بدأت البنوك المصرية فتح ملفات رجال الأعمال المتعثرين من جديد، بعد أن كانت هذه الملفات في طي النسيان خلال فترة ما قبل ثورة 25 يناير، وتعكف اللجان القانونية وإدارة الديون المتعثرة بالبنوك حاليا على دراسة جميع التسويات والبدائل المحتملة للتأخر عن سداد الأقساط المستحقة، حيث تسعى البنوك لاستعادة أموالها من رجال الأعمال سواء بالتحرك القضائي أو الحصول على بعض الأصول المرهونة وفقا للتسوية. ومن المتوقع حسب رأي خبراء مصرفيين أن تفتح البنوك جميع ملفات عمليات القروض التي تمت خلال الفترة الأخيرة، وخاصة مع رجال الأعمال المتعثرين من أصحاب الحظوة السياسية السابقة، بعد حبس وتجميد أموال عدد كبير منهم عقب ثورة 25 يناير. ومن أبرز ملفات التسوية البارزة على الساحة الآن ملف التسوية الخاص برجل الأعمال إبراهيم كامل، القيادي السابق في الحزب الوطني، الذي تزيد مديونيته على 3 مليارات جنيه لبنك مصر، وأحمد بهجت مع البنك الأهلي المصري، ورامي لكح مع عدد من البنوك، بالإضافة إلى التسويات القديمة التي مازالت تجري حتى الآن مثل حسام أبوالفتوح ومجدي يعقوب وعمرو النشرتي ووليد توفيق ومنتصر أبوغالي. كما أرسل بنك مصر إنذارًا لإبراهيم كامل يهدده فيه باتخاذ الإجراءات القضائية ضده في حالة عدم التزامه ببنود التسوية المبرمة بينهما، وهو ما حدث أيضا مع لكح، حيث يسعى البنك إلى الحصول على أحد أصوله نتيجة تأخره عن قسط كان مستحقًا عليه، وقام البنك الأهلي بتحريك تسوية المديونيات المتعثرة مع رجل الأعمال أحمد بهجت بعد تعثره عن السداد بسبب الأحداث السياسية الأخيرة. زيادة القيود على منح الائتمان وأشار الخبراء إلى أن البنوك قامت بزيادة القيود على منح الائتمان بعد ثورة 25 يناير، من خلال التحقق من سلامة الجدارة الائتمانية للعميل، والتي تعد من أولويات عمل البنوك، مؤكدين أنه لا داعي للخوف من ملفات التسوية التي تجريها البنوك الآن مع رجال الأعمال، وخاصة أن تحصيل القروض يتم مع مؤسسات كبرى وليس أفرادًا، وأن تلك المؤسسات قادرة على سداد هذه القروض، وأضافوا أن البنوك خسرت جزءًا كبيرًا من أموالها بسبب تلك التسويات؛ لوجود مخالفات صريحة منها إعفاء بعض المتعثرين من مبالغ مالية كبيرة وصلت إلى مليار جنيه في إحداها بسبب نفوذهم السياسي. وفي هذا السباق أكد طارق عامر، رئيس مجلس إدارة البنك، أن مصرفه تقدم بعرض من خلال الشركة المصرية للأصول العقارية المملوكة لبنكي مصر والأهلي لتسوية مديونيات رجل الأعمال أحمد بهجت التي تتراوح بين 3 إلى 3.5 مليار جنيه، مؤكدا على هامش مؤتمر اتحاد بنوك مصر الذي عقد أخيرا بالقاهرة، أن العرض يقوم على استحواذ البنك على الأصول التابعة لرجل الأعمال المتمثلة في أرض "دريم لاند" والفنادق التابعة له مقابل مديونياته لدى البنك الأهلي. من ناحيته قال محمد بركات، رئيس بنك مصر، إن مصرفه قام بمراجعة جميع ملفات التسويات المبرمة للتأكد من جديتها، مؤكدا أنه تم إعادة صياغة تسوية المديونية الموقعة مع رجل الأعمال إبراهيم كامل العام الماضي للحصول على المزيد من الضمانات حول جديته في السداد، بالإضافة إلى مراجعة جميع التسويات للمديونيات المتعثرة لرامي لكح، معرباً عن تطلعه لتنفيذ جميع التسويات. وأكد رئيس بنك مصر أن مجلس إدارة البنك مستعد للتعاون في أي تسويات جادة للمديونيات المتعثرة، مؤكدا أن الإخلال بالتسويات يضر بالعميل ويعيد التفاوض إلى نقطة البداية، مشيراً إلى أن مصرفة لن يقوم بتقديم أي تنازلات تتعلق بالفوائد على القروض المتعثرة إلا في التسوية النهائية للديون، وأن البنك لا يتهاون مع العملاء الذين لا يلتزمون بعقود التسوية الخاصة بهم. مراجعة المحافظ الائتمانية أما مدير عام القروض غير المنتظمة بأحد البنوك الخاصة فاروق يونس، فيؤكد ل " العربية نت" أنه لا يوجد بنك في مصر يخلو من ملفات تعثر، إلا أن هناك حدودًا آمنة يمكن تقبلها، مشيرًا إلى أن البنوك تعمل بصفة عامة على مراجعة المحافظ الائتمانية الخاصة بعملائها ودراسة تأثيرات الأحداث المصاحبة لثورة يناير عليهم والأبعاد الائتمانية الخاصة، مؤكدا أنه من الممكن محاصرة حالات التعثر من خلال شبكات الاستعلام الائتماني، وخاصة أن بعض البنوك بدأت في إلزام العملاء المتعثرين بإجراء تسويات عينية. وتخشى المصارف المصرية ارتفاع عدد رجال الأعمال المتعثرين الذين يجري معهم التحقيق، لذلك يتوقع الخبراء أن ترفع البنوك درجة مخاطر منح الائتمان خلال الفترة المقبلة رغم حاجة الاقتصاد المصري إليه للمساهمة في عودة نمو الاقتصاد إلى طبيعته. لا داعي للخوف من ملفات التسوية ويرى أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة أحمد الأنصاري، أن البنوك مطالبة بزيادة الحرص في منح الائتمان في كل الأوقات وليس في الوقت الراهن من خلال التحقق من سلامة الجدارة الائتمانية للعميل والتي تعد من أولويات عمل البنوك، مؤكدا أنه لا داعي للخوف من ملفات التسوية التي تجريها البنوك الآن مع رجال الأعمال، وخاصة أن تحصيل القروض يتم مع مؤسسات كبرى وليس أفرادًا وأن تلك المؤسسات قادرة على سداد هذه القروض، مشيرا إلى أن ملف التعثر مع إبراهيم كامل البالغ مديونياته 4 مليارات جنيه بدأت مع بنك القاهرة، قبل أن تؤول المحفظة المتعثرة إلى بنك مصر، حيث كان أصل المديونية نحو 400 مليون جنيه عام 1995 وبعدها توقف كامل عن السداد حتى عام 2010، وقام بنك مصر وكامل بتوقيع اتفاق لإعادة هيكلة الديون المستحقة لمدة 5 سنوات، ودفع كامل نحو 580 مليون جنيه، بينما كان من المفترض أن يسدد 770 مليون جنيه بنهاية عام 2010، وهو ما أدى إلى فتح الملف. أما ملف بهجت مع البنك الأهلي فبدأ يتحول إلى ملف مثير للقلق عندما تعرضت المجموعة للتعثر ليقوم كل من البنك الأهلي وبنك مصر بتعيين مستشار في كل شركة والبالغ عددهم 18 شركة لمباشرة ومتابعة اتفاق تسوية الديون، والذي ترتب عليه حصول البنوك على نسبة 49% من الشركات ونسبة 85% من أراضي "دريم لاند"، مع احتفاظ بهجت برئاسة مجلس إدارة المجموعة، مشيرا إلى أن حجم مديونية بهجت تبلغ 4 مليارات جنيه وقت التسوية تراجعت إلى ثلاثة مليارات جنيه في الوقت الحالي، مضيفا أن بهجت حاول في شهر أكتوبر الماضي بيع ثلاث قطع من أرض دريم الأولى، والتي كان من المتوقع أن تدر دخلا بقيمة مليار جنيه تساهم في سداد ثلث المديونية المتبقية على بهجت، إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح بسبب ثورة 25 يناير.