شنت تركيا الأسبوع الماضي هجومًا للسيطرة على مدينة عفرين شمال غرب سوريا، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية. وأثار هذا الهجوم التركي – المعروف باسم عملية "غصن الزيتون – مناقشات عدة حول مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا وعما إذا كان بإمكان واشنطن موازنة علاقاتها بين تركيا – حليف الناتو – والأكراد السوريين، شركاء الولاياتالمتحدة في سوريا. وفي هذا السياق نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقالاً للكاتب جوناثان ستيل، يسلط فيه الضوء بداية على ذرائع استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. يقول الكاتب إن إعلان واشنطن الأخير بأن الولاياتالمتحدة ستبقي ما يصل إلى 2000 جندي في سوريا إلى أجل غير مسمى يمثل منعطفًا آخر للأسوأ في الصراع، الذي دام سبع سنوات في البلاد، كما يؤكد عدم اتساق السياسة الأمريكية وتهورها. الأسباب المعلنة للحفاظ على القوات الأمريكية الخاصة في سوريا هو أن الولاياتالمتحدة تريد منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومنع تغلغل إيران في سوريا، لكن كلتا الحجتين معيبتان. الأسباب المعلنة إسقاط داعش ونفوذ إيران يشير الكاتب إلى أنه بالفعل تم تدمير دولة خلافة داعش المزعومة وقتل معظم قادتها، وأن مسألة منع إحياء التنظيم، على الأقل من حيث السيطرة على الأراضي، يعتمد أكثر على ما يحدث في العراق منه في سوريا. إذا تبنت بغداد سياسات شاملة وغير طائفية، وواصلت القيام بعمل جيد لإعادة بناء المدن ذات الأغلبية السنية، التي كانت قد احتلتها داعش، فإن الجماعة المسلحة لن تكون قادرة على استعادة الدعم الشعبي. أما بالنسبة لنفوذ إيران في سوريا – يوضح الكاتب – فقد نشأ نتيجة للحرب والتهديد، اللذين كان تنظيم داعش وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى لحكم الرئيس بشار الأسد يشكلانهما قبل الحرب، ففي العقود التي كانت فيها سوريا دولة قوية، وتعمل بشكل طبيعي، كان دور إيران ونفوذها في سوريا ضئيلاً. لكن عندما تعرض الأسد لضغوط شديدة، لعبت إيران دورًا حيويًّا في استعادة سيطرته على معظم المدن السورية؛ لأن لو كانت داعش سيطرت على دمشق، لَشكَّلَ ذلك تهديدًا مباشرًا لإيران. لذا فإن أفضل طريقة لتقليل الحاجة إلى البقاء على القوات الإيرانية في سوريا هو محاولة إنهاء الحرب السورية وإعادة بناء واستقرار الدولة السورية. إن التهديد بإبقاء القوات الأمريكية في سوريا أمر يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا، ويشكل انتهاكًا للقانون الدولي، حيث إن الولاياتالمتحدة لم يتم دعوتها من الحكومة السورية، ولا يوجد أي قرار للأمم المتحدة يعطيها الشرعية الدولية. الحفاظ على الضغط العسكري يؤكد المقال أنه بعيدًا عن الأسباب المعلنة، يبدو أن وجود القوات الأمريكية في سوريا يهدف في الحقيقة إلى الإبقاء على الضغط العسكري على الجيش السوري، كما أنه يشجع الجماعات المعارضة المسلحة على مواصلة نضالها العسكري غير المجدي. وبدلاً من قبول حقيقة أن حكومة الأسد استعادت سيطرتها على قلب سوريا، وأن معظم السوريين، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يأملون في رحيل الأسد، يريدون الآن إنهاء الحرب، فإن الولاياتالمتحدة تبقي الخيار العسكري على الطاولة. وهذا لا يشجع سوى السياسيين المعارضين من الخارج في محادثات جنيف على مواصلة رفض الحلول التوفيقية وترديد مطالبهم العقيمة باستقالة الأسد، قبل أن يتم التفاوض على أي دستور جديد وإجراء انتخابات. واشنطن بين حليفين.. تركيا والأكراد وفيما يتعلق بالهجوم التركي على عفرين المسيطر عليها من قبل قوات حماية الشعب الكردية السورية، يشير الكاتب إلى أن موقف واشنطن تجاه وحدات حماية الشعب (YPG) أمر غير متماسك. من ناحية تدعم الولاياتالمتحدة عملياتهم المستمرة كقوة عسكرية محلية في شمال شرق سوريا، ومن ناحية أخرى لم تعمل ما يتجاوز مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لإدانة الغزو التركي لشمال سوريا، الذي صُمِّم خصيصًا لمواجهة وطرد وحدات حماية الشعب. الغزو التركي يقول الكاتب إن تركيا ليس لها دور عسكري مشروع في سوريا، إلا فيما يتعلق بمنع وصول المقاتلين المسلحين عبر حدودها، على الرغم من أنه في السنوات القليلة الأولى من الحرب السورية، فعلت تركيا العكس. فقد سهلت عملية نقل الأموال والأسلحة والمقاتلين من أجل دعم داعش والجماعات المسلحة الأخرى؛ لمواجهة الجيش السوري، أو الانتقال عبر سوريا إلى العراق. يبدو أن تركيا في وقت لاحق غيرت المسار، لكنها عادت الآن إلى صيغة أكثر تطرفًا من استراتيجيتها التدخلية الأصلية من خلال غزو سوريا مباشرة لمهاجمة الأكراد. في السياق ذاته نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تقريرًا للكاتب آرون شتاين حول عفرين ومستقبل الوجود الأمريكي في سوريا. يقول الكاتب: بعد أن أصبح انتصار الرئيس السوري بشار الأسد على العناصر المتبقية من جماعات المعارضة المسلحة أمرًا حتميًّا، كيف ستدير واشنطن هذا النصر؟ والأهم من ذلك كيف ستخرج الولاياتالمتحدة من سوريا؟ ويضيف أن الولاياتالمتحدة لديها طريق للانسحاب: تسوية تفاوضية بين قوات سوريا الديمقراطية – التي تتألف في معظمها من حماية الشعب – والنظام السوري. قوات سوريا الديمقراطية، خلافًا لمعظم جماعات المعارضة، لم تلتزم قط بضرورة إسقاط النظام. وبدلاً من ذلك حافظ الجانبان نسبيًّا على نوع من اتفاق غير موقع بعدم الاعتداء. صحيح أن مثل هذه النتيجة غير محببة للموقف التركي، لكن أنقرة أضعف من الولاياتالمتحدة وروسيا، التي قد تتشارك السعي في التوصل لمثل هذا الاتفاق. تركز تركيا بشكل محدد على محاصرة التهديد الكردي، لكن حلفاءها يتم تدميرهم في نهاية المطاف من قبل الحكومة السورية. بطبيعة الحال الجيش الأمريكي لن يبقى في سوريا إلى الأبد، لا سيما أن مسار الصراع يشير بوضوح إلى انتصار النظام في الغرب. ويختتم الكاتب مقاله: يتطلب الانسحاب اتخاذ خيارات صعبة من الولاياتالمتحدة؛ لأنه على المدى القصير الأمور قد تصبح أكثر تعقيدًا. وعلى المدى الطويل النتيجة واضحة: النظام سيفوز في حربه ضد الكثير من المعارضة. وبالنسبة للولايات المتحدة يتمثل التحدي الآن في الاعتراف بهذا النصر والمغادرة بشروط يمكن قبولها.