- نكشف علاقته بنظام مبارك وحقيقة استغلال المخلوع له لتنفيذ سياسته وتكريس سلطاته - فضح فساد الكبار ورصد قمع السلطة وتحولات ما بعد الانفتاح.. وتمرير أفلامه من بوابة الرقابة أثار علامات الاستفهام - نظام المخلوع استخدم أفلامه ك"أسفنجة" لامتصاص الغضب الشعبى ورمى مسئولية الفشل فى إدارة البلاد على الصف الثانى من السلطة هل كانت هناك علاقة بين عادل إمام وبين نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. وإذا كانت هناك علاقة فما هى ملامحها وحدودها؟.. ثار هذان التساؤلان فى عقدي الثمانينيات والتسعينيات عندما لعب عادل إمام بطولة عدد من الأفلام السينمائية التى تنتقد النظام الحاكم فى ذلك الوقت انتقادا لاذعا بشكل لا يمكن لأى فنان أو عمل سينمائى آخر أن يحاكيه أو حتى يقترب منه اللهم إلا بعض الأعمال الأخرى التى أخرجها المبدع عاطف الطيب ولعب بطولتها نور الشريف والراحل احمد زكى. فى هذين العقدين كان عادل إمام متنفسا للجماهير من خلال أعمال هاجمت النظام وسياساته مثل "الغول" الذى انتقد سياسة الانفتاح الاقتصادى وصعود طبقة رجال الأعمال وسيطرتهم على كل مفاصل الحياة فى مصر.. وجاء "حتى لا يطير الدخان" الذى أظهر الفساد الذى ظهر فى المجتمع نتيجة تطبيق سياسة الانفتاح الذى كان ابرز ملامحه وصول الفاسدين إلى مجلس الشعب واستغلالهم للحصانة فى تحقيق مصالحهم المشبوهة. وفى "الافوكاتو" كانت ال"فانتازيا" من خلال تجسيد عادل إمام لشخصية المحامى الذى أدان رموز السلطة فى المجتمع من خلال السخرية من السلطة القضائية والسجن والسجان وكذلك الطبيب والمأذون الشرعى، حيث كشف الفيلم بعض أوراق هذه الرموز باعتبارها أنماط فاسدة إستطاعت إستغلال سلطتها لتحقيق مصالحها الشخصية وهى أيضا إفراز طبيعى لمجتمع الانفتاح. وجاء "اللعب مع الكبار" ليشير الى الإصبع الخفية التى تدير البلد مع إشارة إلى معاملة الشرطة المصرية غير الآدمية مع المواطنين الذين يطمحون فى دولة يعيشون فى كنفها آمنين مطمئنين. وواصل "أمام" تألقه ووصل إلى مجد أدائه الفنى فى "الإرهاب والكباب" والذى جسد سطوة الحكومة على المواطنين وكيف تواجه الإرهاب رغم أنها أول من تصنعه بقهرها وقمعها للمصريين.. وجاء "المنسى" ليشير الى الفجوة الطبقية فى المجتمع وكيف يحقق الكبار مصالحهم على حساب البسطاء بطرق غير مشروعة وكيف ينظرون للبسطاء على أنهم أداة لتحقيق هذه المصالح باعتبارهم "هاموش". أما "طيور الظلام" فقد وصل فيه "إمام" إلى قمة نضجه الفنى حيث جسد الفيلم الصراع الخفى على السلطة بين رموز الحزب الوطنى الفاسدين وبين تيار الإسلام السياسي بل وتنبأ بتفاصيل هذا الصراع ونتائجه فيما بعد. "النوم فى العسل" كان أيضا بمثابة المشرط الذى وضع من خلاله صناع الفيلم أيديهم على أوجاع المجتمع من خلال توظيف "العجز الجنسى" للدلالة على عجز المجتمع وعدم قدرته على التغييير. بالإضافة إلى الأفلام الثمانية المشار إليها هناك أعمال أخرى برع فيها عادل إمام بل ولامس قلوب البسطاء وتطرق فى ذات الوقت لمناقشة قضايا مهمة ترتبط بشكل غير مباشر بالنظام مثل "حب فى الزنزانة" مع الرائعة الراحلة سعاد حسنى حيث تطرق الفيلم إلى أبعاد