بشار واثق فى قدرته على البقاء.. و"بوتين" يتحكم فى «لعبة سوريا» والصراع سينتهى ولو على حساب الأسد كل أطراف الصراع السورى يؤمنون بأن الله بجانبهم والدين هو الرابح فى النهاية ورجيس لو سوميه، هو رئيس التحرير المشارك لمجلة بارى ماتش الفرنسى، ويتمتع بتاريخ طويل من العمل الصحفى وتخلل مشواره كثير من المحطات المهمة، حيث شغل منصب رئيس مكتب المجلة فى الولاياتالمتحدة بين عامى 2003 و2009، وكان الصحفى الفرنسى الوحيد الذى التقى الرئيس الأسبق جورج بوش، وجهاً لوجه فى البيت الأبيض، كما أجرى حوارات مع الرئيس السابق باراك أوباما، وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، وزير الخارجية السابق كولن باول، والسيناتور جون ماكين، والقائد العام للقوات الأمريكية فى العراق ديفيد بترايوس، والقائد العام للقوات الأمريكية فى أفغانستان، ستانلى مكريستال. لوسوميه هو مؤلف العديد من الكتب، ومن آخر إصداراته كتاب «مرتزقة الخليفة» عن تنظيم داعش، والصادر فى عام 2016 وفى بداية العام الجارى أصدر كتابه الجديد «أسد» وهو بورتريه يتناول رؤية الصحفى الفرنسى للرئيس السورى بشار الأسد. فى كتابه يشير الصحفى الفرنسى الشهير كيف اقترب من الرئيس السورى طوال السنوات الأكثر سوءاً فى حكمه، ومع التقارب الكبير بينهما لم يتردد لو سوميه، فى الدخول إلى المناطق الشائكة التى تثير حفيظة بشار، بما فى ذلك سؤاله لماذا كان يقصف المدنيين، وما إذا كان يخشى الموت مثل الرئيس الليبى معمر القذافى أو العراقى صدام حسين. كتب لوسوميه: «على حد علمى، لم يشهد أى قائد آخر فى العالم مثل هذا التراجع فى صورته، ولم يجد أى منهم نفسه على الحافة فى علاقته مع الأمم بهذه السرعة حيث تم رفع السجادة الحمراء التى كانت تمتد أمامه»... وإلى نص الحوار ■ أنت أحد الصحفيين القلائل الذين التقوا الرئيس السورى عدة مرات منذ بداية الحرب فى سوريا، فمن هو بشار الأسد؟ - من الصعب الإجابة على هذا السؤال فى بضع كلمات، ولكن أكثر ما أثار انتباهى فى شخصية بشار، كان روحه العلمية، فهو شخص يتمتع بمعرفة كبيرة بالعالم الرقمى وعلوم الكمبيوتر بشكل عام، ويمكن القول إنه شخص «مهووس بالعلوم»، ومن المهم الإشارة أيضاً إلى الطبيب الذى لايزال بداخله، عندما يتحدث، حيث يبدو أنه يصدر وصفة طبية. من ناحية أخرى، خلافاً لصوره فى الزى العسكرى والتى نعثر عليها فى جميع أنحاء سوريا، فهو ليس جندياً على الإطلاق، ولديه معرفة قوية بالعالم الغربى الذى عمل فيه بشكل جيد طوال حياته، وبالمناسبة، أعتقد أننا كنا مخطئين فى الحكم عليه فى هذا الصدد على وجه التحديد، لأننا رأينا فيه نموذجاً غربياً، أو على الأقل شخصاً على عكس المستبدين فى المنطقة، ولكن فى الواقع، لم يتوقف الأسد فى أى لحظة من اللحظات على الانتماء لسوريا، وإدراك أنه سورى من أصل ريفى وعلوى، أى ينتمى للأقلية التى تسيطر على بلد، يتألف من أغلبية السنة. ■ العلاقة بين الغرب ونظام الأسد ليست جيدة، كيف اقترب صحفى فرنسى من الرئيس السورى؟ - التقيت به مرتين خلال الحرب، فى البداية، كان لى فرصة مقابلة السيدة الأولى، أسماء الأسد فى نوفمبر 2010، قبل 4 أشهر من بدء الصراع، وهذه المقابلة، التى أجريت فى وقت لم يتم فيه إطلاق أى طلقة رصاص فى سوريا، ستكون بمثابة باب دخول سوريا فى وقت لاحق، من أجل المطالبة بإجراء مقابلة مع الرئيس السورى. وكان من المعقد جداً الحصول على موافقة من أجل إجراء هذا الحوار واستغرق الأمر ما يقرب من عام ونصف العام من المراسلات قبل أن أذهب إلى دمشق فى نوفمبر 2014 لمقابلته، حيث وافق على الحديث معى لأنه كان يعلم أن «بارى ماتش»، هى المجلة الأسبوعية الفرنسية الأولى، وهذا هو السبب الذى دفع جورج بوش إلى استقبالى فى مايو 2004، لإجراء أول مقابلة له لوسائل الإعلام الفرنسية منذ بداية الحرب فى العراق. ■ كيف حافظ بشار الأسد على الرئاسة فى حين سقط العديد من الأنظمة العربية بعد الربيع العربى؟ - لقد ظل فى موقعه، لأن سوريا كانت فى ذلك الوقت على عكس كل من تونس أو مصر أو ليبيا، فرغم الاحتجاجات التى اشتعلت فى كل مكان، إلا أن الحكومة السورية كانت تحكم قبضتها على البلاد بشكل جيد للغاية، وفى ذلك الوقت، كان السفير الفرنسى فى دمشق، اريك شوفالييه، واحداً من القلائل الذين يعتقدون أن النظام السورى لم يكن مستعداً للسقوط، وتم استدعاؤه إلى باريس وتجاهل رأيه، وبعد ذلك فى وقت مبكر جداً، سيطرت التيارات الإسلامية الراديكالية على حركة التمرد، ولم يكن هناك شىء غير منطقى حول هذا الأمر، فقد كان الإخوان المسلمين المعارضين الرئيسيين لحافظ الأسد طوال الثمانينيات، ولكننا لم نرغب فى رؤية هذه الحقيقة، وكان لهذا أثر كبير فى تخويف الأقليات وترسيخها بقوة فى معسكر الحكومة، ونفس الأمر ينطبق أيضاً على جزء جيد من السنة. سرعان ما أدرك السوريون أن الخيار البديل لنظام الأسد قد يكون أسوأ بالنسبة لهم، أو على الأقل فإن مثل هذا الخيار البديل لم يقدم لهم ضمانات لنظام شامل يكون فى مصلحتهم. وأدى دعم الرعاة من الخارج إلى زيادة تفاقم صورة المعارضة الممولة والمدعومة من الخارج مع أفكار وتوجهات بعيدة بشكل كبير عن مصالح السوريين. ومع استمرار الحرب، أصبح هذا الشعور أقوى، لهذا قال الرئيس الفرنسى «لم أقل إن رحيل بشار الأسد شرط مسبق لكل شىء لأننى لم أر بديلاً شرعيا»، لقد عادت فرنسا فجأة إلى موقف أكثر واقعية فى هذا الصراع، حيث كانت مواقفها السابقة سبباً فى خسارتها تماماً. ■ خلال اقترابك من كواليس الحكم فى سوريا، ما هى أهم اللمحات الشخصية التى رصدتها؟ كيف تتعامل أسماء الأسد مع تطورات الأوضاع فى سوريا؟ وما هو الوضع بالنسبة لأبنائه؟ - من الصعب القول، لأنك عندما تسأل بشار عن عائلته، فإنه يميل إلى التأكيد أن عائلته تشعر بنفس الأشياء كأى أسرة سورية فى مواجهة الحرب. لقد حاولت مقابلة زوجته مرة أخرى، كما قلت لك، لقد قابلتها فى باريس قبل الحرب، ولكن لم يحالفنى النجاح، لقد تحدثت أسماء الأسد فقط لوسائل الإعلام الروسية، موضحةً أن بعض الناس عرضوا عليها مغادرة البلاد لكنها رفضت، ومنذ بداية الصراع، يبدو أنها تركز على زيارة عائلات الجنود المتوفين والأيتام. لكنى أستطيع ملاحظة عملها الذى يجعلها تتمتع بشعبية كبيرة للغاية، ونفس الأمر بالنسبة لزوجها. ■ ما الحقيقة الأكثر إثارة للدهشة التى يكشف عنها كتابك عن بشار الأسد؟ - عندما التقيت به فى عامى 2014 و2015، كان لقائى معه دائماً فى الأوقات التى بدا فيها كل شيء سيئاً للغاية بالنسبة له، وفى المرة الثانية، كنت قادراً على التحدث معه «بدون تسجيل» لمدة 3 ساعات، كان فقد لتوه مدينة تدمر فى حمص، وعانى جيشه أسوأ نكسة للحرب فى إدلب فى الربيع الماضى، ورغم ذلك بدا أنه يتمتع بحالة يقين لا يتزعزع أنه كان فى طريقه للفوز، وأثناء مغادرتى دمشق، فكرت بصراحة أننى لن أراه مرة أخرى، رغم أنه لم يكن لديه أى شك فى انتصاره. ■ فى كتابك أشرت إلى أن الدين سيكون الفائز الأكبر فى الحرب فى سوريا، من وجهة نظر المكسب والخسارة، من الذين فازوا فى هذه الحرب ومن خرج منها خاسراً؟ - كتبت هذا، لأننا كثيراً ما نرى مقاتلى المعارضة يرفعون السبابة فى الهواء فى إشارة، لإظهار إيمانهم بالله، فى المقابل، فى المعسكر الحكومى، المقاتلون هم أيضا شديدو التدين، والشعب أيضاً متدين بشكل عام. وقال لى بعض العلويين: «كان علينا أن نتعلم ديننا»، والحرب مع ما تجلبه من إحساس باليأس يدفع الإنسان إلى وضع يشعر فيه بالضعف ولا يكون لديه خيار سوى الاعتماد على الله، والتقرب منه، هكذا أفسر لماذا أعتقد أن الدين هو الفائز فى هذه الحرب. ■ كيف ترى الوضع فى سوريا اليوم؟ مع بقاء بشار فى الحكم هل يمكن اعتبار أنه خرج فائزاً فى هذه الحرب؟ - إنها الحقيقة، والبلاد فى حالة من التوتر، وهناك 5 ملايين لاجئ خارج سوريا، على الأقل العديد من النازحين داخل سوريا، وتم تدمير المدن، ولكن فى هذا الحقل من الأطلال، فاز بشار الأسد، وهو يدين بفوزه للدعم الذى حصده من الروسيين والإيرانيين، وبصرف النظر عن رأينا فيه، لقد حقق انتصاره. ■ ما سيناريوهات ما بعد الحرب فى سوريا؟ - من الصعب القول، خاصة مع ما يشهده المشهد السورى اليوم فى ظل التدخل التركى الذى بدأ قبل بضعة أسابيع، والاختفاء الظاهرى لتنظيم داعش يضع أولئك الذين يقاتلون هذا التنظيم الإرهابى وجهاً لوجه، وتعود مصالح كل طرف فى احتلال أولوية اهتمامه، مصالحهم المتباينة أيضاً. ومن الواضح أن مرحلة إعادة الإعمار فى البلد ينبغى أن تبدأ فى جزء من البلد لكن هناك نقصا فى القوى العاملة والموارد. كما يريد النظام فى الغوطة إجبار المتمردين على الاستسلام أو طردهم إلى إدلب