"الحريق يقترب من بيت أردوغان" تحت هذا العنوان نشر موقع الإذاعة الألمانية تقريراً عن تفاعلات فضيحة الفساد التركية التي تعصف بحزب رئيس الوزراء التركي، رغم المحاولات العديدة التي يقوم بها لإطفاء الحريق الذي بات يحاصره شخصياً. وقالت الإذاعة الألمانية: "تزداد ضغوط المعارضة التركية علي رجب طيب أردوغان علي خلفية فضيحة الفساد التي هزت الحكومة وباتت تهدد أسرته شخصياً، بعد مطالبة المعارضة بالكشف عن علاقة نجله برجل أعمال سعودي متهم بدعم تنظيم القاعدة". ورجل الأعمال المقصود هو "ياسين القاضي" المتهم بتمويل أنشطة القاعدة، والذي يرتبط بعلاقة صداقة بنجل أردوغان الأكبر بلال، وأكّد البرلماني التركي أوغور بيرق توتان، للإذاعة الألمانية أنه لا ينوي التنازل عن حقه "في إجبار رئيس الحكومة التركية علي الردّ علي التساؤلات المشروعة حول علاقة ابنه وعائلته بشكل عام بالمواطن السعودي القاضي، في ظرف أقصاه شهر". وكانت السلطات الأمريكية والبريطانية قد أدرجت القاضي منذ 2001 علي لائحة تضم أكثر من 39 شخصية ومؤسسة، بتهمة تمويل تنظيم القاعدة، في حين يصرّ السعودي علي إنكار هذه التهم، ويؤكد أن اسمه أدرج علي خلفية إدارته سابقاً لجمعية خيرية في البوسنة زمن الحرب في يوغسلافيا السابقة. والمفاجأة أن ياسين القاضي لا يعتبر مجهولاً في تركيا منذ 2006، إذ دافع عنه أردوغان شخصياً بعد اتهامه بدعم الإرهاب، وعاد الاسم ليظهر من جديد علي الساحة الإعلامية التركية بعد اهتمام المحققين الأتراك بقرار أردوغان بخصخصة موقع مدرسة الشرطة في إسطنبول الذي لا تقل قيمته عن مليار دولار حسب بعض التقارير الصحفية، وبيع الموقع بأقل من نصف هذا السعر لمستثمرين من القطاع الخاص كان من بينهم ياسين القاضي. ونشرت الصحف التركية صوراً قيل إنها لياسين القاضي مع بلال أردوغان في أحد فنادق إسطنبول وتحت حراسة تركية رسمية.. وعلي هذا الأساس تسعي المعارضة التركية لمعرفة ما إذا كان لنجل رئيس الوزراء دور الوسيط في تلك الصفقة، رغم تأكيد بلدية إسطنبول علي أن الموقع لايزال ملكاً للمدينة. من جهته، رأي إلكه توران الباحث من جامعة "بلجي" أن الناخبين سيتابعون بدقة تعامل أردوغان مع هذه التهم الجديدة، خاصة أنه لم يُقدم إلي اليوم توضيحات مقنعة حول علاقة ابنه برجل الأعمال السعودي. المواجهة بين الحكومة التركية والقضاء أيضاً تكاد تتحول إلي إلي حرب مفتوحة، فيما بدأ البرلمان مناقشة مشروع قانون مثير للخلاف لتعزيز السيطرة السياسية علي القضاء، وذلك في خضم فضيحة فساد، وقبيل ساعات من مناقشة مشروع قانون لإصلاحه، خرج المجلس الأعلي للقضاة، إحدي أبرز المؤسسات القضائية في تركيا، مرة أخري عن صمته للتنديد بالنوايا "غير الدستورية" لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.. واعتبر المجلس في بيان أن الاقتراح يخالف مبدأ دولة القانون، وأضاف المجلس الذي يعين القضاة أن هذا التعديل يجعل المجلس خاضعاً لوزارة العدل. وهذا التعديل مخالف للدستور. ويهدف مشروع القانون الذي أعده حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلي توسيع تشكيلة المجلس الأعلي، المستقل نظرياً، وإلي منح وزارة العدل الكلمة الأخيرة المتعلقة بتعيين القضاة في مؤسسات قضائية مثل المحكمة الدستورية. وبدأ البحث في مشروع القانون، علي أن يطرح ابتداءً من الأسبوع المقبل للتصويت في البرلمان الذي يمتلك فيه حزب العدالة والتنمية أكثرية ساحقة. ورأي اتحاد المحامين في تركيا الواسع النفوذ أن مشروع الحكومة يسيء إلي فصل السلطات.. وفي خضم هذه العاصفة السياسية توجه المعارضة أيضاً انتقادات إلي المجلس الأعلي للقضاة. وفور إعلان الإصلاح القضائي، تعمد شركاء تركيا الأوروبيون انتقاده، وقال مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا نيل موزنيك إنه يشكل ضربة قوية لاستقلال القضاء في تركيا. وبعد بروكسل، أعربت واشنطن أيضاً عن "قلقها" للمنحي الذي سلكته الأحداث وذكرت بدعمها "رغبة الشعب التركي التمتع بنظام قضائي عادل وشفاف". وبالإضافة إلي تأثيرها علي العملة الوطنية والأسواق المالية، تهدد العاصفة السياسية القضائية في تركيا أيضاً مستقبل أردوغان الذي يحكم البلاد منذ 12 عاماً. المعروف أن التحقيقات التي يجريها مكتب مدعي إسطنبول حول الفساد أسفرت حتي الآن عن سجن حوالي 20 رجل أعمال وصاحب مؤسسة ونواب، وهم من المقربين من النظام، وذلك بتهم الفساد والتزوير وغسيل الأموال، ودفعت بثلاثة وزراء إلي الاستقالة وسرعت بإجراء تعديل حكومي واسع. وهو ما يعجل بالإطاحة به قبل أشهر من الانتخابات البلدية في مارس والرئاسية في أغسطس. وفي الأسابيع الأخيرة، قامت حكومة أردوغان بحملة تطهير غير مسبوقة في أجهزة الأمن الوطني وأقالت مئات من كبار الضباط والضباط العاديين في كل أنحاء البلاد.. وتم أيضاً نقل عدد كبير من القضاة أو أقيلوا، كالمدعيين اللذين كانا يشرفان علي التحقيق حول مكافحة الفساد في إسطنبول، مما أثار ردود فعل قضائية ضد "الضغوط" التي تمارسها الحكومة. وفي أغسطس 2014، تؤكد قيود الفترة الانتخابية أن علي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن يخلي منصبه هذا العام. وحتي وقت قريب، تحدث أنصاره بثقة عن تعديل هذه القاعدة للسماح لأردوغان بالبقاء في السلطة، ولكن تنامي الحكم المتسلط لأردوغان -ولا سيما حملته الدامية ضد المحتجين في إسطنبول في الصيف الماضي- أثّرت بالسلب علي شعبيته، بل وقلّلت من صورة تركيا في جميع أنحاء المنطقة، وجعلت أردوغان نموذجا للفاسد الديكتاتور الذي لن يصمد أمام موجات الغضب التي تتلاحق في تركيا.