الانتخابات العامة التي أبقت على وجوه النظام القديم في الحكم، وتزايد المعارضة السياسية، وقضايا الشخصيات البارزة، ومن بينهم العداء الأولمبي الدولي المعاق أوسكار بيستوريوس، كانت أهم ما يميز جنوب أفريقيا خلال عام 2014. ووفقا لما جاء على وكالة “الأناضول” للأنباء وفي 7 مايو/ آيار، الماضي عقدت جنوب أفريقيا الانتخابات الديمقراطية الخامسة، منذ نهاية حقبة نظام الفصل العنصري عام 1994، عندما سمح للسود لأول مرة بالإدلاء بأصواتهم، وبلغت نسبة المشاركة 73.5%، في الانتخابات التي تنافس فيها 29 حزبا سياسيا على مقاعد البرلمانات الوطنية والإقليمية.
وفاز حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” الذي يحكم البلاد منذ نهاية نظام الفصل العنصري في الانتخابات العامة بنسبة 62% فقط من الأصوات، ما يمثل أدنى مستوى له على الإطلاق، وحصل على 249 مقعدا، من أصل 400 متراجعا ب15 مقعدا عن 264 مقعدا حصل عليها في الدورة السابقة.
فيما حصل “التحالف الديمقراطي”، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، على 89 مقعدا، بزيادة 12 مقعدا عن 67 مقعدا حصل عليها في الدورة السابقة، وحل في المرتبة الثالثة حزب “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” المعارض ب 25 مقعدًا.
وفي 21 مايو/ أيار الماضي، أُعيد انتخاب جاكوب زوما، لولاية ثانية مدتها خمس سنوات رئيسًا لجنوب أفريقيا من قبل أعضاء الجمعية الوطنية “الغرفة الأولى للبرلمان.”
وفي حديث لوكالة “الأناضول”، قال آندريه دوفينهاغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “نورث ويست” في مدينة بوتشفستروم شمال شرق، إن “قاعدة الدعم لحزب المؤتمر الوطني الافريقي، شهدت الكثير من التحديات بسبب مزاعم فضائح زوما”.
وأشار إلى فضيحة اتهام الرئيس زوما، بإنفاق ما يقدر بنحو 246 مليون راند (22.4 مليون دولار) من الأموال العامة لتجديد منزله الريفي.
في شهر مارس/ آذار الماضي، اتهمت النائب العام في جنوب أفريقيا، ثولي مادونسيلا، زوما ب”استخدام مبالغ طائلة من الأموال العامة لتجديد منزله الريفي”.
وقالت في تقرير إدانة، يتألف من 400 صفحة “إن النفقات التي تكبدتها الدولة لإجراء التجديدات.. غير معقولة، ومغالى فيها، وسببت اختلاس الأموال العامة”.
وكان من المفترض أن يكلف تحديث المنزل ميزانية الدولة نحو 2.5 مليون دولار، لكن التجديدات الفخمة، بحسب ما ذكرته مادونسيلا، التي تشمل: حوض السباحة، وحظائر الماشية، ومركز استقبال الزوار، رفعت التكلفة الإجمالية إلى ما يقرب من 23 مليون دولار.
وعلى الرغم من نفي زوما المشاركة في مراحل التشييد وشراء متطلبات تجديد المنزل، لكنه رفض تسديد هذه الأموال، ما جعل هذه القضية تتصدر حملات المعارضة الانتخابية في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة.
واعتبر “دوفينهاغ” أن هناك عدة أسباب على الرغم من الفضيحة جعلت حزب زوما يفوز في الانتخابات.
وأوضح أنه “مثل معظم حركات التحرر في أفريقيا، فإنهم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة زوما، يستغلون مظالم الماضي للاستعمار أو الفصل العنصري لمواصلة كسب الاصوات”.
وأشار إلى أن ملايين من الأشخاص الذين يحصلون على المنح الاجتماعية من الحكومة، صوتوا أيضا لصالح الحزب الحاكم.
ومنذ انعقاد الجلسة الأولى للجمعية الوطنية البرلمان في يونيو/ حزيران الماضي، نشط نواب المعارضة في طرح القضايا للنقاش، تطالب في أغلب الأحيان بمساءلة السياسيين، وهو ما لفت الانتباه أكثر إلى البرلمان، وفق بعض المحللين.
وفي هذا الصدد، قال ديرك كوتسي، الأستاذ في جامعة “جنوب أفريقيا”، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا إن “البرلمان يتلقى مزيدًا من الاهتمام الآن، والمعارضة قد أصبحت جادة للغاية”.
وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تم استدعاء رجال الشرطة إلى مقر البرلمان بعد أن نعتت إحدى نائبات المعارضة الرئيس زوما ب”اللص”، احتجاجًا على قرار برلماني بتبرئته من أي اتهامات، لإنفاقه ببذخ على ترميم منزله الريفي.
غير أن النائبة رفضت التراجع عن “إهانتها”، وتم استدعاء الشرطة في نهاية المطاف، لإخراجها من مقر البرلمان، فتدخل نواب معارضة أخرون، وأصيب أربعة على الأقل منهم في الشجار الذي أعقب ذلك.
وفي أغسطس/ آب الماضي، قاطع نواب من حزب “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” المعارض، زوما، عندما كان يخطب في البرلمان، واتهموا الرئيس بإهدار الأموال العامة لتجديد مقر إقامته الشخصية.
وكان نواب حزب “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية”، الذين غالبًا ما يرتدون ثياب عمال أوفرول حمراء، لإظهار تضامنهم مع العمال، قاطعوا زوما، مطالبين بأن “يسدد الأموال”، فاضطر رئيس المجلس إلى رفع الجلسة، وتم استدعاء الشرطة لاحتواء الموقف.
وفي هذا السياق، أعرب الكاتب السياسي والمحلل، مزوكسولو مبولاس، عن اعتقاده بأن المعارضة القوية هي مؤشر على وجود ديمقراطية سليمة، مشيرا إلى أن المشرعين ينبغي أن يلتزموا باللوائح البرلمانية.
وفي محاولة لاستعادة الهدوء، اجتمع نائب الرئيس سيريل رامافوزا، مؤخرا مع قادة جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان لمناقشة الأحداث الأخيرة وسبل المضي قدمًا.
مجمعون على أن الوضع الحالي لا يمكن الدفاع عنه، وافقت الأحزاب الممثلة في الاجتماع على العمل من أجل استعادة البرلمان كرامته ونزاهته ومكانته الشعبية، وكذلك التعاون لضمان تطبيق القواعد والإجراءات البرلمانية دون خوف، أو محاباة أو تحيز.
وفي سياق آخر، حظت اثنين من الدعاوى القضائية البارزة باهتمام واسع في جنوب أفريقيا هذا العام، وتصدرت أخبارهما عناوين الصحف الدولية.
القضية الأولى، كان بطلها العداء الأوليمي مبتور الساقين، أوسكار بيستوريوس، (27 عاما )، الذي قضت المحكمة العليا في جنوب أفريقيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بسجنه خمس سنوات بتهمة القتل غير العمد لصديقته ريفا ستينكامب في بريتوريا بمنزله في عيد الحب عام 2013، في حكم نهائي نافذ في القضية التي استمرت جلساتها لعدة أشهر، واستمعت فيها المحكمة إلى إفادات أكثر من 40 شاهد، وخبير.
و”بيستوريوس” صاحب الرقم القياسي العالمي في مسافة 200 متر، المعروف شعبيا باسم “عداء النصل” في إشارة إلى الأطراف الصناعية الشبيهة بالنصل في ساقيه ولد بدون عظم الساقين، وبترت ساقاه قبل أن يكمل عامه الأول.
وفي عام 2004، وصل إلى أوج شهرته عندما كان في السابعة عشرة، بعد فوزه بالميدالية الذهبية في بطولة أولمبياد أثينا للمعاقين، واستمر العداء منذ ذلك الحين في الفوز بعدة ميداليات.
وسجل بيستوريوس اسمه في التاريخ، عندما أصبح أول عداء مبتور القدمين ينافس الأسوياء في بطولة أوليمبية بأطراف صناعية من خلال مشاركته في تصفيات سباق 400 متر ضمن رياضة ألعاب القوى في أولمبياد لندن 2012.
أما الدعوى القضائية الثانية، فكان بطلها رجل الأعمال البريطاني “شرين ديواني” (34 عاما)، الذي اتهم ب”استئجار” قتلة مأجورين لقتل عروسه آني ديواني، خلال قضائهما شهر العسل في العاصمة كيب تاون عام 2010، دون أن تتضح دوافع الجريمة.
وبعد معركة قضائية في بريطانيا، تم تسليم “ديواني” وهو بريطاني من أصل آسيوي، إلى جنوب أفريقيا في شهر أبريل/ نيسان من عام 2014 لمواجهة المحاكمة.
وبعد أسابيع من الإجراءات القضائية، برأت المحكمة في ديسمبر/ كانون الأول، رجل الأعمال من الاتهام بأنه تآمر لقتل زوجته بسبب عدم كفاية الأدلة، فيما قالت أسرة القتيلة إنهم شعروا بالإحباط من النظام القضائي في جنوب أفريقيا.