بين تأكيد سوداني ونفي مصري، أثارت زيارة الرئيس "محمد مرسي" مؤخرًا إلى دولة السودان، جدلاً حول الأسرار الكامنة وراء بعض العهود التي قطعها الرئيس المصري فيما يخص "مثلث حلايب وشلاتين"، حيث أكد "موسى محمد أحمد" مساعد الرئيس السوداني، أن الرئاسة السودانية تلقت وعداً قاطعاً من الرئيس المصري بإعادة مثلث حلايب إلى ما قبل عام 1995، عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة "كندية" فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل في مسألة السيادة على المنطقة، في المقابل نفت الرئاسة المصرية، ما تردد حول وعود عودة هذا الجزء للسودان، في المقابل حذر مصدر عسكري من اقتطاع جزء من الأرض المصرية وسيادتها ليست مجال مُجاملة لرئيس الجمهورية، كما أن "حلايب وشلاتين" ليست مجالاً للتفاوض مع أي دولة أخرى، جدير بالذكر أن حدود مصر الجنوبية التي حددتها اتفاقية الاحتلال البريطاني الذي كان يحكم البلدين آنذاك عام 1899 ضمت المناطق من دائرة عرض 22 شمالًا لمصر وعليها يقع "مثلث حلايب" داخل الحدود المصرية، وبعد ثلاثة أعوام في 1902 عاد الاحتلال البريطاني بجعل "مثلث حلايب" تابع للإدارة السودانية لأنه أقرب للخرطوم منه للقاهرة، وتقع المنطقة على الطرف الإفريقي للبحر الأحمر بمساحة قدرها 20.580 كم2، توجد بها ثلاث بلدات كبرى هي "حلايب، أبو رماد، شلاتين"، وتعتبر هذه المنطقة محل نزاع حدودي بين "مصر والسودان"، ويطلق عليها أحيانًا المنطقة الإدارية لحكومة السودان، وفي عام 2010 تم اعتماد حلايب كدائرة انتخابية سودانية تابعة لولاية البحر الأحمر وأقرت المفوضية القومية للانتخابات السودانية حق التصويت لأهالي "حلايب" باعتبارهم مواطنين سودانيين إلا أن "الخرطوم" تقاعست عن إتمام العملية، وفي عام 2011 بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أجرى المجلس العسكري الحاكم وقتها الانتخابات البرلمانية المصرية وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة عسكرية مصرية، ونفس الأمر في جميع الاستفتاءات وانتخابات رئاسة الجمهورية المصرية. د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال، إن "حلايب وشلاتين" ستظل مصرية ولن يقبل الشعب المصري أو قواته المسلحة تفريط رئيس الجمهورية "محمد مرسي" في شبر من أرض الوطن، لافتاً إلى أن الرئيس عليه أن يحافظ على الثوابت والحدود التاريخية بين البلدين، وألا يعاود فتح ملفات شائكة في جميع زياراته الخارجية، نظراً لأن كثرة سفريات "مرسي" تحمل وراءها أسرارًا تضر بأمن مصر القومي، حيث تتناثر الأقاويل وراء "سيناء" ومحاولة توطين الفلسطينيين داخلها، وإيران وما يدور حول رغبة جماعة الإخوان المسلمين في نقل تجربتها الإسلامية وكيفية إنشاء حرس ثوري "إخواني" يضم أجهزة موازية ل "المخابرات والشرطة والحرس الجمهوري"، ومؤخراً أثارت زيارة "مرسي" للسودان أزمة الحدود ومثلث "حلايب" بين مصر والسودان، وقد يلجأ العالم إلى التدخل لإعادة ترسيم الحدود بين الدولتين مجدداً، وهو ما يضع الدولة المصرية في أزمة خارجية وداخلية. تربص حدودي ومن جانبه أضاف د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن