فجّر إضراب عمَّال شركات الغزل والنسيج الذى انطلق 9 فبراير الجارى، تساؤلات عدة بشأن الدور المنوط بالحكومة ووزارة الاستثمار على وجه التحديد، التى أهملت 32 شركة فى قطاع الغزل والنسيج من دون الالتفات إلى مطالب عمالها، والتى يأتى على رأسها إقالة رئيس الشركة القابضة، وصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة. وتعد وزارة الاستثمار هى المسئول الأول عن هذه الأزمة، المتمثلة فى إهمال 32 شركة من قطاع الغزل والنسيج تضم حوالى 70 ألف موظف، وعدم الالتفات إلى مطالب عمّالها بضرورة وضع خطط واضحة لإعادة هيكلتها، بدلاً من ترك هذه الشركات لخسائر شهرية تتجاوز 40 مليون جنيه، وفقا لمعلومات مؤكدة حصلت عليها «الصباح»، كما لا تستطيع جلب الرواتب الشهرية لعمالها نتيجة سياسة الخصخصة التى تعرضت لها فى السابق وغياب الرؤية التنموية راهناً. وعلى الرغم من كل الدراسات التى أعدها خبراء كُثر من مسئولى القطاع العام، وتم تقديمها إلى الحكومة ووزير الاستثمار، حول الخروج من مأزق الإفلاس إلى الإنقاذ، إلا أن الحكومة ضربت بها عرض الحائط وخرجت التصريحات وقتذاك بمزيد من التهدئة للعمال لعبور الفترة الحالية، من دون اتخاذ إجراءات مستقبلية واضحة لإعادة النظر فى هيكلة تلك الشركات. أبرز التوصيات التى انتهت إليها هذه الدراسات هى إعادة تسعير الطاقة للقطاع الخاص بما يتواءم مع الأسعار العالمية، والانتهاء من سبوبة المستشارين وتوقف نزيفهم لأموال الشركات بعد توقف عمليات الخصخصة فى أعقاب الثورة، حيث يعد هو الحل الأنسب للنهوض بقطاع الأعمال العام ودعم الذراع الاستثمارية للدولة، بالإضافة إلى أن تعمل الدولة على خلق أفكار جديدة مدعومة بإرادة سياسية حقيقية لتطوير شركات قطاع الأعمال أو خصخصتها بشكل قانونى مناسب. وقال فؤاد عبدالعليم رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج: إن وزارة الاستثمار طرحت مناقصة الأسبوع الماضى، لاختيار مكتب استشارى، لإعادة هيكلة تطوير شركات الغزل والنسيج، موضحاً أنه قدم أكثر من مرة مشروع مقترح الشركة القابضة بتطوير صناعة الغزل والنسيج على وزير الاستثمار أسامة صالح، حيث شمل ملامح مشروع تطوير الصناعة فى إعادة تأهيل وتدريب العاملين بالقطاع بالتعاون مع المركز القومى للبحوث للنهوض بالأداء الفنى لعمال 32 شركة تابعة لقطاع الأعمال العام. بالإضافة إلى توفير مزيد من إجراءات الحماية، والتى سنطالب الوزير باتخاذها لحماية الصناعة الوطنية، مشيرا إلى أن ذلك سيكون من أجل حماية صناعة يعمل بها أكثر من 70 ألف عامل. وأوضح أن شركات الغزل والنسيج تحتاج 6 مليارات جنيه لإعادة الهيكلة، حيث يكون مخطط تمويلها من بيع بعض قطع الأراضى غير المستغلة لبعض الشركات أو نقل مصانع من مكان أراضيه مرتفعة السعر إلى مكان آخر أرضه منخفضة السعر للاستفادة بهذا الفارق. وعلى الرغم من أن بنك الاستثمار القومى أبدى تجاوبه للدعم المالى بالقروض لمشاريع إعادة الهيكلة، إلا أن عبدالعليم لا يرى وجود أى نية لدى الحكومة الحالية لدعم مالى، لإعادة تطوير تلك الشركات، وكأن تصريحات الحكومة منذ توليها المسئولية، حول طرح خطة للهيكلة كانت كلاما للإعلام وتهدئة للعمال. وقال إن مظاهرات عمال غزل المحلة لإقالتى تقف وراءها مصالح شخصية ولذا يجب أن أتجاهلها. كما أكدت مصادر بالشركة القابضة للغزل والنسيج - رفضت الإفصاح