كما فعلوا فى حلب وحمص. وفى الشمال، يعد الوضع هو الأكثر تعقيداً، مع تعرضهم للهجوم، ومن المرجح أن ينتهى الأكراد إلى البقاء مع الأسد باعتباره العدو الأقل سوءاً، بعد تخلى الولاياتالمتحدةالأمريكية عنهم، وهم فى وضع غير مريح ويبدو أن الحكومة السورية هى الجهة الفاعلة الوحيدة التى تقدم لهم وسيلة للخروج. وربما ينتهى الأمر إلى شكل من أشكال الاتحاد الفيدرالى لأن الأسد ليس لديه الوسائل اللازمة لاستعادة كل الشمال، والروس هم سادة اللعبة، هم الذين منعوا التصعيد مع الإسرائيليين بعد أن تمكنت الدفاعات الجوية السورية من إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز «F-16»، ودور إيران أمر بالغ الأهمية، السؤال المهم هل ستستمر طهران فى كسب أرض على النحو الذى يثير حفيظة السعودية والقوى السنية؟ وباختصار، لا يزال هناك خطر حدوث اشتعال عام للأوضاع، ونقطة الأمل الوحيدة التى رأيتها على الفور هى شعور المواطنين بالإنهاك من هذه الحرب. ■ كيف ترى مستقبل العلاقات بين بشار والأنظمة فى المنطقة؟ - من الصعب التنبؤ بمستقبل مثل هذه العلاقات، فقضية اللاجئين السوريين تحتل أهمية كبيرة فى هذا السياق، ويأتى تعيين سفير لبنانى فى دمشق مؤخراً، بعد ثلاث سنوات من فراغ المنصب، علامة على علاقات جديدة، معقدة كما هو الحال دائما بين هذين البلدين، ولكن عودة مليون سورى يعيشون فى لبنان هى واحدة من الضروريات، وأصبحت الأردن تدرك حقيقة بقاء بشار، وتركيا لديها موقف متناقض، فنظام الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان يقف ضد الحكومة السورية، ومع ذلك، فإن هوسه بتجنب إنشاء إقليم كردستان مستقل، جنوب حدوده، يظل أولوية. ويتصرف الأتراك بالاتفاق مع الروس، حيث لا يزال الرئيس المطلق للعبة هو فلاديمير بوتين، ويريد الأخير التوصل فى أقرب وقت ممكن إلى عملية السلام، حتى بإجبار الأسد على تقديم تنازلات معينة. ■ أنت خبير فى الشرق الأوسط والمنظمات الإرهابية، مع هزيمة داعش فى سورياوالعراق، وحرب مصر الشاملة على الإرهاب فى سيناء، كيف ترى مستقبل الإرهاب فى الشرق الأوسط؟ - نهاية داعش تغير اللعبة، بما فى ذلك على المستوى العالمى، هناك نشاط أقل أهمية للشبكات الإرهابية بسبب الفوضى التى نشأت مع نهاية تنظيم داعش فى سورياوالعراق، ومع ذلك، فإن التنظيم الإرهابى لايزال يتمتع ببعض الملاذات الآمنة بالإضافة إلى القدرة على إقامة كمائن، ولكن التنظيم يجد نفسه، كما كان الحال قبل عام 2013، فى «الصحراء بدون مدينة» كما وصفها أبو محمد العدنانى، المسئول الراحل عن إدارة الدعاية للتنظيم والعقل المدبر لعمليات التنظيم الخارجية، ولكن التنظيم قد يحاول العمل من الخارج، حيث سعى لتجديد شبابه فى سيناء والفلبين. وعلى النقيض من ذلك استفاد تنظيم القاعدة من الحرب على داعش وتركيز وسائل الإعلام عليه، من أجل تطوير قدرات المنظمة.