صعود سلطة راس المال فى المجتمع وآثاره السلبية من خلال ظواهر عديدة أهمها انهيار العمارات السكنية على رؤوس قاطنيها بسبب الغش فى مواد البناء الذى كان شائعا فى الثمانينيات وكذلك الزج بالبسطاء فى السجون نيابة عن كبار الفاسدين. هناك ايضا "الحريف" حيث أبدع المخرج محمد خان فى إخراج قدرات عادل إمام من خلال تجسيده لشخصية واقعية بالفعل ومن خلال هذه الشخصية عبر الفيلم عن أحلام المصريين البسطاء وكيف تخلوا عنها لصالح المادة وفى نفس الوقت تلامس الفيلم مع بعض الظواهر الاجتماعية التى كانت جديدة على مصر فى ذلك التوقيت كنتيجة طبيعية للانفتاح الاقتصادى. خروج هذه الأفلام للنور بكل ما تحمله من انتقادات لاذعة لنظام مبارك الذى كان فى عز جبروته وقوته كانت كفيلة بطرح تساؤل بسيط.. كيف مرت هذه الأعمال لدور العرض السينمائى فى الوقت الذى كانت تُمنع فيه أفلام أخرى أقل حدة وهجوما على النظام؟.. هذا التساؤل دفع كثير من المحللين فى ذلك الوقت لطرح عدد من الأجوبات منها أن عادل امام يملك من السلطة والنفوذ ما يمكنه من تمرير أعماله رغم أنف مقص الرقيب.. فى حين ذهب آخرون إلى أن هذه الأفلام تصب فى صالح السلطة والنظام وبالتالى ما المانع إذن من عدم تمريرها أو إخضاعها لسلطة الرقيب. ولكن كيف تصب أفلام عادل امام فى صالح السلطة رغم هجومها الدائم على النظام وعرض سوءاته؟.. الإجابة تكمن فى كلمة "التنفيس".. فالضغط يولد الانفجار ومن ثم الثورة لذا لابد من إتاحة ثغرة للمقهورين ينفسون من خلالها عن كل أوجاعهم وتهدئهم وتستوعب غضبهم من السلطة.. وبالفعل وجد النظام فى عادل إمام "اسفنجة" من الممكن أن تستوعب هذا الغضب وترشده بل وترمى بالمسئولية على آخرين فى الصف الثالث او الرابع من النظام مثل الوزراء وكبار الموظفين ورجال الأعمال باعتبارهم جزء من أى نظام سياسي وهذا ما ظهر بشكل واضح فى "الإرهاب والكباب" وغيرها من الأعمال. ما يؤكد هذا الرأى أن عادل إمام لم يدل بتصريح واحد جامع مانع يعلن فيه انحيازه لثورة يناير 2011 التى قامت ضد ممارسات نظام مبارك وهو ما ذهب بالبعض إلى التأكيد على أن الرجل كان أداة من أدوات النظام لترشيد الغضب الجماهيرى حتى وان لم يكن يعلم بذلك. ما يؤكد ذلك أيضا أن النجم الجماهيرى لم يخرج بعمل واحد يتطرق فيه من قريب أو بعيد لما شهدته مصر خلال السنوات الأربع الماضية بعد الإطاحة بنظام مبارك وإذا كان ذلك مقبولا من فنانين آخرين بحكم "ميوعة"مواقفهم فانه غير مقبول من فنان ارتبط – ولو ظاهريا – بأوجاع الشعب وعبر عن آلامهم فى أعماله ومن ثم انتظر منه المصريون موقفا واضحا يتماشى مع ما قدمه خلال مشواره الفنى إلا أنه يبدو أنهم كانوا ينتظرون ما لا يأتى. ويمكن القول أن "النوم فى العسل" الذى أنتج عام 1996 كان آخر حلقة فى عقد أفلام الزعيم العاكسة لأوجاع المجتمع – بغض النظر عن أسباب تمريرها من مقص الرقيب- بعدها انطلق نحو تسطيح القضايا حيث "التجربة الدنماركية" و"مرجان أحمد مرجان" و"عريس من جهة أمنية" و"بوبوس" و"زهايمر" وغيرها وربما هذا ما يفسر عدم مراهنة قطاع كبير من جمهور عادل إمام على تقديمه لعمل فنى يرصد ما عاشته مصر خلال السنوات الماضية.