«ريفز» مسجل «سوابق نصب».. ومُنع من عمل المسح الجغرافى فى وادى الملوك وسحب منه الترخيص لاتهامه بتهريب الآثار عام 2002 زاهى حواس يقود المعترضين ويتهم نيكولاس ريفز بالنصب والتعاون مع مهربى الآثار فى 29 سبتمبر 2015 زار وزير الآثار ممدوح الدماطى، مع عالم الآثار البريطانى نيكولاس ريفز قبر فرعون وادى الملوك فى الأقصر، فى إطار دعم الوزير لأطروحة ريفز فى وجود مقبرة الملكة نفرتيتى وراء جدران مقبرة توت عنخ آمون. من جهته، يرى عالم الآثار والأستاذ بجامعة أريزونا، أن لديه أدلة بشأن مقبرة الملكة نفرتيتى، قائلًا إنها ربما تكون قد دُفِنت خلف واحد من بابين سريين داخل قبر الملك توت عنخ آمون. بدت نظرية ريفز فرصة لحل واحدة من أشهر الألغاز فى علم المصريات، خصوصًا وأنه لطالما بحث علماء الآثار عن المكان الذى دفنت فيه الملكة نفرتيتى من دون جدوى. ونشرت مؤسسة «فاكتوم آرتى» المعنية بربط التكنولوجيا الحديثة بالمهن اليدوية من أجل حفظ التراث الثقافى، ولها مقار فى لندن ومدريد وميلانو، الصور عالية الدقة عام 2014 واستخدمت من أجل وضع نسخة بالغة الدقة عن غرفة الدفن فى قبر توت عنخ آمون. وزعم ريفز أن تحليلاته للصور كشفت عن وجود ممرين سريين غير معروفين من قبل داخل قبر توت عنخ آمون، ربما يقودان إلى غرفة دفن الملكة نفرتيتى. وأضاف فى مقالته التى نشرها «مشروع مقابر تل العمارنة الملكية»، أن التحليل الحذر للصور التى نشرتها مؤسسة «فاكتوم آرتى» على مدى شهور أدت إلى نتائج مثيرة للاهتمام. وتابع قائلًا: إنه إذا تمت ترجمة المظهر الرقمى للصور إلى واقع، فيبدو أننا سنجد غرفة تخزين جديدة تعود لعصر توت عنخ آمون فى الاتجاه الغربى للمدفن.. أما فى الاتجاه الشمالى فيبدو أننا أمام مدخل سرى يقود إلى غرفة دفن الملكة نفرتيتى. غير أن ريفز أشار إلى أن نظريته غير قابلة للتحقق، ما لم يتم فحص مدفن توت عنخ آمون ومسحه وتحليله على أرض الواقع. نظرية ريفز تقوم على تحليل صور بالغة الدقة لقبر توت عنخ أمون، الذى اكتشفه عالم الآثار الإنجليزى هوارد كارتر فى وادى الملوك عام 1922. كانت نفرتيتى، والتى يعنى اسمها «الجميلة أتت»، ماتت قبل وفاة الفرعون الصغير بنحو 10 سنوات؛ لأنه توفى فى سن مبكر، حيث استمر حكمه قرابة 10 سنوات، ولم تكن قد شُيِّدت مقبرة له بعد، حيث كان بناء قبر الفرعون يبدأ عادة بعد أيام قليلة من تنصيبه فرعونًا على مصر، وكان البناء يستغرق على الأغلب عشرات السنين، حيث كان العمال يستخدمون أدوات بسيطة فى إعداده. والملكة الفرعونية نفرتيتى هى زوجة الفرعون إخناتون، واسمه السابق أمنحتب الرابع، وكانت زوجة أب وصهر الفرعون الصغير توت عنخ آمون، الذى تزوج من إحدى بناتها، وهى الأميرة عنخ إس إن آمون. ولم تكن نفرتيتى، التى أنجبت 6 بنات من إخناتون، زوجة ملكية فحسب، بل لعبت دورًا سياسيًا ودينيًا كبيرًا مع زوجها إخناتون الذى قاسمته السلطة، كما لعبت دورًا مهمًا معه فى تغيير العقيدة المصرية فى تلك الآونة؛ إذ إن المصريين كانوا يعبدون عدة آلهة، ثم ظهر أمنحتب الرابع (الأسرة الثامنة عشر - الدولة الحديثة - القرن الرابع عشر قبل الميلاد) - واسمه يعنى آمون راضٍ- ليبدأ فى التفكير والتأمل. وتساءل عن معقولية وحقيقة وجدوى عبادة آلهة متعددة، وآمن بقوة بوجود إله واحد، ودفعه هذا إلى اختيار الشمس التى تهب البشر