يرى عدد من المثقفين اليهود والعرب أن وجود دولة فلسطينية مستقلة يجسد مصلحة إسرائيلية أيضا، فيما يحذر تقرير سري من تبعات توجه السلطة الوطنية للأمم المتحدة.وفي هذا الإطار التقى رئيس السلطة محمود عباس عددا من المثقفين الإسرائيليين في ديوانه في رام الله أمس في محاولة لدعم المسعى الفلسطيني لتحصيل الاعتراف بالدولة. وأوضح عباس في رسالة للإسرائيليين عبر لقائه الوفد المذكور أن التنسيق الأمني مستمر مع إسرائيل، منبها على أنه غير راغب بعزلها بل بالعيش إلى جوارها.
وأوضح المحاضر في العلوم السياسية بروفسور يارون إزراحي الذي شارك في اللقاء أن الرئيس عباس أراد تمرير رسائل للإسرائيليين، منها توضيح دوافع توجه السلطة الوطنية للأمم المتحدة.
وقال للجزيرة نت إن عباس لمّح إلى تصريحات الرئيس الأميركي العام المنصرم حول دعمه للدولة الفلسطينية ودعم "الرباعية" لها.
كما نوه عباس باستكمال عملية البناء المؤسساتي للدولة الفلسطينية في الشهر الجاري، مؤكدا أن الفلسطينيين مستعدون لها. ونقل إزراحي عن عباس قوله إن الفلسطينيين هم الشعب الوحيد في العالم اليوم الذي بقي دون استقلال.
إنهاء الصراع
وضمن رسائله الأخرى للإسرائيليين، شدد عباس على أن الفلسطينيين سيستأنفون المفاوضات لتسوية قضايا الحل الدائم الست، وإنهاء الصراع مع إسرائيل في حال حازوا على اعتراف أممي بدولتهم.
وقال إزراحي إنه يرى بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس حدا أدنى للمصالحة بين الشعبين، مؤكدا على أنها مصلحة إسرائيلية أيضا، كونها تسهم في إقفال الصراع في مرحلة تتجه المنطقة برمتها نحو المجهول.
ويتابع: "لكن حكومة إسرائيل عمياء، وتمضي في طمر رأسها بالرمل إزاء تعمق عزلة إسرائيل في العالم، بدوافع أيديولوجية متقادمة، وحفاظا على الائتلاف الحكومي".
وهذا ما يتفق معه الكاتب سافي راخليبسكي الذي قال للجزيرة نت عقب مشاركته في اللقاء مع الرئيس عباس إنه يمثل عددا كبيرا من الإسرائيليين الذين يدعون إسرائيل والعالم للاعتراف بدولة فلسطينية.
الرقص في الشوارع
ودعا راخليبسكي الإسرائيليين إلى الخروج للرقص في الشوارع فور اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية، لافتا إلى أن تأييده ورفاقه لها ينم عن موقف مؤيد لعدالة تاريخية ورؤية إسرائيلية معا.
وينبه محاضر علم الاجتماع في جامعة تل أبيب، البروفسور يهودا شنهاف، المعروف بتأييده لفكرة الدولة ثنائية القومية في كل فلسطين التاريخية، إلى أن تسوية الدولتين لم تعد ممكنة على الأرض نتيجة عدة أسباب منها "السرطان الاستيطاني" في الضفة الغربية.
ويشير شنهاف للجزيرة نت إلى أن مثقفي اليسار الصهيوني يستميتون من أجل دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67، كونهم يدركون أنها "رخيصة" وغير مكلفة بالنسبة لإسرائيل التي ستستأثر ب 78% من البلاد.
مخاوف سبتمبر
وتابع شنهاف الذي يحذر من تسوية "الدولتين" ومما يصفها ب"مصيدة الخط الأخضر" قائلا: "هؤلاء يقاتلون من أجل دولة الجوار الفلسطينية كي لا تعاد أراضي القرى المهجرة داخل أراضي 48 لأصحابها، والتي قامت عليها مستوطنات وبلدات يهودية تعاونية (الكيبوتسات) يقيم الكثير منهم فيها".
وكان مثقفون إسرائيليون وفلسطينيون من أراضي 48 وقعوا بيانا مشتركا موجها بالأساس للإسرائيليين، يؤيد دولة فلسطينية ويؤكد أن اعتراف إسرائيل بها سيؤدي لاعتراف عشرات الدول العربية والإسلامية بإسرائيل. وامتنع عشرات المثقفين داخل أراضي 48 عن توقيع البيان لاعتباره إسرائيلي الرؤية والروح، كما أكد لنا المحاضران البروفسور مصطفى كبها والدكتور أسعد غانم.
في المقابل، وبحسب تسريبات نشرتها صحيفة "هآرتس" وبعض المدونات الإسرائيلية، يؤكد تقرير سري للجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن إسرائيل لم تستعد لمنع مواجهة مع الفلسطينيين في سبتمبر/أيلول الجاري عقب توجه السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة.
مسيرة مضادة
وبحسب هذه التسريبات يتهم التقرير الحكومة الإسرائيلية بعدم بذل جهد لمنع توجه السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة مطالبة بالاعتراف بفلسطين دولة مستقلة، مثلما لم تتهيأ لما بعد ذلك.
ونقلت إذاعة الجيش عن مصادر أمنية قولها اليوم إن التقرير السري جاد وعميق، بالرغم من أن رئيس اللجنة التي وضعته هو عضو الكنيست ووزير الدفاع السابق شاؤول موفاز من حزب كاديما المعارض.
ويشير موقع "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن أحاديث غير رسمية مع بعض المسؤولين الذين قرؤوا التقرير السري تفيد بأن نجاح المبادرة الفلسطينية سيقود لمسيرة بعيدة المدى ومضادة لإسرائيل في العالم، ويقلل من هامش مناورتها.
حريق إقليمي
وبحسب التسريبات، كان بمقدور الولاياتالمتحدة وضع صيغة تسوية متفق عليها لاستئناف المفاوضات، وبالتالي إحباط المبادرة الفلسطينية، لو أن إسرائيل زودتها ب"طرف خيط سياسي".
وينوه التقرير بمخاطر اندلاع حريق جديد في الأراضي الفلسطينية، نتيجة الإحباط من واقع الاحتلال وانزلاق نحو نزاع إقليمي على خلفية "سبتمبر" تنتظره قوى الممانعة، على الرغم من أن القيادة الفلسطينية الرسمية غير معنية بالعودة للانتفاضة الثانية.