مع تشديد القبضة الأمنية على أعضاء جماعة «الإخوان»، وتقليم أظافرها عبر إلقاء القبض على قيادات صفها الأول، وتجميد أموال وممتلكات رموزها، ووقف أنشطة الجمعيات التابعة لها، بل وتصنيفها «إرهابية»، أصيبت «الجماعة» بحالة من الترنح، لكنها باتت قاب قوسين أو أدنى من التفكك الكامل، مع تسلل أزمة جديدة إلى ضلوعها، لم تتخذ بعداً سياسياً هذه المرة، بل انطلقت من «المجتمع الإخواني»، وبدت الأزمة ذات علاقة بالزواج من خارج الجماعة! الأزمة التى من المتوقع أن تهز أركان «البيت الإخواني» تتلخص فى زواج الأخوات المنتميات إلى الجماعة من غير الإخوانيين، خروجاً على القاعدة المألوفة داخل «الجماعة» من المصاهرة بين الأعضاء، وعدم الزواج من خارج إطار «الإخوان»، انطلاقاً من الفكرة التى أسس لها حسن البنا، مع تدشينه ل«الجماعة» والتى تنهض على إذكاء روح الفكرة وتوحيدها، بمعنى أن الجماعة قبل أن تتحول إلى تنظيم عنقودى معقد يتمثل فى «مكتب إرشاد» و«مجلس شورى» تابعين للجماعة، كانت فى الأصل محض فكرة تعتمد على تعزيز روح الانتماء إليها والتوحد الفكرى والوجدانى بداخلها. علاقات النسب والمصاهرة الإخوانية، تُعد بمثابة العمود الفقرى للتنظيم وجناحه قسم الإخوات الذى نجح مؤخرا فى الحشد لفترات طويلة ضد النظام السياسى الحالى بعد عزل الرئيس «الإخوانى» محمد مرسى، لكن دائما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، بعد تقدُم مجموعة من «الأخوات» داخل شعبة مدينة نصر، بشكوى إلى عائشة الشاطر، التى تترأس قسم الأخوات «مؤقتا» فى ظل غياب قادة الإرشاد، طالبنها بفصل عضوات تزوجن أخيراً رجالاً من خارج «الإخوان»، الأمر الذى اعتبرته الشكوى - وفقا لرواية بعض المصادر - السبب الرئيسى فى نجاح الأمن فى رصد تحركات الإخوان الأخيرة، والقبض على بعض كوادر التنظيم الجديدة غير المعروفة للأمن، وبناءً عليه تم فصل العشرات من عضوات التنظيم.
زواج الأخت من رجل غير إخوانى زواج «الإخوانية» من رجل غير إخوانى، بدأت تتضح كظاهرة ملموسة، وبخاصة أنها نشأت من قاع التنظيم، وبعيداً عن رأسه، ما دفع قادة الإخوان إلى إصدار تعليمات بفصل «الأخت» تنظيميا عن «الجماعة»، بناءً على قرار رئيس الشعبة الذى تتبعه كل أخت دخلت فى علاقة نسب مع أسرة غير إخوانية لتتزوج من شخص ليس عضواً فى جماعتها، حيث يرى قادة الإخوان أن زواج الإخوانية من غير إخوانى أو العكس يؤدى إلى تفكك «الجماعة». وفى حين انتشرت هذه الظاهرة فى الأوساط الاجتماعية الإخوانية، لم يتم رصد حالات مماثلة لزواج تنظيميين من خارج إطار الجماعة فى صفوف أبناء قادة التنظيم، وربما يكون السبب أنهم الأكثر حفاظاً على تعاليم الجماعة التى تلزمهم بالزواج من داخلها. لكن المفاجأة كما تقول خديجة عثمان المنشقة أخيراً عن الجماعة، هى فصل كل «أخت» تزوجت من خارج «الجماعة»، مؤكدة: فوجئت بصدور قرار فصلى من القسم الدعوى بجماعة الإخوان، وهو قسم منفصل تنظيميا عن القسم السياسى، بسبب زواجى من شاب ينتمى إلى التيار السلفى، بعد أن جمعتنا ندوة دينية حضر فيها الداعية عمرو خالد، وبعدها تم إبلاغى بإخلاء مسئوليتى التنظيمية وتجميد عضويتى داخل «الجماعة»، معتبرة ما حدث معها نتيجة قرارات تعسفية لم تُسمِ المسئولين عن إصدارها.
