تعد قضية الميراث في المسيحية إحدى الملفات الشائكة التي تثير جدلاً واسعاً داخل المجتمع المصري بصفة عامة وبين الأقباط على وجه الخصوص وذلك لتعارض أسسها المسيحية مع نصوص الشريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع والتي يستند إليها القضاة والمحامون في الفصل في دعاوى المواريث لاسيما فيما يتعلق بتحديد نصيب المرأة المسيحية من الإرث. وعلي الرغم من صدور دستور 2014 الذى نص على الاحتكام للشرائع السماوية لغير المسلمين فى الأحوال الشخصية، إلا أن أروقة المحاكم شهدت جدالًا عنيفًا لتطبيق هذه النصوص،الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بوجود قانون مسيحى منظم للميراث. من جانبه قال الأنبا بنيامين، أسقف المنوفية إن الكنيسة لم تضع للميراث نظامًا محددًا، والمسيحية لم تفرق بين رجل وامرأة أو عبد وحر ولا بين غني وفقير فالمساواة واجبة بين الجميع. وتابع: المسيحية لم تضع قوانين مالية، إنما وضعت مبادئ روحانية في ظلها يمكن حل المشاكل المالية وغيرها وينطبق هذا على موضوع الميراث. وأوضح أسقف المنوفية أن المسيحيين يخضعون لقانون الدولة الذي يستند إلي نصوص الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقضايا المواريث وتحديد نصيب المرأة الذي يتحدد بنسب مختلفة وفقا لحالتها سواء كانت زوجة أو أم أو ابنه وهو ما يخالف التعاليم المسيحية التي توصي بتوزيع الإرث بالتساوي علي الجميع – علي حد قوله. وأضاف "إن وجدت بين الأخوة محبة وعدم طمع، يمكن أن يتفاهموا بروح طيبة في موضوع الميراث والبعض يلجأ إلي آباء الاعتراف أو الأساقفة داخل كنائسهم لطلب النصيحة عند تقسيم الميراث وذلك لرفضهم مخالفة التعاليم المسيحية، وفي بعض الأحيان يكون كل واحد منهم مستعدًا أن يترك نصيبه لأي واحد من أخوته أو أخواته يري أنه محتاج أكثر منه". وأشار الأنبا بنيامين إلي أن البابا شنودة الراحل سبق واقترح في أحد عظاته بأن يقوم أحد الوالدين قبل الوفاة بالتصرف في تركته وتوزيعها علي أبنائه فمثلًا إن وجد الأب أن أولاده موسرين وأغنياء، وابنته محتاجة، يستطيع قبل وفاته أن يكتب لها جزءً من الميراث، أي أن يتنازل عن جزء بطريقة شرعية تسجل في الشهر العقاري وتصبح مالكة لهذا الجزء في حياته ولا علاقة له بالميراث أو يعطيها "حق الرقبة" في جزء، بحيث يصبح ملكًا لها بعد وفاته، بالإضافة إلى نصيبها في الميراث. وأضاف أن البابا شنودة أكد أن هذه الأمور يمكن أن تحل بالمحبة والقناعة، أو بالحكمة، أو بالتصرف القانوني السليم لإقامة العدل بين الورثة، وليس بتنفيذ حرفية القانون. وأوضح القمص صليب متى ساويرس، راعي كنيسة مار جرجس بشبرا، وعضو المجلس الملي، أن تقسيم الميراث في المسيحية يكون بالتساوي، فالرجل مثل المرأة، مشيراً إلي أن الإنجيل يساوي بين المرأة والرجل في كل شيء فعندما يحاسب الله الإنسان سيساوي بين الاثنين دون تفرقة. وأشار إلي أنه حين يتم تقسيم الميراث بين المسيحيين يختار كل شخص الأصلح له وهناك من يلجأ لتطبيق الشريعة الإسلامية حتي يحصل علي نصيب كبير من الأموال، وهناك من يلتزم بتعاليم الإنجيل ويقوم بتقسيم