لم تجد جبال كربونات الكالسيوم في محافظة المنيا، تلك الثروة الكبيرة مترامية الأطراف في الصحراء الشرقية، طريقها الصحيح نحو الإستغلال الأمثل من قبل الحكومة حتى الآن، بما يدر لها عشرات المليارات إن أُحسن استغلالها، حتى باتت فريسة في أيدي الكثيرين من أصحاب المحاجر على مدار عقود طويلة ماضية، والاقتصار على استغلالها في صناعات قليلة أهدرت قيمتها التسويقية عالميًا، والتي لم يستغلها سوى قلة من المستثمرين الأجانب، وبعض المصانع الخاصة التي تقوم بتصنيع الأسمنت، قبل الحد من استنزافها نسبيًا بعد صدور قانون الثروة المعدنية منذ عامين، إلا أن البعض لازال يعمل خلسة في قلب الجبل مساءً في ظل غياب الرقابة الدائمة. إذ تمتد تلك الجبال البيضاء والتي تعد محط أنظار المستثمرين الأجانب لمساحات هائلة بالجانب الشرقي لمحافظة المنيا، بعد أن تكونت تلك المادة المحجرية منذ آلاف السنين، وهي نتيجة لكائنات حية ترسبت تحت سطح البحر، ونتيجة الضغوط العالية والتحولات الحرارية الناتجة عن تغيرات القشرة الأرضية تحولت إلى صخور الحجر الجيري بكميات كبيرة تصل إلى جبال ممتدة، ولذلك يتم العثور على بقايا حيوانية في الطبقات السفلية. وقد تصدرت المنيا بالتحديد في المنطقة المحجرية بزمام مركز سمالوط صدارة الجودة عالميًا للحجر الجيري "كربونات الكالسيوم" بدرجة نقاء تجاوزت ال 99.5% وفقًا لعشرات الأبحاث العلمية التي أجراها أساتذة الجيولوجيا والجغرافيا حول العالم، والتي أثبتت أنها الأفضل عالميًا، وتدخل في كثير من الصناعات، خاصة الدوائية بشكل مباشر بدون معالجتها أو تغيير طبيعتها، بل استخدامها بالنسب المقررة مباشرًة. المناطق الغنية بتلك الكربونات في المنيا يُقدر طولها بنحو 60 كيلو متر تقريبًا، تبدأ بزمام قرية "بني حسن الشروق" التابعة لمركز أبو قرقاص جنوبًا، إلى مركز بني مزار شمالًا، لتقل عند مركز مغاغة، أقصى شمال المحافظة، وبعرض 50 كيلو متر في الصحراء، وتعاني التدمير المستمر بسبب تحويلها لحجارة الطوب لبناء المنازل بكميات ضخمة تصل لملايين البلوكات يوميًا، بعد أن يتم استخدام الكسارات العملاقة التي تقوم بتقطيع الطبقات المتراكة بالجبل و"نشره" وبيعه للمواطنين. من جانبه يقول الدكتور محمد نبيه البدري, أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب جامعة المنيا، إن جبال كربونات الكالسيوم بمحافظة المنيا تعد كنزًا حقيقيًا للدولة المصرية، ومشهود لها بالجودة العالمية وفقًا لجميع الدراسات العلمية والعملية، إلا أننا لم نقدم الاستفادة الحقيقية منها، ويظهر ذلك في غياب المصانع الحكومية لاستغلالها في التصدير والتصنيع، وحرمان آلاف الشباب من العمل، خصوصا أن المحافظة تظهر بها نسب البطالة بصورة كبيرة. وأشار إلى أن اسم "كربونات سمالوط" هو دائم التكرار في الكثير من كتب الجيولوجيا في كليات العالم الأجنبية، ما يدل على أنها شديدة الأهمية، لارتفاع درجة نقاءها التامة، مستنكرًا أن تمتلك محافظة المنيا هذه الثروة بطول 60 كيلو متر، وعرض 50 كيلو متر تقريبًا، ولا يتم حصد خيراتها، إلا على يد المخالفين للقانون ممن يعملون على ضياع تلك المواد الهامة من خلال استيلاءهم على الجبل والعمل تحت ظروف يكون ضحيتها العامل البسيط، الذي يعمل بدون أي وجه للتأمين الصحي، بل وفقدان حياته في لحظات، وكذلك ضياع