زواج الإخوانى من غير إخوانية الحالة الثانية فى ظاهرة زواج الإخوان من خارج التنظيم، هى زواج الأخ من غير إخوانية، الأمر الذى يدعم فكرة الخروج عن دائرة الفكرة والتوحد الوجدانى التى تتبناها «الجماعة» منذ تأسيسها، ويرجع السبب فى ذلك إلى وجود وجهتى نظر داخل بيت واحد فى علاقة مستدامة، ومع الوقت تتطور إلى نوع من التوحد النفسى والوجدانى، وقد ينجح الإخوانى فى إقناع زوجته بأفكار وأهداف الجماعة ليضمها إلى التنظيم أو ينشق الأخ عن التنظيم العنقودى، معلنا الخروج على المسئول، وترك الجماعة، فى حال تأثره بآراء زوجته غير الإخوانية. وفى كلتا الحالتين وفى ظل التغيرات السياسية نجحت جماعة الإخوان فى الاحتفاظ بخصوصية ذلك التنظيم العنقودى، لكنها فشلت فى السيطرة على المشاعر الإنسانية داخل أعضائها الذين أقسموا على «السمع والطاعة» وهو أحد المبادئ الأساسية فى التنظيم، وفشلت أيضا فى وقف المد الخارجى الذى نجح فى استئصال العديد من الأخوات من داخل التنظيم بزواج شرعى أقره الدين ورفضته جماعة الإخوان. محمد الطوبجى، عضو منشق عن الجماعة فى أواخر يونيو الماضي، أكد ل«الصباح»: عايشت الإقصاء داخل جماعة الإخوان التى انتميت إليها منذ طفولتى والتمييز بين الأعضاء واشتد الأمر عندما عقدت قرانى على واحدة من أقاربى لا تنتمى للجماعة، وكانت من أشد المعارضين لها فى قريتى «تلة» بمحافظة المنيا، وقتها قرر المسؤل عنى داخل الإخوان إقصائى عن العمل الدعوى داخل الجماعة بحجة زواجى من فتاة لا تنتمى لجماعة الاخوان بعد ممارسات ضغط مورست ضدى لضم زوجتى إلى الجماعة، وهو ما رفضته زوجتى ودفعنى ذلك إلى الخروج عن عباءة الجماعة. وتابع الطوبجى: لا يمكن لعاقل أن يقبل بشروط الجماعة المجحفة مقابل البقاء بداخلها، على الرغم من أن جزءاً كبيراً من دورى الذى أقوم به داخل الجماعة يقتصر على العمل الدعوى، وكنت فى قريتى مجرد مشرف معين على مستوصف طبى تابع للإخوان من قبل مسئول – فضل عدم ذكر اسمه – داخل الجماعة. حرب الفتاوى وكان القيادى الإخوانى صبحى صالح، فتح باب الحديث عن زواج البيت الإخواني، حين قال قبل أكثر من عام: ميجيش أخ فلوطة يقوللى اتجوز من خارج الجماعة، طيب والأخت «الاخوانية» اللى احنا عاملينها دى نعمل بيها ايه؟؟ نشحتها؟؟ يجب على كل أخ إخوانى ان ينصر الله على نفسه حتى ينصرنا والزواج من اخت يحقق هذا لأنه عندما يتزوج الاخ من أخت إخوانية هايطلعولنا اخوة بالميراث وقال «أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير»، وقال أيضا «أن غير الإخوانية إيمانها ليس مكتملاً ومن ثم لا يجوز الزواج بها حتى ولو كانت متدينة». صبحى صالح شرع فى فتوى أخرى أنه «لا يجوز للإخوانى الزواج بغير إخوانية» وهى كلمات صادمة أطلقها فى انتقاد صريح لأبناء الجماعة الذين يتزوجون من خارجها «بدعوى أن غير الإخوانية غير مكتملة الإيمان ومن ثم لا يجوز الزواج منها». واعتبر «صالح» وقتذاك أن ذلك يؤخر النصر للجماعة، وأن «زواج الإخوة بالأخوات يعمل على بناء مجتمع إخوان فرض نفسه على الدنيا» وكانت كلمات «صالح» فى مؤتمر للجماعة بالعباسية يوم 20 مايو 2011. وتحت شعار «مصلحة الوطن والدين أهم من المصالح الشخصية»، أفتى الشيخ مظهر شاهين، إمام مسجد عمر مكرم، منذ أيام، ب«جواز تطليق الزوج المنتمية