الميراث بالتساوي. وأوضح ساويرس أن كثيراً من الأقباط يقومون بتقسيم ثرواتهم قبل الوفاة وذلك حتى لا يأخذ طرف أكثر من الآخر،لافتاً إلي أن جميع الأقباط الذين تربوا علي تعاليم الكنيسة لا يقبلون بتقسيم المحكمة ولكنهم يقومون بإعادة تقسيمه مرة أخري بما يتفق مع تعاليم الإنجيل. وأشار إلي أن هناك الكثير من الأقباط يأتون للكنيسة لمعرفة ما الذي يجب أن يقوم به في حالة تقسيم المحكمة للأموال طبقاً للشريعة الإسلامية وفي هذه الحالة يقوم الأب الكاهن بإبلاغهم أن عليهم إعادة تقسيم الميراث بحيث يأخذ الرجل مثل المرأة، وتابع "الكنيسة ليس لها دور أكثر من الإرشاد والنصح للإخوة والعائلة بتطبيق مبادئ الإنجيل". وأوضح أن الكنيسة تعتبر الشخص الذي يأخذ أكثر من أخته في الميراث سارق، لأنه يأخذ حقاً ليس له وفقاً لتعاليم الإنجيل.. مشيراً إلى أن الكتاب المقدس لم يتطرق للأمور المادية ولكن تحدث عن الأعمال الصالحة. وتابع: المطالبة بقانون خاص بالأقباط ينظم المواريث حلم لا يمكن الوصول إليه لأنه يخالف الشريعة الإسلامية، مشيراً إلي أن علماء الدين الاسلامي لن يقبلوا بوجود قانون خاص بالمواريث للأقباط. وأشار إلى أن الكنيسة إذا طلب منها إعداد مشروع قانون بشأن تنظيم الإرث بين المسيحيين، ويكون متوافقاً مع الشريعة المسيحية ستقدمه على الفور. وعلى الصعيد ذاته ألقى الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها برأيه في أحد البرامج التلفزيونية عبر قناة "سي تي في" في قضية الميراث قائلاً إن الأمور المادية والمدنية لم يشر إليها الكتاب المقدس، وإنما وضع أمورًا رمزية وعينية، وعلى أساسها تتشكل الأمور والقوانين الوضعية، مؤكدًا أن العقيدة المسيحية رسخت مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، دون أي تفرقة. وقال إن الرب عندما خلق حواء، جعل رسالتها معينًا لآدم، أي للرجل، ولكن مكانتها متساوية مع الرجل، ولكن الشريعة الإسلامية جعلت حظ الرجل ضعف حظ الأنثى، وهو ما يتعارض مع التعاليم المسيحية.- علي حد تعبيره. وفي إشارة منه إلى ما كان يحدث في الكنيسة الأولى، رأى الأنبا بولا أن الأفضل هو توزيع الجزء الأكبر من الميراث على من هو أكثر احتياجًا، والجزء الأقل لمن هو أقل احتياجًا، وأوضح أنه يجب على كل أسرة أن تستعين بالكنيسة أو بأب كاهن وقور، عند توزيع الميراث، ومراعاة أن يتم ذلك خلال جلسة حب ومودة. وأضاف أن من لا يريد الخضوع لتعاليم الكنيسة والكتاب المقدس، فليلجأ للقضاء والمحاكم، التي ستحكم له بالشريعة الإسلامية. واستطرد أسقف طنطا حديثه قائلاً إن تقسيم الميراث في حياة الشخص، من أفضل الطرق لتوزيع الإرث، مؤكدًا أنه على الأب أن يعطي الجزء الأكبر لمن لديه احتياج أكبر، وألا يكون التوزيع على أساس من هم أكثر ارتباطا واهتمامًا بالأب. ومن جانبه قال الأب رفيق جريش، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية، إنه في حال عدم التقسيم داخل المحكمة يتم تقسيم الميراث بالتساوي، ولكن إذا تدخلت المحكمة يتم التقسيم طبقاً للشريعة الإسلامية وبعد ذلك البعض يقوم بإعادة التقسيم مرة أخري بما لا