السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    وزير الرى: الانتهاء من مشروع قناطر ديروط 2026    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوله تعالى: «والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا»
نشر في الفجر يوم 26 - 03 - 2016

قوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم هذا ابتداء والخبر فتحرير رقبة وحذف " عليهم " لدلالة الكلام عليه ، أي : فعليهم تحرير رقبة . وقيل : أي : فكفارتهم عتق رقبة . والمجمع عليه عند العلماء في الظهار قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي . وهو قول المنكر والزور الذي عنى الله بقوله : وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فمن قال هذا القول حرم عليه وطء امرأته . فمن عاد لما قال لزمته كفارة الظهار ، لقوله عز وجل : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليها العود ، وهذا حرف مشكل اختلف الناس فيه على أقوال سبعة ، الأول : أنه العزم على الوطء ، وهو مشهور قول العراقيين أبي حنيفة وأصحابه . وروي عن مالك : فإن عزم على وطئها كان عودا ، وإن لم يعزم لم يكن عودا . الثاني : العزم على الإمساك بعد التظاهر منها ؛ قاله مالك . الثالث : العزم عليهما . وهو قول مالك في موطئه ، [ ص: 252 ] قال مالك في قول الله عز وجل : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إصابتها وإمساكها ، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة ، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه . قال مالك : وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة التظاهر . القول الرابع : أنه الوطء نفسه ، فإن لم يطأ لم يكن عودا ؛ قاله الحسن ومالك أيضا . الخامس : وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق ، لأنه لما ظاهر قصد التحريم ، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ابتدأه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه . وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة . السادس : أن الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة . ومعنى العود عند القائلين بهذا : أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها ؛ قاله أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد . السابع : هو تكرير الظهار بلفظه . وهذا قول أهل الظاهر النافين للقياس ، قالوا : إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العود ، وإن لم يكرر فليس بعود . ويسند ذلك إلى بكير بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة أيضا ، وهو قول الفراء . وقال أبو العالية : وظاهر الآية يشهد له ، لأنه قال : ثم يعودون لما قالوا أي : إلى قول ما قالوا . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " هو أن يقول لها : أنت علي كظهر أمي ، فإذا قال لها ذلك فليست تحل له حتى يكفر كفارة الظهار . قال ابن العربي : فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا ، لا يصح عن بكير ، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه . وقد رويت قصص المتظاهرين وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم ، وأيضا فإن المعنى ينقضه ؛ لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور ، فكيف يقال له : إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة ؟ ! وهذا لا يعقل ، ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم أو غيره .
قلت : قول يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه حمل منه عليه ، وقد قال بقول داود من ذكرناه عنهم ، وأما قول الشافعي : بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات ؛ الأول : أنه قال : ثم وهذا بظاهره يقتضي التراخي . الثاني : أن قوله تعالى : ثم يعودون يقتضي وجود فعل من جهة ، ومرور الزمان ليس بفعل منه . الثالث : أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء . فإن قيل : فإذا رآها كالأم لم يمسكها إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح . وهذه عمدة أهل ما وراء النهر . قلنا : إذا عزم على خلاف ما قال ، ورآها خلاف الأم كفر وعاد إلى أهله . وتحقيق هذا القول : أن العزم قول نفسي ، وهذا رجل [ ص: 253 ] قال قولا اقتضى التحليل ، وهو النكاح ، وقال قولا اقتضى التحريم ، وهو الظهار ، ثم عاد لما قال ، وهو التحليل ، ولا يصح أن يكون منه ابتداء عقد ، لأن العقد باق فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت علي كظهر أمي ، وإذا كان ذلك كفر وعاد إلى أهله ، لقوله : من قبل أن يتماسا . وهذا تفسير بالغ في فنه .
الثانية : قال بعض أهل التأويل : الآية فيها تقديم وتأخير ، والمعنى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون إلى ما كانوا عليه من الجماع فتحرير رقبة لما قالوا ، أي : فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا ، فالجار في قوله : لما قالوا متعلق بالمحذوف الذي هو خبر الابتداء وهو " عليهم " ، قال الأخفش . وقال الزجاج : المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا . وقيل : المعنى الذين كانوا يظهرون من نسائهم في الجاهلية ، ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الإسلام فكفارة من عاد أن يحرر رقبة . الفراء : اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء . وقال الأخفش : " لما قالوا " و " إلى ما قالوا " واحد ، و " اللام " و " إلى " يتعاقبان ، قال : الحمد لله الذي هدانا لهذا وقال فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقال بأن ربك أوحى لها وقال وأوحي إلى نوح .