عن اسمها - أن الخسائر الشهرية للشركات تتجاوز 40 مليون جنيه، كما تحتاج الشركة إلى 70 مليون جنيه شهريا من وزارة المالية، لاستكمال رواتب العاملين التى تبلغ 120 مليون جنيه شهريا، ولا تستطيع الشركات تحقيق أكثر من 50 مليون جنيه فقط. وأوضحت المصادر أن الشركة القابضة لا تمتلك الإمكانيات المادية لتطوير إنتاجها أو ضخ استثمارات جديدة، لزيادة الإنتاجية ومجاراة تطور الصناعة عالميا، بعد تجاهل الحكومة لها حتى الآن. كما أن 80% من مبيعات وأنشطة الشركات تعد إجمالى أجور العاملين بها، وهو أكبر دليل على استراتيجية العمل الضعيفة، والتى تؤدى إلى انهيار الشركة والقطاع بالتبعية، كونها أكبر الشركات المنتجة للمواد الخام من الأقطان والغزول فى مصر مشيرا إلى أن القطاع يعانى من مشاكل داخلية وأزمات مالية وإضرابات عمالية وبالتالى قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية ضعيفة. وأكد المصدر أن الحل لن يكون إلا باستغلال أراضى وأصول الشركة بقرار سريع من الوزير، حيث تمتلك أراضى قيمتها أغلى من أصول الشركة من الآلات والمعدات، وهو ما يعطيها فرصة لبيع هذا الأراضى أو جزء منها، وإعادة ضخها فى القطاع وإنشاء مصانع جديدة وآلات حديثة تتوافق مع التطور التكنولوجى فى الصناعة عالميا. شعبان على القيادى بقطاع الأعمال العام رأى ضرورة توجه الحكومة للحفاظ على ذراعها الاستثمارية وإعادة هيكلتها مجددا، لضمان حقوق آلاف العمال المعرضين للتشرد مع استمرار تدهور مصانع القطاع العام، مشدداً على ضرورة أن تتخذ الحكومة وقفة صارمة لزراعة القطن ومنع تصديره فى صورته الخام، والاستفادة منه داخلياً، وتطوير وتهيئة المصانع للعمل بالقطن المصرى طويل التيلة وذلك إذا كانت هناك رؤية واضحة لتطويره. أما كمال الفيومى أحد القيادات العمالية بشركة غزل المحلة فقال ل«الصباح» إن هناك 32 شركة غزل ونسيج على مستوى الجمهورية، وهذه الشركات كانت تحقيق أرباحا حقيقية خلال السنوات الماضية، إلا أن الإهمال المتعمد من جانب قيادات الحزب الوطنى المنحل أيام الرئيس المخلوع مبارك، قد أدى إلى انهيار هذه الشركات، خاصة أن رئيس الشركة القابضة فؤاد عبدالعليم هو المتسبب الرئيسى فى هذه الأزمة. وتابع الفيومى: منذ تولى عبدالعليم الشركة عام 2011، كانت الشركة محققة أرباحاً قدرها 112 مليون جنيه، فضلاً عن وجود مديونية ببنك الإسكندرية قدرها 950 مليون جنيه تم إسقاطها، وكانت الشركة فى أحسن أحوالها، إلا أن ظهور عبدالعليم منذ تلك الفترة تسبب فى خسائر كبدت الشركة ملايين الجنيهات، مشيراً إلى أن شركة الغزل والنسيج وحدها تعمل بنسبة 40% من المواد الخام التى تدخل إليها، لذلك تحقق خسائر، أما إذا تم إدخال مواد خام بنسبة 60% فقط سوف تحقق أرباحا وتعود إلى سابق ذكرها، مؤكداً أن نظام مبارك كان السبب فى وجود بعض القيادات الفاسدة مثل عبدالعليم، وكانت هناك خطة متعمدة من القيادات لتخسير صناعة الغزل والنسيج فى مصر، وذلك من أجل مصالح بعض رجال الأعمال الذين يعتمدون على الاستيراد من الخارج، وإفشال الصناعة المحلية، ووصل الأمر فى بعض الأوقات إلى العمل بنسبة 28% من المواد الخام حتى تستمر الشركة، ونبقى على حقوق العمال، إلا أن الأمر فاض بنا مع وجود خسائر متتالية على مدار الثلاث سنوات الماضية، وهذا ما دفعنا إلى المطالبة بحقوقنا وكشف رموز الفساد فى الشركات الحكومية.