الرئيس وجماعته الإخوانية يريدون الذهاب بمصر إلى أبعد من ذلك، لأن قضيتهم هي إقامة "الخلافة الإسلامية"، وإزالة الحدود بين الدول العربية والإسلامية، ولذلك لا يعترف الإخوان المسلمين بالحدود، لافتاً إلى أن "السودان" تركت دولتها تنقسم إلى "شمال وجنوب" وبعد التفكيك والانفصال، واشتعال الأحداث في دارفور، لم يتبقَ أمامها سوى منطقة "مثلث حلايب"، لرغبتها في إشعال أزمة بين الشعبين "المصري والسوداني"، موضحاً أن دول الجوار تحاول التربص بالقاهرة لإعادة تقسيم حدودها سواء مع "السودان أو إسرائيل"، ولذلك تعطي الدولة العبرية تصاريح زيارة للفلسطينيين مدون عليها "قطاع غزةوسيناء"، وهذا المسمى الجديد يؤكد وجود مخطط لتوطين الفلسطينيين في سيناء وإقامة إمارة حماس الإسلامية على الأرض المصرية بمباركة إخوانية، كل هذا يثبت عدم قدسية فكرة الوطن عند الإدارة السياسية للبلاد المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين، وينم عن عدم معرفة معنى الوطنية أو السيادة. وفي رأي د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مصر تتعامل مع كل قضايا السودان وفق رؤية إستراتيجية محددة الأطر والملامح، كما أن سياسة القاهرة تجاه الخرطوم لا تبنى على العواطف أو المصالح المشتركة بل تبنى على "التبعية" والتكبر المصري، ورغم أن مصر حلت قضيتها مع إسرائيل واستطاعت إعادة "طابا"، لكنها في المقابل غير راغبة في حل مشكلتها مع السودان وتحديداً أزمة "مثلث حلايب"، لافتاً إلى أن سقوط الرئيس السابق "حسني مبارك" وإنشاء نظام إخواني جديد جعل الرئيس السوداني "عمر البشير" يفتح القضية مجدداً بعد عقود من الضعف السوداني والمشاكل القبلية والمتمردين، كل هذه الأمور جعلت الخرطوم في وضع لا يتمكن معه من إدارة الأزمة أو فتح أزمة حدودية أخرى مع "مصر"، ولذلك قد تسعى حكومة السودان لإيجاد حل للأزمة من خلال المؤسسات والمنابر الدولية مثل "مجلس الأمن" أو "محكمة العدل الدولية" لوضع نهاية للأزمة، على الجانب الآخر تتخوف "القاهرة" من الطرح القانوني الدولي الذي يعرضها للحرج العالمي في حالة التحكيم، ولذلك يمكن التفاوض عبر اللجنة المشتركة بين البلدين تقديراً للروابط الأخوية للشعبين. خيانة للوطن بينما وصف د. محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي، تخلي الرئيس "محمد مرسي" عن جزء من الأراضي المصرية "خيانة للوطن" ولن يغفر التاريخ للرئيس وجماعته أنهم فرطوا وباعوا الوطن، وهو ما يثبت أنهم ليس لديهم أدنى وأعز وطني، ولكنهم على أهبة الاستعداد لفعل أي شيء حتى لو وصل الأمر إلى التفريط في الأرض، المصرية من أجل المال وتحقيق حلم الإمارة الإسلامية، موضحاً أن أرض الشعب المصري مهددة من أول رئيس منتخب - حسب قول مؤيديه - ورغم أن حدود مصر ملتهبة في الجنوب وظهور قضية "حلايب وشلاتين"، وفي الشرق حيث مشكلة "سيناء" والطمع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي قناة السويس التي ينتوي تقديمها لدولة عربية بدعوى الاستثمار، وهو ما يؤكد أن أمن مصر القومي مهدد بسبب تصرفات الرئيس "مرسي" وجماعة الإخوان المسلمين، الذين يزعمون أنه لا مكان