الثالثة : قوله تعالى : فتحرير رقبة أي : فعليه إعتاق رقبة ، يقال : حررته أي : جعلته حرا . ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب ، من كمالها إسلامها عند مالك والشافعي كالرقبة في كفارة القتل . وعند أبي حنيفة وأصحابه تجزي الكافرة ومن فيها شائبة رق كالمكاتبة وغيرها .
الرابعة : فإن أعتق نصفي عبدين فلا يجزيه عندنا ولا عند أبي حنيفة . وقال الشافعي يجزئ ، لأن نصف العبدين في معنى العبد الواحد ، ولأن الكفارة بالعتق طريقها المال فجاز أن يدخلها التبعيض والتجزيء كالإطعام ، ودليلنا قوله تعالى : فتحرير رقبة وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد ، وبعض الرقبة ليس برقبة ، وليس ذلك مما يدخله التلفيق ، لأن العبادة المتعلقة بالرقبة لا يقوم النصف من رقبتين مقامها ، أصله إذا اشترك رجلان في أضحيتين ، ولأنه لو أمر رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحج عنه واحد منهما نصفها كذلك هذا ، ولأنه لو أوصى بأن تشترى رقبة فتعتق عنه لم يجز أن يعتق عنه نصف عبدين ، كذلك في مسألتنا وبهذا يبطل دليلهم . والإطعام وغيره لا يتجزى في الكفارة عندنا .
[ ص: 254 ] الخامسة : قوله تعالى : من قبل أن يتماسا أي : يجامعها فلا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير ، فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولا يسقط عنه التكفير . وحكي عن مجاهد : أنه إذا وطئ قبل أن يشرع في التكفير لزمته كفارة أخرى . وعن غيره : أن الكفارة الواجبة بالظهار تسقط عنه ولا يلزمه شيء أصلا ، لأن الله تعالى أوجب الكفارة وأمر بها قبل المسيس ، فإذا أخرها حتى مس فقد فات وقتها . والصحيح ثبوت الكفارة ، لأنه بوطئه ارتكب إثما فلم يكن ذلك مسقطا للكفارة ، ويأتي بها قضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها . وفي حديث أوس بن الصامت لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وطئ امرأته أمره بالكفارة . وهذا نص ، وسواء كانت كفارة بالعتق أو الصوم أو الإطعام . وقال أبو حنيفة : إن كانت كفارته بالإطعام جاز أن يطأ ثم يطعم ، فأما غير الوطء من القبلة والمباشرة والتلذذ فلا يحرم في قول أكثر العلماء . وقاله الحسن وسفيان ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي . وقيل : وكل ذلك محرم ، وكل معاني المسيس ، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي . وقد تقدم .
السادسة : قوله تعالى : ذلكم توعظون به أي : تؤمرون به والله بما تعملون خبير من التكفير وغيره .
السابعة : من لم يجد الرقبة ولا ثمنها ، أو كان مالكا لها إلا أنه شديد الحاجة إليها لخدمته ، أو كان مالكا لثمنها إلا أنه يحتاج إليه لنفقته ، أو كان له مسكن ليس له غيره ولا يجد شيئا سواه ، فله أن يصوم عند الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يصوم ، وعليه عتق ولو كان محتاجا إلى ذلك . وقال مالك : إذا كان له دار وخادم لزمه العتق ، فإن عجز عن الرقبة ، وهي :
الثامنة : فعليه صوم شهرين متتابعين فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما ، وإن أفطر لعذر من سفر أو مرض ، فقيل : يبني ؛ قاله ابن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي . وهو أحد قولي الشافعي وهو الصحيح من مذهبيه . وقال مالك : إنه إذا مرض في صيام كفارة الظهار بنى إذا صح . ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يبتدئ . وهو أحد قولي الشافعي .
التاسعة : إذا ابتدأ الصيام ثم وجد الرقبة أتم الصيام وأجزأه عند مالك والشافعي ؛ لأنه بذلك أمر حين دخل فيه . ويهدم الصوم ويعتق عند أبي حنيفة وأصحابه ، قياسا على الصغيرة المعتدة بالشهور ترى الدم قبل انقضائها ، فإنها تستأنف الحيض إجماعا من العلماء . وإذا ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر ، ابتدأ الصيام عند مالك والشافعي وأبي حنيفة ، لقوله : متتابعين . ويبني في قول الحسن البصري ، لأنه عذر وقياسا على رمضان ، فإن تخللها زمان لا يحل صومه في الكفارة - كالعيدين وشهر رمضان - انقطع .