يخالف الإنجيل. وأشار جريش إلي أن الكثير من الكاثوليك يقومون بتوزيع أموالهم قبل الوفاة حتى لا يأخذ أحد أكثر من الآخرين. ونفى المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية وجود آيات بالكتاب المقدس تساوى بين المرأة والرجل، وتابع "إذا اخذ شخص أكثر من أخته في الميراث فنحن نعتبر ذلك نوعاً من أنواع الظلم ونخبر الشخص بأنه سيحاسب في الآخرة علي هذا الظلم". وتمني جريش وجود قانون منظم للمواريث، مشيراً إلي أن هناك اتفاق بين الكنائس الثلاث فيما يتعلق بالموريث. وقال الدكتور رسمي عبد الملك، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي ببيت العائلة، "في المسيحية لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة في جميع التعاملات وبالتالي يكون تقسيم الميراث بالتساوي بين الطرفين، فتعاليم المسيح تنصحنا بذلك". وأشار إلي أن هناك بعض الأقباط يقومون بتقسيم الميراث وفقاً للشريعة الإسلامية وذلك يكون نتيجة طمع الرجل في الحصول علي أموال أكثر. وأوضح عبد الملك أن الكنائس الثلاث أعدت قانوناً للأحوال الشخصية يحوي مواد بشأن المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، وتابع "القائمين علي إعداد القانون اعتمدوا على المبادئ العامة للإنجيل في عدم التفرقة بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات". وأشار عبد الملك الي أن قضايا الميراث لا تمثل أزمة بالنسبة للكنيسة خاصة أن جميع الشباب الذين تربوا داخل الكنيسة يقومون بتقسيم الميراث وفقاً لتعاليم الإنجيل. وأكد عبد الملك أنه لا يمكن إعداد قانون خاص بالأقباط لأنه سيتعارض مع المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن اي قانون يصدر لابد وألا يخالف الشريعة الإسلامية، وبالتالي الحديث عن قانون خاص بميراث الأقباط أمر مستحيل. وقال بيتر رمسيس النجار المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة إن قوانين المواريث في مصر تنبثق من أحكام الشريعة الإسلامية وهي تطبق علي الجميع مسلمين وأقباط. وأشار إلي أنه في مارس 2016 أصدر المستشار ماهر فريد رئيس محكمة استئناف القاهرة الدائرة 158 أحوال شخصية، حكماً ببطلان إعلام وراثة، بعد أن رفضت امرأة مسيحية تقسيم إرثها طبقاً للشريعة الإسلامية، فقرر الاحتكام إلى مبادئ المسيحية طبقاً للمادة الثالثة من الدستور وأمر بتوزيع الأنصبة للأنثى مثل حظ الذكر. واستند القاضي في حكمه إلى المادة 247 من لائحة الأقباط الأرثوذكس التي تقسم الميراث حصصاً متساوية بين الذكر والأنثى. وأكد النجار أن صدور المادة الثالثة من الدستور التى تنص على أن احتكام غير المسلمين لشرائعهم أنهت الجدل في كثير من قضايا الأقباط ، موضحاً أن لكل فكر شريعته، فالشريعة المسيحية تنص أن يورث الذكر مثل الأنثى، والشريعة الإسلامية تنص أن للذكر مثل حظ الأنثيين، وبمعني آخر هناك أحكام بالشريعة الإسلامية لا تقرها الشريعة المسيحية. وشدد النجار علي ضرورة تفعيل المادة 247 بلائحة الأقباط الأرثوذكس داخل قانون الأحوال الشخصية الجديد لإنهاء أزمة الميراث وتحديد نصيب المرأة بالتساوي مع الرجل.