هى أقرب الدول لنا من حيث الجيرة وطبيعة السكان، تربطنا بها وحدة وادى النيل منذ آلاف السنين، وكانت دوما الصديق الذى أبرمنا معه أكبر الاتفاقات الممكنة والحليف الذى اطمأننا له طيلة العقود السابقة، إلا أن تغيرا كبيرا طرأ على علاقتنا الأزلية مع «السودان»، خاصة فيما يتعلق بالمشهد السياسى، الذى بدأ يتبدل مؤخرا تحت ضغوط المصالح الفردية. المشكلة التى تواجه العلاقات المصرية السودانية حاليا هى أن حكومة الخرطوم محسوبة على نظام «الإخوان»، لهذا فهى تبذل كل ما فى وسعها لمساندة الجماعة كى تستعيد توازنها فى المنطقة بعد نهيارها المفاجئ فى مصر، وآخر الأيدى السودانية الممدودة كانت فتح مكتب للإخوان المسلمين منذ ما يقرب من شهر فى الخرطوم ليكون مقرا جديدا لمكتب إرشاد الجماعة، عِوضاً عن المكتب السابق المحروق لها فى المقطم، سيتم اعتماده كمقر رئيسى للجماعة فى دولة عربية تم اختيارها لتكون قريبة جدا من مصر، وكان المخطط أن يسافر هشام قنديل ليديره من هناك، لكن القبض عليه فى المطار قبل مغادرته البلاد أفشل هذه التفصيلة. الهدف الرئيسى من مكتب الخرطوم هو متابعة الأوضاع فى مصر، وتسهيل مهمة الاتصالات بفروع الجماعة وأحزابهم القوية، وتكوين جبهة ضد السلطات المصرية، فلذلك إخوان السودان يقومون بنقل رسائل قيادات التنظيم شفهيا، عن طريق الطلاب السودانيين الذين يتعلّمون فى مصر، وأيضًا عن طريق بعض التجار الذين تجمعهم علاقات وطيدة بالكثير من الإسلاميين فى القاهرة، لبحث كيفية التصعيد وزيادة العنف فى الشارع وتحدى قوانين تنظيم التظاهرات، وإقناعهم بالحشد الدائم لإسقاط الداخلية والجيش فى فخ مطاردتهم واعتقالهم، لتصوير ما يحدث على أنه قمعٌ للحريات أمام الرأى العام الدولى.
جوازات سفر وإقامة كذلك ساعدت السلطات السودانية العديد من الهاربين من الجماعة إلى السودان بأن وفرت لهم رعاية خاصة، بالإضافة إلى حرية الحركة والإقامة وتوفير الجنسية السودانية لهم إذا أرادوا، وهى توفر لهم الخروج الآمن والتجول من وإلى أى دولة دون ملاحقة أو مساءلة قانونية، وهذا ما أكده لنا محمد غنيم المحلل السياسى حين قال: «أهم القيادات التى هربت من مصر عبر السودان بهذه الطريقة عاصم عبدالماجد ووليد شرابى، حيث سافروا إلى السودان ومنه إلى قطر بجواز سفر دبلوماسى قطرى الأمر الذى يسهل لهم الحركة كما يحلو لهم». هذا بخلاف الأنشطة الاستخباراتية المختلفة الموجودة على أرض السودان وتعاونها الدائم مع دولة قطر للقضاء على موجة رفض الإسلام السياسى التى تجتاح العالم العربى حاليا، لذلك فهى رفضت الاعتراف بجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، ورفضت هذا التصنيف والمسمى من أساسه. دور السودان الحالى كحارس لجماعة الإخوان كان متوقعا، خاصة أنها كانت أول بلد عربى يقع فى قبضة حكم واحدة من حركات الإسلام السياسى، المنبثقة من فكر الإخوان، وذلك عندما نفّذت الجبهة القومية الإسلامية انقلابها العسكرى عام 1989، وفرضت من خلاله حكمًا استبداديًا لا يزال مستمرًا بالقمع والمناورات، على الرغم من الأزمات الداخلية المتلاحقة، وهيمنة الجبهة الإسلامية على مقاليد الحكم فى السودان جعلت من الخرطوم على مدى سنوات كثيرة ملاذًا لقيادات الحركات الإسلامية الهاربة من دولها، فنظّمت على أرضه مؤتمرات ولقاءات، شاركت فيها حركات الإسلام السياسى من مختلف الدول العربية والإسلامية، تحت مظلة ما عُرف وقتها بالمؤتمر الشعبى العربى الإسلامى، الذى تشكّل بعد حرب الخليج الأولى، وتولّى رئاسته الدكتور حسن الترابى.
إرهاب الصعيد أيضا تشير أصابع الاتهام إلى تورط جهات سودانية فى الحوادث الإرهابية التى حدثت فى صعيد مصر فى أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، والتى كان وراء بعضها عوامل سودانية خفية تحاول زعزعة الاستقرار فى مصر وقت خلاف الترابى والبشير مع مبارك، إلا أن كل هذا يتكرر ثانية الآن، حيث تدعم السودان أكبر نشاط إرهابى فى الصعيد، بتدريب جماعات مسلحة على الفنون القتالية والزج بهم فى مصر عبر الحدود السودانية المصرية التى يحميها تجار السلاح من جميع الاتجاهات.
حلم حلايب وشلاتين والخلاف على «حلايب وشلاتين» لا يبدو أنه سينتهى قريبا، فهدف الحكومة السودانية هو اقتطاع جزء من الأراضى المصرية، تدعى بأنه ملكها، ولا يصغون لأى رد موثق من مصر يفيد بأن حلايب وشلاتين مصرية، خاصة مع ما أعلن عن وعد مرسى لأصدقائه السودانيين وقت كان فى الحكم بمنحهم المنطقة كهدية إخوانية لا ترد، وعليه فانتقل بعض السودانيين إلى المنطقة ونقلوا أمور معيشتهم كافة إليها حتى لا يجبرهم أحد يوما عن الانتقال منها، بل أصبحوا يمارسون كل سبل الضغط على المصريين المقيمين بها من وسائل تطفيش، لأنهم يريدون أن يثبتوا للعالم كله أنهم أصحاب المكان، وكان آخر وسيلة استخدموها لذلك هى نشر صورهم على صفحات التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر» وهم من داخل حلايب وشلاتين ليوثقوا ذلك.