[ ص: 255 ] العاشرة : إذا وطئ المتظاهر في خلال الشهرين نهارا ، بطل التتابع في قول الشافعي ، وليلا فلا يبطل ، لأنه ليس محلا للصوم . وقال مالك وأبو حنيفة : يبطل بكل حال ووجب عليه ابتداء الكفارة ، لقوله تعالى : من قبل أن يتماسا وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين ، وإلى أبعاضهما ، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به ، فلزمه استئنافه ، كما لو قال : صل قبل أن تكلم زيدا . فكلم زيدا في الصلاة ، أو قال : صل قبل أن تبصر زيدا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها ، لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك هذا ، والله أعلم .
الحادية عشرة : ومن تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر ، وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام . ولو كان مرضه مما يرجى برؤه ، واشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام . ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه .
الثانية عشرة : ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم . ومن تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام . وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر . ولو جامعها في عدمه وعسره ولم يصم حتى أيسر لزمه العتق . ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صدر صالح نحو الجمعة وشبهها تمادى . وإن كان اليوم واليومين ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه . ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ الماء عليه - وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة - أن يقطع ويبتدئ الطهارة عند مالك .
الثالثة عشرة : ولو أعتق رقبتين عن كفارتي ظهار أو قتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه . وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين . وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهر حتى يصوم عن كل واحدة منهما شهرين . وقد قيل : إن ذلك يجزيه . ولو ظاهر من امرأتين له فأعتق رقبة عن إحداهما بغير عينها لم يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر كفارة أخرى . ولو عين الكفارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفارة عن الأخرى . ولو ظاهر من أربع نسوة فأعتق عنهن ثلاث رقاب ، وصام شهرين ، لم يجزه العتق ولا الصيام ، لأنه إنما صام عن كل واحدة خمسة عشر يوما ، فإن كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتي مسكين ، وإن لم يقدر فرق ، بخلاف العتق والصيام ، لأن صيام الشهرين لا يفرق ، والإطعام يفرق .
[ ص: 256 ] فصل وفيه أربع مسائل :
الأولى : ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة ، فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة ، وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام ، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وإن أطعم مدا بمد هشام ، وهو مدان إلا ثلثا ، أو أطعم مدا ونصفا بمد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه . قال أبو عمر بن عبد البر : وأفضل ذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الله عز وجل لم يقل في كفارة الظهار من أوسط ما تطعمون فواجب قصد الشبع . قال ابن العربي : وقال مالك في رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم : مد بمد هشام وهو الشبع هاهنا ، لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط . وقال في رواية أشهب : مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم : قيل له : ألم تكن قلت : مد هشام ؟ قال : بلى ، مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي . وكذلك قال عنه ابن القاسم أيضا .
قلت : وهي رواية ابن وهب ومطرف عن مالك : أنه يعطي مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه . ومذهب الشافعي وغيره : مد واحد لكل مسكين لا يلزمه أكثر من ذلك ، لأنه يكفر بالإطعام ولم يلزمه صرف زيادة على المد ، أصله كفارة الإفطار واليمين . ودليلنا قوله تعالى : فإطعام ستين مسكينا وإطلاق الإطعام يتناول الشبع ، وذلك لا يحصل بالعادة بمد واحد إلا بزيادة عليه . وكذلك قال أشهب : قلت لمالك : أيختلف الشبع عندنا وعندكم ؟ قال : نعم ! الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والشبع عندكم أكثر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة دونكم ، فأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن . وقال أبو الحسن القابسي : إنما أخذ أهل المدينة بمد هشام في كفارة الظهار تغليظا على المتظاهرين الذين شهد الله عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا . قال ابن العربي : وقع الكلام هاهنا في مد هشام كما ترون ، ووددت أن يهشم الزمان ذكره ، ويمحو من الكتب رسمه ، فإن المدينة التي نزل الوحي بها ، واستقر الرسول بها ، ووقع عندهم الظهار ، وقيل لهم فيه : فإطعام ستين مسكينا - فهموه وعرفوا المراد به وأنه الشبع ، وقدره معروف عندهم متقرر لديهم ، وقد ورد ذلك الشبع في الأخبار كثيرا ، واستمرت الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين حتى نفخ الشيطان في أذن هشام ، فرأى أن مد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشبعه ، ولا مثله من حواشيه ونظرائه ، فسول له أن يتخذ مدا يكون فيه شبعه ، فجعله رطلين وحمل الناس عليه ، فإذا ابتل عاد نحو الثلاثة الأرطال ، فغير [ ص: 257 ] السنة ، وأذهب محل البركة . قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه لأهل المدينة بأن تبقى لهم البركة في مدهم وصاعهم ، مثل ما بارك لإبراهيم بمكة ، فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده ، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة ، وإذهاب هذه البركة ، فلم يستجب له في ذلك إلا هشام ، فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره ويمحوا رسمه إذا لم يغيروا أمره ، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام ، ويجعلوه تفسيرا لما ذكر الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم ، ولذلك كانت رواية أشهب في ذكر مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد هشام . ألا ترى كيف نبه مالك على هذا العلم بقوله لأشهب : الشبع عندنا بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، والشبع عندكم أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة . وبهذا أقول ؛ فإن العبادة إذا أديت بالسنة فإن كانت بالبدن كانت أسرع إلى القبول ، وإن كانت بالمال كان قليلها أثقل في الميزان ، وأبرك في يد الآخذ ، وأطيب في شدقه ، وأقل آفة في بطنه ، وأكثر إقامة لصلبه . والله أعلم .