والكائنات الطاقة والضوء، رمزًا لآتون الإله الخالق. وعلى أثر ذلك، قرر أمنحتب الرابع وزوجته ترك مدينة طيبة التى تلوثت بعبادة الآلهة المتعددة، ليؤسس عاصمة ملكية جديدة فى مدينة لم تكن معروفة من قبل أطلق عليها اسم «أخت آتون» - أى أفق آتون - وهى مدينة تل العمارنة الحالية بمحافظة المنيا، ومن ثَمَّ تغير اسم أمنحتب الرابع إلى إخناتون - (أى خادم أو عابد آتون). وتوصل عالم المصريات الألمانى، هيرمان شلوجل، فى عام 2012 إلى أن الأبحاث العلمية والتاريخية الحديثة، تؤكد أن نفرتيتى كانت القوة المحركة لثورة ثقافية وسياسية فى عصرها، وهذا ما تؤكده كل المصادر والوثائق التى عُثر عليها فى معبد الكرنك، وفى مدينة تل العمارنة، معتبرًا أن هذه المناظر تمثل نفرتيتى جالسة على العرش الملكى إلى جوار زوجها الملك إخناتون، مماثلة له فى الحجم والأهمية، ما يؤكد قيمة الدور الذى لعبته خلال فترة حكمه. أما عن نهاية نفرتيتى فهى كأصولها غير معلومة، ولا أحد يعرف بعد أين ترقد الملكة الأسطورية بعد وفاتها، علمًا بأن عالم الآثار الألمانى الشهير لودفيج بورشهارت عثر فى عام 1912 على تمثال نصفى لنفرتيتى فى ورشة فنية لنحَّات تل العمارنة الشهير، تحتمس. لجأ بورشهارت إلى حيلة، لأخذ هذا التمثال إلى برلين، بأن وصفه بأنه «تمثال جيرى غير مكتمل». وتقاعس مندوب مصلحة الآثار عن الحضور مع البعثة أثناء اقتسام المكتشفات، كما كان ينص القانون وقتها، فانتهز عالم الآثار الألمانى الفرصة ونقله إلى برلين (موجود فى متحف برلين حاليًا)، فيما اكتشف المصريون الخدعة متأخرًا، ما دفع الملك فؤاد إلى المطالبة بعودة التمثال إلى مصر، وكاد ينجح لولا تغير الظروف السياسية وقتها. إلا أن بوادر الأمل فى حل لغز مقبرة نفرتيتى لاحت مجددًا بعد نظرية ريفز. المفارقة أن نيكولاس ريفز له سوابق نصب فى مجال الآثار المصرية، وقد صدر قرار بمنعه من عمل المسح الجغرافى فى وادى الملوك من قبل هيئة الآثار المصرية وتم سحب ترخيص عمله، وذلك لاتهامه فى تهريب الآثار وكان هذا فى عام 2002 بعد أربعة أعوام من بدء عمله فى وادى الملوك 1998. وفى أغسطس 2005 تمت تبرئته من قبل هيئة الآثار المصرية، ولكنه لم ينل الترخيص مرة أخرى لتكملة المشروع المسح الأثرى والجغرافى لمشروع مقابر العمارنة. زاهى حواس وزير الآثار الأسبق، انتقد قرار ممدوح الدماطى، وزير الآثار، السماح للباحث البريطانى بإجراء دراسات داخل مقبرة توت عنخ آمون، لإثبات نظريته المزعومة حول وجود قبر نفرتيتى خلف أحد حوائط المقبرة الأولى، واصفًا النظرية بأنها «نصب». حسب حواس فإن «نظرية ريفز هى أحد أساليب النصب التى اعتادها، فقد سبق وجاء الباحث بنظرية مشابهة من قبل، وقمنا بأعمال حفر أمام مقبرة توت عنخ آمون ولم نجد شيئًا»، مشيرًا إلى أنه منع ريفز من التنقيب فى وادى الملوك لمدة ثلاث سنوات، «لتعاونه مع تجار آثار كان يقوم بتقييم القطع المسروقة وتثمينها لهم». وعن نظرية ريفز، التى قال فيها إن مقتنيات توت عنخ آمون هى فى الأصل مقتنيات نفرتيتى وإنها مدفونة فى نفس المقبرة، قال حواس: «كل ما يقال لا أساس له من الصحة، فمن المستحيل دفن سيدة فى وادى الملوك، خاصة أنها كانت مغضوبًا عليها هى وزوجها إخناتون بسبب دعوتهما إلى التوحيد، واستدلاله على أن المقتنيات لنفرتيتى بسبب ثقب فى أذن قناع توت عنخ آمون أمر يثير السخرية؛ لأن ذلك كان تقليدًا معتادًا وقتها». وتساءل حواس: «ما جدوى السماح لباحث مشكوك فى مصداقيته ولا يرقى إلى مستوى علماء الآثار المعروفين بالعبث فى واحدة من أهم المقابر الفرعونية؟ وأين المناظرة التى قيل إنها ستُجرى بينه وبين علماء الآثار؟!». لم يكن ريفز الأول الذى يتلاعب بالمسئولين عن الآثار والوزراء المعنيين بشأن الآثار.. فالوزير أو المسئول فى بلادنا قد يصبح فى لحظٍ ما صيدًا ثمينًا لنصاب أو محتال، يرغب فى استغلال هذا المسئول ومنصبه لتحقيق أغراضه أو جنى شهرة لا يستحقها. وهكذا لم يكن الشاب محمد جاد الرب القادم من أسوان، هو أول نصاب فى حياة وزير الثقافة المصرى الأسبق فاروق حسنى. فقبل هذا النصاب الذى زعم للوزير اكتشافه مقبرة أثرية فى سبتمبر عام 1996 سعيًا وراء اقتناص مكاسب مالية، قبل أن يختفى ويحرج الوزير أمام وسائل الإعلام، جاءت الأثرية اليونانية ليانا سوفاليتزى لترفع شعار: وجدتها! كانت ليانا سوفاليتزى تروج لفكرة مفادها أن مقبرة الإسكندر الأكبر موجودةٌ فى واحة سيوة. وقف فاروق حسنى إلى جانب الباحثة اليونانية وساندها فى وجه كل من رفضوا حكاية مقبرة الإسكندر فى سيوة، مع أن فريق المعارضين ضم علماء آثار وباحثين بارزين، بينهم الأثرى المعروف المولود فى الإسكندرية هارى تزالاس مدير معهد أبحاث الإسكندرية فى العصور الوسطى، والذى قدم الأدلة الكافية من وجهة نظره على أن قبر الإسكندر الأكبر كان موجودًا محل مسجد النبى دانيال فى قلب الإسكندرية. صدّقها فاروق حسنى، ربما لأن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار فى مصر - حينذاك - د. عبدالحليم نور الدين، كان من أنصار نظرية سوفاليتزى. غير أن سوفاليتزى - التى ظلت تحفر وتنقب فى سيوة خلال الفترة بين عامى 1989 و1995 - بررت الاعتراضات التى واجهتها بالتنافس المهنى الشرس، فقالت إن وراء الحملة التى هدفت إلى إلغاء ترخيص العمل الخاص بها مجموعة من الأثريين اليونانيين عز عليهم أن ينسب هذا النجاح إليها، فحرَكوا الحكومة اليونانية، والتى بدورها خاطبت الحكومة المصرية لإلغاء ترخيص البحث الممنوح لها من هيئة الآثار المصرية. وأصدرت الباحثة اليونانية كتابًا باللغتين اليونانية والإنجليزية بعنوان «قبر الإسكندر الأكبر فى واحة سيوة: قصة الحفريات الأثرية والخلفية السياسية» سردت فيه قصة الإسكندر ومعشوقته خميسة التى مازال يطلق اسمها على التل الأكبر فى واحة سيوة، وعدَدت من الأدلة والبراهين ما رأت أنه يؤيد فكرتها. زعمت سوفاليتزى فى مطلع فبراير 1995 اكتشافها لموقع مقبرة الإسكندر الأكبر، إلا أن وفدًا أثريًا رفيع المستوى انتدبته الحكومة اليونانية تفقد الموقع المزعوم فى 7 فبراير 1995 وخرج ليقول إنه لم يجد ما يثبت صحة مقولة سوفاليتزى، بل إن الوفد اليونانى قال إنه ليس واضحًا إن كان ما عثرت عليه سوفاليتزى هو معبد أم مقبرة، كما أن ما جرى العثور عليه ينتمى على الأرجح إلى العصر الرومانى، أى بعد نحو 300 عام من وفاة الإسكندر الأكبر. وبعد تفنيد نظرية سوفاليتزى، اختفت تمامًا عن الأنظار بعد أن حصلت على ضجة إعلامية ودعائية استفادت منها فى إنجاز بعض مشروعات «البيزنس» الخاصة بها فى مصر. وأدى ذلك إلى وضع وزارة الثقافة فى موقف حرج، سرعان ما دفع الحكومة إلى مراجعة سياساتها بشأن السماح بإجراء أى حفريات أثرية فى مصر.