قرية «طموه»، التابعة لمدينة الحوامدية جنوبالجيزة، هى أشهر مركز الدجل والشعوذة فى مصر، فلها صيت كبير فى هذه المهنة، وشعارها «نحن لا نبحث عن المال بل نعمل لوجه الله فقط»، فهم لا يطلبون منك بأى حال أجرا على عملهم، لو كنت زبونا لديهم، لأن الأسعار مثل «الحسنات».. «أنت وذوقك». ونظرا لخطورة ما يقوم به البعض هنا من أعمال سحر وشعوذة، فأنت لا تستطيع بأى حال زيارة «طموه» من تلقاء نفسك، حتى تقدمك لهم واسطة أو أحد من معارفك فى القرية، وإلا فلن يتحدث معك أحد على الإطلاق، لكن «الصباح» تمكنت من زيارة المكان الذى يقع على طريق مصر- أسيوط الزراعى، لترصد تفاصيل الموقف عن قرب: ولأول وهلة يتضح أن السؤال عن «شيخ» لعلاج سحر، أو «فك عمل سفلى»، ليس غريباً على مسامع أهل هذه القرية، فالشيوخ من هذا النوع فى كل مكان، وإعلاناتهم تملأ جدران شوارع القرية كأنك فى «مستشفى روحانى» مفتوح! أردنا فى البداية السؤال عن أحد كبار شيوخ هذه المهنة فى القرية، الرجل- المعلم، أو «الرأس الكبير»، فقيل لنا إنه الشيخ المرحوم حافظ الجمل، الذى توفى منذ عشرات السنين، وعلم هذه المهنة لمعظم رجال ونساء القرية، فهو بذلك مؤسسها و«أبوها الروحى» فى القرية والقرى المجاورة. الأهالى المتعانون رشحوا لنا «الشيخة عالية» بعد سؤال مفاده «الحالة ولد ولا بنت؟»، وعندما قلت إنها بنت أجابوا بأن الحل عند «الحاجة عالية»، فهى الأشهر والأحسن بالنسبة لى، كما أن أسعارها فى متناول الجميع لأنها تأخذ 15 جنيها فقط. «اسألى وألف مين هيدلك» جملة واحدة تصف عنوان أشهر سيدة فى القرية، فالبيت قريب من أحد المعاهد التعليمية، وهو بيت والدتها، وبالفعل وصلت للمنزل الذى يعرفه العشرات ب«الزير» المجاور له وكأنه مكان رئيسى فى القرية الصغيرة. وعندما قرعت جرس باب البيت المكون من عدة أدور خرجت لى فتاة عشرينية، وقالت لى «اتفضلى»، وسألتها عن الشيخة «عالية»، فكان الرد «هى فى بيتها وليست هنا، فهى تعيش فى منطقة فيصل مع زوجها وتحضر إلى هنا 3 أيام فى الأسبوع فقط، هى يوم السبت والأحد والاثنين فقط فى تمام الساعة السابعة صباحا، وتستقبل جميع الحالات، ومن يتأخر عن هذا التوقيت فهى لا تستقبله أبدا مهما كان مرضه، بل لابد أن يأتى فى يوم آخر». وأضافت الفتاة أن «الشيخة عالية تعمل فى المهنة منذ 20 عاما عندما كانت مريضة وتشكو من بعض الأشياء التى توقعت أن تكون مسا من الجان، وذهبت إلى أشهر شيوخ المهنة وهو المرحوم الشيخ حافظ، وسألته عن سر مرضها فرد عليها بقوله (ليس بك أى شىء بل أنت من فى يدك الحلول لكل الناس) وشجعها على ممارسة المهنة لوجه الله وبأسعار رمزية تمثل مصاريف ضيافة المرضى والممسوسين»، على حد قولها. وأكدت الفتاة أنها تريد اسمى واسم والدتى فقط كى تحجز بهم لدى «الشيخة عالية» التى لا يحضر إليها أحد إلا بالحجز والتأكيد على الحضور مبكرا من السابعة صباحا، مشيرة إلى أنها «تريد مصلحتى لأن من يتأخر عن الحضور من الساعة 7 صباحا لا تستقبله الشيخة حتى ولو حضر من محافظة بعيدة لأن لها مواعيد لا تخالفها ورقم تليفونها غير متوفر لأن زوجها يرفض ذلك، وهذا البيت هو المكان الوحيد الذى تستقبل فيه الناس، وهو مكان كبير لاستقبال الحالات التى تزيد يوميا عن 20 حالة وجميعها تعالجها بالقرآن فقط وبعض الأشياء من العطارة». اقتربنا من فتاة ثلاثينية العمر يبدو أنها زائرة مثلنا، وبسؤالها: «هل فعلا ممكن أحل مشكلتى عن طريق الشيوخ هنا؟»