حق الدولة وتهريب تلك المواد للأسواق على صورة "حجارة" للمباني، مناشدًا بضرورة التواصل مع أعضاء هيئة التدريس والمختصين في كليات الجغرافيا والجيولوجيا، واستغلال الدراسات والخطط المختلفة التي تكفي لاستغلال تلك الجبال شديدة الأهمية. وأوضح الدكتور أحمد أبو غنيمة المشرف على التنمية الاقتصادية والمجتمعية بديوان محافظة المنيا، ومؤلف كتاب " الفكر التنموي بين الواقع والمأمول" , إن المنيا لديها القدرة على أن تصبح أغنى محافظات الصعيد ومصر عامة، إذا ما تم التعامل مع جبال كربونات الكالسيوم بالشكل الأمثل، مضيفًا: ليس من المعقول أن يتم استخراج تلك المواد وبيعها بالشكل الأولي بعد الطحن، دون أي استغلال للقيمة المضافة لها، والتي تعد ثروة كبيرة للبلاد، وتحل مئات الأزمات الاقتصادية". واستنكر أبو غنيمة في تصريحاته ل " الموجز " عدم وجود مصانع حكومية حتى الآن للعمل على استغلال المحاجر عامة ومادة كربونات الكالسيوم على وجه الخصوص والتي تميز المنيا عن باقي المناطق المحجرية بالعالم كله، مرجعًا عدم التمكن من استغلال تلك الثروات إلى عدة عوائق والتي تسهم في تحجيم الفكر التنموى المحلي وتتلخص في محدودية التمكين والمساءلة على مستوى المحافظات حيث يمتلك المحافظين في الوقت الحالي صلاحيات محدودة فيما يتعلق بالتخطيط للأولويات المحلية وتمويلها والتي تتضمن الخدمات الأساسية كالنقل والكهرباء وتوفير المياه والصرف والتى تقوم الوزارات والمديريات الخدمية بالمحافظات والهيئات العامة باتخاذ معظم قرارات الاستثمار المتعلقة بالبنية الأساسية والخدمات في المحافظات والتي تفتقر بكل صراحة وموضوعية لإمكانيات التنبؤ والشفافية في عمليات تخصيص الموارد، وعليه فعمليات اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط للاستثمارات وتمويلها تتم بشكل جزئي وتنسيق محدود في غياب النظرة الشاملة والمتكاملة لأولويات المحافظات نحو التنمية المجتمعية والاقتصادية، على الرغم من أن القانون ينص على العلاقة التشاورية بين المحافظات والمواطنين سواء في أولويات التخطيط وكذلك افتقار التعامل مع الشكاوى والتظلمات بفاعلية التى ما زالت محدودة، حيث تتفاقم هذه المشكلة بسبب قلة الصلاحيات للقيادات التنفيذية ومحدودية القدرة المؤسسية والتنظيمية للكيانات الخدمية والمسئولين بالمحافظات على الحل الفورى للشكاوى وتقديم الخدمات بشكل مرض ومستدام وسريع بسبب المركزية الإدارية والمالية، بل والمشكلة الأكثر إثارة المساءلة عن التنمية دون (تمكين) فى اتخاذ القرارات التخطيطية والتمويلية مع عدم وجود تكليف واضح باللامركزية والتنمية الاقتصادية المحلية. وأوضح أن تعدد جهات الولاية والتداخلات والمركزية في نقل الأصول سواء للنفع العام أو للاستثمار, سبب أيضا لعرقلة التنمية بالمحافظة، وكذلك الانخفاض النسبي لمستوى وجودة الخدمات العامة على الرغم من الإنجازات الملحوظة التى تتركز أغلبها فى المراكز والقرى الرئيسية وليست بالقرى التابعة والتى لها مردود اقتصادى فى توسيع وتنوع الاقتصاد قبل المردود الاجتماعى، وضعف مناخ الاستثمار والأعمال، حيث تعاني المشروعات من العقبات الإدارية وطول الفترات اللازمة للحصول على التراخيص والتصاريح والأراضى مثل الحصول على رخص التشغيل أو البناء أو الكهرباء، وأيضا عدم دمج الاقتصاد غير الرسمى وعدم