للحدود، ويريدون هدم الدولة جغرافياً كما هدموها دستورياً ومؤسسياً. وبدوره استنكر د. محمد أبو حامد رئيس حزب حياة المصريين، رغبة النظام الحاكم في تفكيك مصر، والخطورة أن يكون حلم التقسيم يرادوهم إرضاء لأمريكا وحلاً لمشاكل دول الجوار، نظراً لأن المطامع الإخوانية للبقاء في السلطة تسمح لهم بتقديم النفيس والغالي حتى وإن كان المطلوب التفريط في "سيناء ومثلت حلايب"، من أجل ترسيخ حكمهم داخلياً وتوسيع نفوذهم خارجياً، موضحاً أن زيارة الرئيس "محمد مرسي" للسودان لم تكن من أجل العلاقات بين البلدين ولكن من أجل الدعم الديني ونقل تجربة الحكم الإسلامي في الخرطوم للقاهرة، ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين "دعوية" إلا أنها تخطط سياسياً وجغرافياً البلاد بطريقتها الخاصة، وهو ما يجعل قدرتها على الاستمرار في الحكم "مستحيلاً"، لأن بقاءها يعني انهيار الدولة المصرية وعلى القوات المسلحة إنهاء هذا الكابوس قبل أن يتورط في عمل عسكري تجاه دولة عربية ضد "فلسطين أو السودان". بينما حذر اللواء سامح سيف اليزل الخبير العسكري، من محاولة إرضاء الرئيس "محمد مرسي" لزعماء الدول المجاورة لمساندته ودعمه، حتى يظهر وكأنه "الزعيم المنتظر" الذي يجامل هؤلاء الرؤساء بإعادة توزيع الحدود المصرية على دول الجوار، موضحاً أن هذه التوزيعة الجديدة من قبل الإخوان المسلمين للأراضي المصرية ليست محل مجاملة من الرئيس "مرسي" لنظيره السوداني، لأنها أرض ملك الشعب المصري وتخص سيادة وشموخ الوطن وليست ملك الرئيس وجماعته، كما أن القوات المسلحة ستقف بالمرصاد لأي شخص أو جهة حتى لو كان "الرئيس مرسي" في حال تهديد الأمن القومي الحدودي، لافتاً إلى أن الأزمة بدأت بمحاولة الضغط الإخواني والرئاسي على القوات المسلحة لتحويل سيناء إلى دولة للفلسطينيين، ثم ضم "مثلث حلايب" إلى السودان وبعدها ضم "السلوم" إلى ليبيا، مؤكداً أن مؤسسات الدولة المصرية غائبة عن منطقة حلايب منذ عشرات سنوات والجيش يعتبر هو الحاكم الفعلي في هذه المنطقة، حيث يتولى الرعاية الصحية للأهالي، ويقوم بتوفير الخدمات والسلع المختلفة، وحفظ الأمن، وتأمين حركة التجارة. إدارة مشتركة في المقابل أكد د. جمال حشمت عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، أن الرئيس "محمد مرسي" لن يتنازل عن "مثلث حلايب"، ولكن من الممكن أن تكون إدارة هذه المنطقة بالتعاون المشترك بين السلطات المصرية والسودانية، لحين تسوية القضية بالشكل الذي يمنع أي طرف من الاحتكام الدولي، موضحاً أن الإخوان المسلمين لا يعتبرون الحدود الدولية بين الدول الإسلامية مشكلة، لأنها حدود تم ترسيمها تحت ولاية الاحتلال والاستعمار في وقت كان العرب والمسلمون فيه في غفلة، ولا يجوز للأشقاء أن يتصارعوا على أمتار أو كيلومترات من الرمال الصحراوية، لافتًا إلى أنه سواء كانت "حلايب وشلاتين" مصرية أو سودانية، إلا أن المستقبل السياسي والديني والتعاون بين البلدين هو الأهم، من أجل استمرار الوحدة العربية والإسلامية، ومن العيب أن تجمع مصر والسودان النيل واللغة والدين والحضارة المشتركة ويفصل بينهما أو يتنازعوا حول حدود واهية.