مشاهد الفاجعة المأسوية، التي شهدتها الأراضي السورية، فجر السبت، بشن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، عملية عسكرية عليها، ردًا على الهجوم الكيميائي الذي اتهمت به دمشق في دوما، واستهدفت غارات جوية مواقع ومقار عسكرية عدة، تصدت له منظومات دفاع الجو السورية بكفاءة عالية لصواريخ العدوان وأسقطت معظمها، وهو ما يعيد للأذهان العدوان الثلاثي على مصر، مع اختلاف الحنكة السياسية للنظام السياسي حينها، وتصدي الجيش والمقاومة الشعبية للهجوم. العدوان الثلاثي المسمى واحد، ولكن الأسباب تختلف، فالإعلان الثلاثي على سوريا، أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن هناك عملية عسكرية جارية حاليًا في سوريا، بمشاركة فرنسا وبريطانيا، لمعاقبة نظام الرئيس بشار الأسد المتهم بشن هجوم كيميائي ضد مدنيين، قائلًا؛ "تجري عملية عسكرية مشتركة مع فرنسا وبريطانيا، ونحن نشكر" البلدين.
وأضاف "ترامب"، أن الهجوم على سوريا ناجم بشكل مباشر عن تقاعس روسيا عن وقف استخدام سوريا لأسلحة كيماوية، قائلًا؛ إنه أمر بتوجيه ضربات دقيقة مرتبطة باستخدام أسلحة كيماوية في سوريا، إلا أنه أكد أن أمريكا لا تسعى لوجود لأجل غير مسمى في سوريا.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، إن أربع طائرات من طراز تورنادو انطلقت من قاعدة أكروتيرى في قبرص وأطلقت صواريخ ستورم شادو على منشأة عسكرية قرب حمص حيث يعتقد أن سوريا تخزن مواد كيماوية. كما أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية، أن الجيش الفرنسي أطلق 12 صاروخا على سوريا، مضيفةً "لا نعتقد أنه تم اعتراض أي من صواريخنا".
أما العدوان الثلاثي على مصر في 1956م، وقع إثر اعتداء فرنسا وإسرائيل وبريطانيا، وكانت لكل دولة، أسبابها الخاصة، في مقدمتها؛ توقيع مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي تقضي بتزويد مصر بالأسلحة المتقدمة و المتطورة بهدف تقوية القوات المسلحة لردع إسرائيل، مع العلم أن توقيع هذه الاتفاقية لم يأت إلى بعد رفض الدول الغربية تزويد مصر بالأسلحة. الأمر الذي أثار حماسة إسرائيل للاشتراك في هذا العدوان لأنها رأت أن تزود مصر بالأسلحة المتطورة التي تهدد بقاءها.
كما أن دعم مصر للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي و إمدادها لها بالمساعدات العسكرية مما أغضب فرنسا وحرضها على المشاركة في العدوان.
أما تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر في يوم 26 يوليو عام 1957م، منع إنجلترا من التربح من القناة التي كانت تديرها قبل التأميم، وبذلك دخلت إنجلترا في العدوان الثلاثي.
ونظرًا للحنكة السياسية التي تميز بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رفض الإنذار الثنائي الذي كان يهدف لإسقاط الحكومة الوطنية برئاسته، وإخضاع مصر للسيطرة الأجنبية وإرجاع الإقطاعية على مدى متوالي كما كان وضع مصر في الماضي.
مشاهد الهجوم الثلاثي أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، أن عدوانا ثلاثيا غادرا نفذته الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا في الساعة الثالثة وخمس وخمسين دقيقة من فجر أمس السبت، عبر إطلاق حوالي 110 صواريخ باتجاه أهداف سورية في دمشق وخارجها.
فالمشهد يعيدنا للعدوان الثلاثي على مصر، الذي بدأ الهجوم الإسرائيلي في الساعة الخامسة عصرًا يوم 29 أكتوبر 1956، وأعلنت إسرائيل أنه ردًا على اعتداء الجيش المصري على خطوط المواصلات الإسرائيلية في البر والبحر بهدف تدميرها وحرمان المواطنين الإسرائيليين من الحياة الآمنة.
