لم يشاهد نتاج ما شاركت كلماته فى صنعه.. لم يمهله القدر لحضور الاستفتاء على الدستور.. غادر إلى السماء محملا بدعوات الملايين أن يكون فى جنان رب العالمين.. الفاجومى أحمد فؤاد نجم.. رغم رحيله يوم الثالث من ديسمبر مع التقاط عام 2013 أنفاسه الأخيرة إلا أنه صنع فى 2013 العبرة والمثل.. كان قادرًا على تحريك الملايين يوم 30 يونيو.. لم يمنعه كبر سنه ولا ضعف بنيته ولا صحته المتدهورة خلال شهور العام الأولى عن تحفيز المصريين للمشاركة فى إسقاط نظام الإخوان بكل خطاياه وعيوبه. كلماته كانت كالرصاصات على مرسى وأعوانه ولم يدخر جهدًا فى كشف الجماعة للشعب وتنويرهم بخطورتها على مصر. الفاجومى سفير الفقراء رحل عن عالمنا، لكنه ترك خلفه إرثًا حقيقيًا من الوقوف فى وجه الحكام طوال تاريخه.. فهو الذى لم يضعف يومًا فى مواجهة السادات ومبارك وسجون النظام شاهدة على كلماته ونضاله مع رفيق دربه الشيخ إمام.. نجم الذى لم يشهد يومًا تكريمًا على المستوى الرسمى للأسف حصل عليه بعد موته.. وتقديرًا لمجهودات شاعر العامية الخالد فى قلوب محبيه قرر رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور منحه وسام الدولة للعلوم والفنون من الطبقة الأولى ليتسلم نجم وسام تكريمه بعد وفاته فى حين وقفت كل الأنظمة لتحاربه وتحارب كلماته الرنانة المؤججة للثورات. فقدت مصر فى 2013 أحد أهم رجالها المناضلين والثائرين طوال عقود.. شاعر الشعب سفير الفقراء.. وحتى الساعات الأخيرة قبل رحيله لم ينفصل يومًا عن هموم وطنه.. لم يتوقف يومًا عن إثارة الجدل حول قصائده التى تلازمت مع الشيخ إمام.. تاريخه مفعم بالنضال منذ مطلع السبعينيات وانتفاضة الخبز وحتى رفضه توريث جمال مبارك ثم ثورة 25 يناير، وأخيرًا مشاركته فى 30 يونيو باعتبارها مدًا ثوريًا ثالثًا للإطاحة برموز تخريب مصر. لم يترك نجم رئيسًا إلا ووجه له النقد الحاد، وهو ما زج به فى سجونهم 18 عامًا منها 11 سنة لسخريته من السادات. خلال 2013 حصل الفاجومى المسافر إلى السماء على اعتراف دولى بقيمته حين حصل على جائزة الأمير كلاوس الهولندية تقديرًا لمساهماته وأشعاره باللهجة العامية المصرية التى ألهمت ثلاثة أجيال من المصريين والعرب، ونادت قصائده بمطالب لطالما رفعتها الثورات «عيش - حرية - عدالة اجتماعية». الجدع جدع والجبان جبان ونجم اختار أن يظل جدعًا حتى آخر نفس فى جوفه.. أخذ على عاتقه الدفاع عن الطبقات الكادحة باعتباره واحدًا منهم فهو سليل عائلة أولاد نجم بالشرقية وابن لأم فلاحة وأب شرطى، ومن عائلة لها 17 ابنًا عاش منهم 6 فقط بسبب الفقر وسوء الرعاية الصحية. نجم الشاعر المفوه تلقى تعليمه فى الكتاب كعامة أبناء جيله، وبعد وفاة والده عاش مع خاله فى الزقازيق قبل إيداعه فى ملجأ للأيتام، وهناك كان لقاؤه بالعندليب عبدالحليم حافظ. فى مشوار نجم العديد من علامات التعجب والدهشة من عمله فى معسكرات الإنجليز وورش السكك الحديدية قبل سجنه ثلاث سنوات بتهم تتعلق بعمله فى الورش وفى السجن كان ديوانه الأول صورًا من الحياة والسجن. نجم مزواج تكررت زيجاته وأشهرها زواجه من الكاتبة صافيناز كاظم والفنانة عزة بلبع وممثلة المسرح الجزائرية صونيا ميكيو، وأميمة عبدالوهاب أم زينب أرملته، وآخر من ظللن فى عصمته وله ثلاث بنات هن عفاف ونوارة وزينب. 84 عاما قضاها نجم فى حب الوطن.. خلالها استطاع رسم ملامح طريقه المدجج بالسجون.. ولم يكن غريبًا أن تتعدد الأقوال والصفات عنه.. فقد قال عنه الشاعر الفرنسى لويس أراجون إن فيه قوة تسقط الأسوار وأسماه الدكتور على الراعى الشاعر البندقية فى حين وصفه أنور السادات بالشاعر البذىء. نجم كتب قصيدة بعنوان جيفارا مات نعاه فيها بعد رحيل الزعيم الملهم.. لكن نجم ربما لم يجد من ينعيه بقصيدة تليق بتاريخه ربما لأنه لم يمت فى نظر ملايين العشاق والمحبين.. وربما لأن أعماله وقصائده خالدة لا تمحوها أحداث جسام وراسخة فى عقول وقلوب حافظى قصائده كثبوت علامات التعذيب على جسده.. سافر نجم إلى السماء لكنه لم يرحل عن دنيا الصعاليك.