، ردت بشىء من الثقة وبابتسامة واسعة «مشكلتك هتتحل بإذن الله، لأنك جئت إلى القرية، وكل شيخ حسب ظروفك، لقد تعرضت أنا شخصيا لمشكلة سابقة، وكنت أعانى من مرض ما وشفيت والحمد لله على يد مشايخ هذه القرية». وعن أكثر زوار هذه القرية التى تعج بقصّاديها ليل نهار، قال لنا أحد مساعدى الشيوخ ويدعى الحاج إبراهيم: «إن القرية ليست معروفة فقط على مستوى محافظة الجيزة بل هى مشهورة فى جميع المحافظات، ويحضر إليها الناس من بورسعيد والمنيا والمنصورة وغيرها لكن المحافظات الأكثر إقبالا هى محافظات الصعيد، وليس فى مصر وحدها، بل وصل صيتها إلى الخارج، فزوارها من السعودية والكويت والإمارات وعدد آخر من الدول العربية حضروا إليها ليُشفوا على يد شيوخها، ولم يكتفوا بالعلاج فقط، بل إن منهم من يأخذون الشيوخ معهم إلى بلادهم للعمل هناك»! أما الشيخ أحمد محمود الذى حاز شهرة كبيرة فبالدخول إلى بيته تستقبلك فى المدخل العديد من اللافتات القرآنية، ويخرج الشيخ فور دخل أى شخص مرحبا بالزائر «أهلا وسهلا تفضلوا»، مع طلب بالانتظار لدقائق لأنه لديه «حالة» بالداخل، وكأنك فى عيادة طبيب من أشهر الأطباء فى مصر. وتخرج «الحالة»، سيدة وابنتها وابنها الذين خرجوا يدعون للشيخ بطول العمر والصحة والستر، قائلين «ربنا يجعلك سبب فى شفاء الناس»، وعلى الفور وبلهفة يستقبلنا الشيخ فى غرفة واسعة بها «قعدة عربى» فقط ومكتب صغير موضوع عليه «عصا من الخيزران» وسماعات وبجواره شرائط كاسيت «قرآن» جاهزة للتشغيل. سألنى «الشيخ أحمد»: ما حالتك بالضبط؟، فقلت له إن المريضة هى أختى المتزوجة وليس أنا، إلا أن الشيخ الملتحى الذى يرتدى جلبابا قصيرا رد قائلا بحماس إن حالة أختى سهلة وبسيطة جدا إلا أنه يريد حل مشكلتى أنا لأن لدى «عقدة من الزواج»! ولكننى أكدت له أننى لا أستطيع الخضوع لأى «جلسة» إلا فى وجود والدتى وأختى، وأننى سأحضر إليه فى اليوم التالى فكتب لى ورقة بخط يده فيها جميع أرقام تليفوناته. سألته: هل تضرب الحالات بالعصا الخيزران؟ فقال «لا، بل أقوم بلمس الحالات بها لكى تخرج الجن دون لمسها بيدى»، وقام بتوصيلى حتى الباب مؤكدا لسائق التوك توك على طريق سهل للخروج من القرية حتى لا أذهب إلى شيخ آخر. وبعد خروجنا قال السائق: إن هناك شيخا لا يعرفه أحد لكنه «شاطر جدا»، ومن يرد أن الذهاب إليه يذهب بالواسطة، وهو «الشيخ حمد»، الذى لا يستقبل أحدا فى بيته على الإطلاق إلا أن يكون له أحد من أقربائه فى القرية أو أصدقائه ليكون العلاج على مسئوليته الشخصية لأنه «لا يريد مشاكل». وأكد سائق التوك توك أنه كانت هناك حالة مستعصية، كان هو شاهدا عليها عند هذا الشيخ، وهى أخت زوجته التى كانت تصرخ ليلا وتعانى من الأرق، ولم تنجب حتى الآن، وعندما ذهبت للشيخ «حمد» الذى «يعمل لله» على حد قوله، نعمت بالشفاء الفورى على يديه، ووعدنى السائق بأن يأخذنى إليه فى المرة القادمة على أننى قريبته!