لجماعة الإخوان باعتبارها - قنبلة موقوتة -»، الأمر الذى أثار جدلا حول الانفصال بين الزوجين، بسبب مثل هذا الخلاف وغضب بعض الدعاة الذين اعتبروا أنها دعوة للانقسام وتخريب الأسر. بعد يوم واحد فقط من فتوى «شاهين» بتطليق الزوجة الإخوانية، خرجت الدكتورة سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بجامعة الأزهر سابقًا، والملقبة ب«مفتية النساء»، لتفتى ب«إجازة فسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمى إلى جماعة الإخوان، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ولمصلحة العائلة والوطن». الداعية خالد الجندى استند الى بيان الازهر الشريف الذى أكد أن هذا الكلام « ليس بفتوى ولكنه رأى شخصي، فالإسلام أباح الزواج بالنصرانية المختلفة معه فى الملة، فكيف لا يبيح الزواج بالمرأة المختلفة معه فى الفكر السياسي» . وأضاف الجندى «إذا كانت الزوجة إرهابية، فيجب تقديمها للسلطات للعقاب المناسب، والزوج من حقه أن يمنع الزوجة، مما هو ضار بها وبالأسرة والمجتمع، فلماذا لا يمنع الزوجة من لقاء تلك الفصائل التى يراها إرهابية، لماذا لا يُفعّل من سلطاته ويمنعها من الاتصال بهذه الجهات، والمصيبة لو طلقها بلا رابط على المجتمع فيكون ضررها أكبر»، على حد قوله.
مصاهرة إخوانية للحفاظ على النوع وبعيداً عن الظاهرة الجديدة التى باتت تضرب وحدة «الجماعة» يبقى حرص الأخيرة على بناء «البيت الإخواني» من خلال علاقات المصاهرة، التى تضمن للأجيال الجديدة الاندماج فى المسار ذاته، وعدم التأثر بأفكار أخرى، تتعارض مع أفكار وأدبيات الجماعة، أو بالأحرى ما يمكن تسميته ب«الحفاظ على النوع الإخواني». وبالرجوع إلى الخلفية التاريخية لزواج الإخوان نجد أن أولى حالات الزواج الإخوانى كانت بعد تولى حامد أبوالنصر منصب المرشد خلفا لعمر التلمسانى، لدرجة أن مصاهرات الإخوان مع بعضهم البعض، شكلت ما يمكن أن نطلق عليه «الجيتو الإخواني» الذى ظل محافظا على نفسه ولم تضربه رياح الزواج من خارج التنظيم بعكس قيادات التنظيم الثانى والثالت داخل جماعة الاخوان المسلمين لتتعانق عائلة خيرت الشاطر مع عائلة أبوشادى فى تزاوج ونسب متعدد الأطراف. يضم مكتب الإرشاد أربعة أعضاء بينهم صلات نسب ومصاهرة تتمثل فى وفاء عزت زوجة محمد مهدى عاكف المرشد السابق وهى شقيقة محمود عزت المرشد الحالى للجماعة، وتم الزواج رغم فارق السن بينهما. أما شقيقة محمود عزت الثانية فقد تزوجت من د. محمود عامر والذى كان مسئولاً عن الإخوان فى «المنزلة»، أما المصاهرة الأقوى داخل مكتب الإرشاد فكانت بين خيرت الشاطر النائب الثانى للمرشد وبين محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد. بيت خيرت الشاطر نفسه مليء بصلات مصاهرة مع قيادات إخوانية، فالزهراء الابنة الكبرى والأشهر لخيرت هى زوجة للقيادى الإخوانى المهندس أيمن عبدالمنعم وأم أطفاله الأربعة سارة وأنس وسلمان وحبيبة. وأيضاً داخل عائلة الشاطر التى زوجت ثانى بناتها خديجة إلى الصيدلى خالد أبوشادى ابن القيادى الشهير أحمد أبوشادى مسئول قسم مدينة نصر أحد أهم أقسام الجماعة، بالاضافة الى العديد من علاقات النسب داخل الصف الثانى والثالث داخل تنظيم الاخوان لتشكل الجماعة تنظيما عنقوديا من الصعب تفكيكه أو اختراقه أمنيًا.