جنيهًا ونصف جنيه أخرى من وراء الفرد الواحد، لتصبح حسبة التربح عن الفرد الواحد ثلاثة جنيهات وخمسة وعشرين قرشًا. «أم أحمد» إحدى السيدات التى اشترت البيض من المخبز، أكدت أنها تلجأ إلى هذا الأمر نظرًا لأنها لا تحتاج إلى كل كمية الخبز الموجودة على البطاقة، وترى أن سعر البيض الذى وصل إلى 125 قرشًا فى الخارج دافع قوى لأن تشترى البيض بهذا السعر الذى يعرضه عليها صاحب المخبز، وهو يشدد على أنه يساعد الفقراء من أجل التغلب على الأسعار الجنونية التى سيطرت على الشارع المصرى! وفى ذات المنطقة، يوجد مخبز آخر لكنه يبيع البيضة الواحدة ب90 قرشًا، وإذا طبقنا ذات الحسبة السابقة، نكتشف أن ربحه يصل إلى 340 قرشًا من وراء الفرد الواحد. وفى نظرة على الطرق السابقة لسرقة الدعم، قبل تطبيق المنظومة الجديدة، كان أصحاب المخابز يحصلون على الدقيق المدعم مقابل 16 جنيهًا للجوال الذى يزن 100 كيلو جرام، ويبيعون رغيف الخبز مقابل 5 قروش، بعد تهريب جزء من حصة الدقيق إلى السوق السوداء، بينما فتحت المنظومة الجديدة الباب لعملية سرقة أكبر بكثير، حيث يتم صرف الجوال الواحد وزن ال 100 كيلو جرام حاليًا بسعر 260جنيهًا، ومن المفترض أن معدل إنتاج الجوال الواحد 1250 رغيفًا، ويتم بيع الرغيف مقابل 5 قروش أيضًا، ويتم صرف 24.5 قرش من هيئة السلع التموينية التابعة لوزارة التموين مقابل كل رغيف خبز تنتجه المخابز. «الحاج أحمد» صاحب مخبز فى منطقة الهرم، كشف ل«الصباح» أن أصحاب المخابز فى المناطق الشعبية يتلاعبون بالمواطنين، نظرًا لعدم وعيهم، خاصة أنهم يعتقدون أن تقديم البيض أو أى سلعة بسعر مخفض ولو 10 قروش هو مساعدة لهم، لكنها فى الحقيقة سرقة ممنهجة لهم، لأنهم لا يعلمون أن صاحب المخبز يحصل على مبلغ مقابل كل رغيف يتم تسجيله على البطاقة، فضلًا عن أنه يبيعه فى السوق العادى بسعر أعلى بكثير من سعره، وهو بذلك يكون قد حصل على مبلغ كبير مقابل عن الفرد الواحد، كما يكلف الدولة مبالغ كبيرة دون وجه حق من خلال حصوله على 20 قرشًا مقابل الرغيف الواحد، ما يعنى أن الفرد يحصل على ثلاثين جنيهًا فى الشهر كدعم مقابل الخبز، وهو ما يتحصل عليه صاحب المخبز، فى الوقت الذى يبيع أكثر من نصف حصته فى السوق العادية ويتحصل على مبالغ طائلة. ومن الهرم إلى العمرانية، أكد أحمد سيد أحد أهالى المنطقة أن المواطنين يلجأون لشراء البيض بهذا الشكل، خاصة بعد ارتفاع سعره فى الخارج إلى حد كبير. وعن آلية عمل البطاقة الذكية، يحصل صاحب المخابز على ماكينة، متصلة بنظام عام من خلال شريحة إلكترونية، وتعمل هذه الماكينة بطريقة آلية وفقًا لعدة خطوات، أولها أن صاحب المخبز يصطحب هذه الماكينة، أثناء شراء حصة الدقيق المخصصة لمخبزه من المطحن، وطبقًا لكمية الدقيق التى اشتراها صاحب المخبز يتم حساب الكمية التى يجب أن ينتجها، فعلى سبيل المثال لو كانت الحصة تبلغ 10 أجولة دقيق، تنتج 1250 رغيفًا، تكون الحصيلة 12500 رغيف، ويتم تسجيل هذا الرقم على ماكينة صاحب المخبز، وخلال عملية البيع يوضع الكارت الخاص بكل مواطن داخل الماكينة، لتقوم بخصم عدد الأرغفة المستحقة للبطاقة من الرصيد العام على الماكينة، لرصد نسبة الخبز المباعة، ووفقًا للنتائج، ويتم على أساسها صرف القيمة المادية التى تمنحها الوزارة مقابل كل رغيف يحصل عليه المواطن، وهذا هو الحل الذى ينقذ وزارة التموين من تقديم دعم مالى لأصحاب المخابز التى كانت تتربح من المتاجرة بالدقيق، ثم تحصل على دعم من الوزارة، وكأنها قامت بالدور المطلوب منها. الأمر لم يتوقف عن نقاط الخبز، حيث تحول البقالون أيضًا إلى تجار بقوت الغلابة، وبدلًا من منحهم السلع الأساسية يجبرونهم على الحصول على سلع أخرى، بادعاء أن الأساسية لم تعد موجودة، ويقوم بتبديلها بأخرى مقابل ال 21 جنيهًا لكل فرد، كما يحصل صاحب محل البقالة على فارق نقاط الخبز التى لم يتم صرفها، والتى يفترض أن تبدل ب 10 قروش عن كل رغيف خبز، حيث يقتنص البقال تلك القروش عندما يستخدم الكارت الذكى، فيضيف نصف رصيد الخبز أو أى قيمة منه، وبعد ذلك يخبر المواطن بالرصيد المتبقى، وهو الأمر الذى اكتشفه بعض المواطنين، وأكده لنا عمر على أحد المواطنين بالهرم، مضيفًا أنه كان يعلم عدد النقاط الموجودة على الكارت، ثم فوجئ بعد ذلك بوجود نحو نصف النقاط فقط، إلا أنه لم يستطع إثبات ذلك نظرًا لعدم علمه بطبيعة عمل الكروت الذكية. من جانبه، أكد أحد قيادات وزارة التموين، الذى طلب عدم ذكر اسمه، أن ضعف الرقابة من الوزارة ومفتشى التموين وراء الكثير من عمليات النصب التى تتم على الوزارة والمواطن فى آن واحد، حيث بات الأمر شائعًا فى كل أنحاء الجمهورية، خاصة أن بعض المخابز تم إغلاقها بسبب تلك العمليات، إلا أن تواطؤ عدد من المسئولين وغياب الوعى لدى المواطن المصرى، وجشع أصحاب المخابز ومحال البقالة وراء الكارثة التى تكلف الوزارة مليارات الجنيهات سنويًا، ينتفع بها الذين يسرقون قوت الغلابة. وأضاف أن المواطنين يتركون البطاقات الذكية لدى صاحب محل البقالة، ومن ثم يقوم الأخير ببيعها لأصحاب المخابز ليحصلوا على نسبة من الأرباح التى يجنونها من وراء هذه العملية، مشيرًا إلى أن المواطن الذى يحق له 21 جنيهًا مقابل سلع تموينية فى الشهر لا يحصل عليها نظرًا لأن البقالين يبيعونها لأصحاب المقاهى والمطاعم الكبرى، بينما يجبرون المواطنين على شراء أشياء أخرى بدعوى أنها الوحيدة المتاحة.