تصديات الجيوش القيادة العامة للجيش السوري، أكدت أن منظومات دفاع الجو السورية تصدت بكفاءة عالية لصواريخ العدوان وأسقطت معظمها، في حين تمكن بعضها من إصابة أحد مباني مركز البحوث في برزة الذي يضم مركزا تعليميا ومخابر علمية، واقتصرت الأضرار على الماديات، بينما تم حرف مسار الصواريخ التي استهدفت موقعا عسكريا بالقرب من حمص، وقد أدى انفجار أحدها إلى جرح 3 مدنيين.
أما القيادة المصرية قامت بإرسال تعزيزاتها إلى سيناء وشرم الشيخ، أثناء العدوان الثلاثي، وشرع سلاحها البحري في مهاجمة الشواطئ الإسرائيلية، إلى أن صدرت الأوامر بانسحاب القوات من سيناء وعودة الفرقة الرابعة المدرعة التي عبرت في الليلة السابقة إلى سيناء، ووقف تقدم أي تشكيلات أخرى، مع استمرار تمسك كتائب المشاة الست بمواقعها في سيناء لمدة 48 ساعة لحين إتمام الفرقة الرابعة المدرعة انسحابها إلى غرب القناة.
كما صدرت الأوامر بإرسال قاذفات القنابل من طراز إليوشن إلى الصعيد والسعودية، ووضعت خطت حرب العصابات موضع التنفيذ، وأسند إلى زكريا محيي الدين مسئولية قيادة المقاومة الشعبية، بينما أسند إلى كمال الدين حسين قيادة الفدائيين بمنطقة القناة. وأخفيت الأسلحة والمعدات في أماكن اختيرت في كل مدن الوجه البحري، ووزعت الأسلحة على المتطوعين في المقاومة الشعبية، وجابت عربات الجيش الشوارع حاملة مكبرات صوت تدعو الناس إلى الجهاد ومقاومة الغزاة.
صمدت الجبهة الداخلية المصرية وتكاتفت خلف زعيمها عبد الناصر، ولم تصدق توقعات قوى العدوان التي كانت واثقة من سقوط النظام بمجرد قصف الأهداف العسكرية، وقطع وسيلة اتصال عبد الناصر بشعبه من خلال تدمير محطات الإرسال المصرية. ولكن بادرت إذاعة دمشق مواصلة رسالة الإذاعة المصرية مستهلة إذاعتها بعبارة "هنا القاهرة"، ونادى جمال عبد الناصر من فوق منبر الجامع الأزهر "سنقاتل .. سنقاتل".
وتوقف القتال بين مصر وإسرائيل يوم 6 نوفمبر، والتحمت قوات الجيش المصري والمقاومة الشعبية، ونجحت في تثبيت قوات الإبرار الجوي الأنجلو-فرنسي طوال يوم 5 نوفمبر، وأنزلت بها كذلك خلال يوم 6 نوفمبر خسائر كبيرة.
مواقف العرب تجاه العدوان بمتابعة العدوان الثلاثي على سوريا، فإنه عمق الشرخ العربي وأكد الانقسام، حيث لاقى القصف ترحيبا من عدة دول عربية، وكانت قطر سباقة إليه.
وحملت الخارجية القطرية السلطات السورية المسؤولية الكاملة عما يحدث، داعية مجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسؤولياته لوقف "جرائم النظام واستخدامه الأسلحة المحرمة دوليا وتقديم مرتكبي تلك الجرائم للعدالة الدولية".
وبالعودة للمشاهد التاريخية للعدوان الثلاثي على مصر، فإن موقف العرب، كان مختلف، حيث وقفت العديد من الدول العربية بجانب مصر، معتبرين أن إخضاع مصر معناه إخضاع العالم العربي، فوضعت سوريا مواردها تحت تصرف مصر، وأعلنت التعبئة العامة والأحكام العرفية، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية ببريطانيا وفرنسا، ونسفت كل من الأردنوقطر أنابيب البترول، وتظاهر العرب في الكويت والبحرين ضد الإنجليز وهددوا بتعطيل العمل في آبار النفط، فيما أعلنت السعودية التعبئة.