التكييف والأخذ بالاعتبار للفرص المتاحة والمهدرة بالاقتصاد غير الرسمى، و قرصنة التمويلات الخارجية والمعونات من خلال التدخلات والتوجيه الخاص ببنود الإنفاق، وتدهور ثقافة المجتمعات المحلية تجاه الفكر التنموى المحلى وثقافة العمل الحر والخاص، والنمو المتسارع للسكان ، وإغفال منظومة (الحضانات) من احتضان أغلب الشركات الكبرى المملوكة للدولة للمشروعات الصغيرة وتبنيها بالدعم والتمويل والدعاية والتشجيع من حيث مساعدة المشروعات الصغيرة في القدرة علي المنافسة في السوق المحلى. وأكد أن ضمان استغلال كنوز المحافظات يأتي بعدم تحجيم الفكر التنموي المحلي على المستوى القومي المصري ولا يتم ذلك إلا من خلال تبنى الدولة لرؤية واضحة تعمل بالتوازى لحل كل من المشكلات المنهجية وكذلك تلاشى العوائق العملية لجميع المجتمعات المحلية فى مصر لرفع قدرات الفكر التنموى المحلى وبناء عليه فنحن نقترح أن تتبنى الحكومة الحالية تدشين مبادرة تحت مسمى (التنمية من وحى المجتمعات) لوضع إستراتيجيات التنمية الاقتصادية المحلية لكل محافظة من محافظات مصر على حدة وذلك لضمان الانطلاق إلى المستقبل فى إطار مؤسسى تشاركي لجميع أطياف المجتمع لخلق نماذج تنموية صالحة وقادرة على الاستمرارية وتلبية الاحتياجات الحالية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. وقال محي مرزوق أحد المستثمرين بالمنيا , إن فكرة قيام الدولة بإنشاء المصانع التي تستفيد من تلك المادة المحجرية الهامة هو أمر ضروري، خصوصا أنها تحتاج لمبالغ مالية ضخمة، وغالبًا لا يقوم بها إلا المستثمر الأجنبي، الذي يحصل على مساحات ضخمة بالجبل ويبدأ في تحويل تلك المادة لبودرة ومشتقاتها، ويتم تصديرها إلى أمريكا والصين وألمانيا، وبعض الدول الأخرى، ويجني من وراءها عشرات بل مئات الملايين، في حين تكتفي الدولة بجمع الضرائب أو استغلال تلك المناطق بشكل لا يتعدى مصانع الأسمنت القليلة وبعض الصناعات القليلة الأخرى على الشكل غير المطلوب. ومن أجل الحفاظ على ثروة كربونات الكالسيوم، اقترح "مرزوق" أن يتم سن قانون يجرم استخدامها في أعمال البناء، مشيراً إلى أن ذلك يعد إهدارًا للمال العام، ومن الأولى أن يتم الاستفادة بها في صناعات الأدوية على أن تتم عميلة ( البناء ) بالمواد الأخرى، مستنكرًا أن تكون نسبة الاستغلال لتلك المادة لا تتعدى ال 5%، في حين من الممكن أن تستحدث الدولة صناعات هامة أخرى كالأدوية، والأجهزة البصرية والضوئية و"الكالسيت" ، الزجاج، والكريستال، البويات ، دباغة الجلود . وأوضح سمير نجيب رئيس اتحاد عمال المحاجر المصري وأحد أبناء قرية طهنا الجبل بالمنيا، أن منظومة إدارة المحاجر بالمحافظة تحتاج لكثير من التعديلات، حفاظًا عليها من الضياع، وكذلك للحفاظ على العمال أنفسهم الذين يعملون في بيئة رديئة ولا ترتقي لضم آلاف العمال، رغم أنها المهنة الرسمية لعشرات الآلاف من العمال بقرى شرق النيل. وأكد أن إدارة المحاجر التابعة للمحافظة كانت تحصل ما يقرب من90 مليون جنيه شهريًا من أصحاب المحاجر، إلا أن القطاع لم يتم تحديثه بأي خدمات جديدة، مطالبًا بالعمل السريع على إنشاء مصانع حكومية تستوعب العمالة الكثيفة، وتساعدهم في التأمين على حياتهم مع إنشاء وحدات صحية قريبة من الجبل، والعمل على استحداث الأفكار الجديدة للتصدير والتنمية.