أفلام عادل إمام تلقي قبولا وإقبالا, فهي مصنوعة بإتقان شديد وحرفية عالية, ولكن نجاحها الجماهيري يرجع في رأيي إلي موضوعاتها المختارة بذكاء شديد وعناية فائقة, فهي تمس أوتار الناس في إطار فكاهي محبب, تصور أوجاعهم المعيشية, وتناقش مشاكلهم الاجتماعية, وتداعب مشاعرهم السياسية. ويمكن النظر إلي هذه الافلام كوثائق اجتماعية سياسية تصور أحوال المجتمع, فهذا فيلم صور معاناة الناس إبان تعاملهم المضني مع الحكومة وبيروقراطيتها( ممثلة في مبني مجمع التحرير), بين موظف يتعالي علي الناس, وآخر يعطل مصالحهم, وحين يستعجلونه يذهب للوضوء ويتحجج بالصلوات. ولما وقع مبني المجمع في أيدي المواطنين( الإرهابيين) دون قصد, كان مطلبهم بسيطا جدا في إشارة إلي طيبة الناس وطموحاتهم المتواضعة فاختلط الإرهاب بالكباب!! وهذا فيلم آخر جسد ضيق الناس من التطبيع السياسي مع عدو اغتصب وطن الشعب الفلسطيني وقتل الأطفال والأبرياء, وعبر عن رفض السفارة الموجودة في العمارة. وذاك فيلم تعرض بشجاعة للاحتقان الطائفي ودور رجال الدين علي الجانبين في تأجيج الفتنة بين حسن ومرقص!! ولكن الفيلم الذي يشدني بأثر رجعي مرجان أحمد مرجان يجسد أزمة المجتمع في الفترة الماضية( وينسحب بشدة علي الحالية), وهناك لقطة استشرفت الوضع الذي نعيشه اليوم بدقة مذهلة. بطل الفيلم رجل أعمال, سلاحه المال الوفير, قرر أن يستكمل وجاهته الاجتماعية بالحصول علي شهادة جامعية, يشق طريقه في الجامعة والمجتمع بعقيدة راسخة: إن المال يشتري كل شيء. ويستخدم الرجل أسلوبه الوحيد الذي تعود عليه, ألا وهو شراء الذمم, فيستخدم ثراءه الفاحش ليشتري ليس العلم فقط ولكن أيضا الأدب والرياضة, فتتبدل مواقف الاساتذة والمحكمين بل والزملاء بفعل المال, وينال درجات الامتياز في الدروس رغم عدم استيعابه لها, ويحصل علي الجوائز الأدبية رغم عدم استحقاقه لها, ويحصد البطولات الرياضية دون أن يكون جديرا بها, يشتري الكل ويرشو الجميع, والكل من أسف قابل للشراء والجميع يقبل الرشوة!! يستفحل نشاط الرجل, فيتوسع ويقيم مشروعاته الاستثمارية ليشتري الجامعة ويبتعلها كلها. اللقطة المثيرة في الفيلم, والتي انعكست علي وضعنا الحالي في استشراف عبقري وعبثي للمستقبل( قطعا بدون قصد), هي مظاهرتان متقابلتان, إحداهما ممن يرفضون ممارسات مرجان الفاسدة, تهتف( مرجان لا), والأخري ممن اشتراهم مرجان تهتف( مرجان آه). الهتافات منغمة وملحنة علي إيقاع رقصات المعارضين والمؤيدين بين( آه)و( لا). تطابق الفيلم مع الحقيقة, والشاشة مع الميدان حين استشري الفساد فقسم مصر إلي دولتين: دولة ظالمة متجبرة ترتع في الفساد, ودولة مظلومة ثائرة تحلم بالتغيير, فرأيت مظاهرتين في يناير المشهود, إحداهما حاشدة تهتف بصوت واحد هادر منغم الشعب يريد إسقاط النظام, وأردفتها أخري بائسة, وشت تفاصيلها وأشكالها بأنها مدفوعة الأجر بالكامل, تهتف بصوت منغم الشعب يريد بقاء النظام. الفيلم صور ووثق ونبه( هو وغيره) للشرخ المجتمعي الكامن تحت السطح منذ زمن( إنتاج2007 م) ولكن النظام القمعي كان يغطي( بل يستثمر) ذلك الانقسام. وفي مطلع2011 م انكشف الشرخ الغائر فبات واضحا للعيان. عقدة الفيلم أن مدرسة شابة بالجامعة استعصت علي فساد السيد مرجان, لم يستطع شراءها, وكشفته متلبسا بالغش في اللجنة, ففضحته وطردته ورسب مرجان في الامتحان. ابنته الطالبة بنفس الجامعة تقول لأبيها الغشاش إنه لا يشرفها أن يكون والدها غشاشا( تماما كما خرج الشباب الرافض للنظام الفاسد في يناير), يصفعها الأب( تماما كما فعل النظام مع أولاده) ويصيب ابنته الشابة بصدمة عصبية( هنا بعض الاختلاف فالنظام هو من أصابته الصدمة والشلل). يدرك مرجان خطأه ويعتذر لابنته ويتخلي عن الغش والخداع والرشوة( بعكس ما فعل النظام الذي هجم علي الشباب بكل أساليب البطش). يصوب مرجان مساره الجامعي والحياتي, فينكب علي المذاكرة متعاونا مع ابنه وابنته الطالبة في نفس الجامعة, وينجح في النهاية, ويفوز بقلب المدرسة الجميلة. ولكن النهاية السعيدة في أفلام السينما قد تختلف كثيرا عن الحقيقة, ففي الواقع لا يعرف أمثال السيد مرجان لغة الاعتذار, ولا يقرون بما اقترفوه من أخطاء, تأخذهم العزة بالإثم, يوظفون مالهم الفاسد وخبرتهم بأساليب التآمر ليحاربوا الثورة باستماتة بينما يتمسحون بشعاراتها, يؤججون الانقسام وينسبونه للحكام الجدد بينما هم الذين أيقظوا الفتنة وأعدوا العدة للانقضاض علي الدولة الجريحة. ليس المهم الآن الإجابة عن السؤال من قسم مصر, ولكن المهم كيف نرأب الصدع, فالمتصارعون علي حكم البلاد أوصلونا إلي حافة الهاوية وهم لايعقلون. أليس الأجدي أن يتضافر الجميع معا لبناء الوطن ومؤسساته السياسية والاقتصادية والتنفيذية, والعمل لتلبية مطالب الشعب المتواضعة في العيش بأمان وحرية وكرامة؟ وحين يتم البناء وتتحقق المطالب, سنشهد النهاية السعيدة في الواقع كما شهدناها في الأفلام.