الثانية : ولا يجزئ عند مالك والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكينا . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن أطعم مسكينا واحدا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه .
الثالثة : قال القاضي أبو بكر بن العربي : من غريب الأمر أن أبا حنيفة قال : إن الحجر على الحر باطل . واحتج بقوله تعالى : فتحرير رقبة ولم يفرق بين الرشيد والسفيه ، وهذا فقه ضعيف لا يناسب قدره ، فإن هذه الآية عامة ، وقد كان القضاء بالحجر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشيا والنظر يقتضيه ، ومن كان عليه حجر لصغر أو لولاية وبلغ سفيها قد نهي عن دفع المال إليه ، فكيف ينفذ فعله فيه والخاص يقضي على العام .
الرابعة : وحكم الظهار عند بعض العلماء ناسخ لما كانوا عليه من كون الظهار طلاقا ، وقد روي معنى ذلك عن ابن عباس وأبي قلابة وغيرهما .
الخامسة : قوله تعالى : ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : ذلك الذي وصفنا من التغليظ في الكفارة لتؤمنوا أي : لتصدقوا أن الله أمر به . وقد استدل بعض العلماء على أن هذه الكفارة إيمان بالله سبحانه وتعالى ، لما ذكرها وأوجبها قال : ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : ذلك لتكونوا مطيعين لله تعالى واقفين عند حدوده لا تتعدوها ، فسمى التكفير لأنه طاعة ومراعاة للحد - إيمانا ، فثبت أن كل ما أشبهه فهو إيمان . فإن قيل : معنى قوله : ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : لئلا تعودوا للظهار الذي هو منكر من القول وزور . وقيل له : قد يجوز أن يكون [ ص: 258 ] هذا مقصودا والأول مقصودا ، فيكون المعنى : ذلك لئلا تعودوا للقول المنكر والزور ، بل تدعونهما طاعة لله سبحانه وتعالى إذ كان قد حرمهما ، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا ، إذ كان الله منع من مسيسها ، وتكفروا إذ كان الله تعالى أمر بالكفارة ، وألزم إخراجها منكم ، فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله ، لأنها حدود تحفظونها ، وطاعات تودونها والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إيمان . وبالله التوفيق .
السادسة : قوله تعالى : وتلك حدود الله أي : بين معصيته وطاعته ؛ فمعصيته الظهار وطاعته الكفارة .
وللكافرين عذاب أليم أي : لمن لم يصدق بأحكام الله تعالى عذاب جهنم .
قوله تعالى: «والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا»

قوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم هذا ابتداء والخبر فتحرير رقبة وحذف " عليهم " لدلالة الكلام عليه ، أي : فعليهم تحرير رقبة . وقيل : أي : فكفارتهم عتق رقبة . والمجمع عليه عند العلماء في الظهار قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي . وهو قول المنكر والزور الذي عنى الله بقوله : وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فمن قال هذا القول حرم عليه وطء امرأته . فمن عاد لما قال لزمته كفارة الظهار ، لقوله عز وجل : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليها العود ، وهذا حرف مشكل اختلف الناس فيه على أقوال سبعة ، الأول : أنه العزم على الوطء ، وهو مشهور قول العراقيين أبي حنيفة وأصحابه . وروي عن مالك : فإن عزم على وطئها كان عودا ، وإن لم يعزم لم يكن عودا . الثاني : العزم على الإمساك بعد التظاهر منها ؛ قاله مالك . الثالث : العزم عليهما . وهو قول مالك في موطئه ، [ ص: 252 ] قال مالك في قول الله عز وجل : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إصابتها وإمساكها ، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة ، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه . قال مالك : وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة التظاهر . القول الرابع : أنه الوطء نفسه ، فإن لم يطأ لم يكن عودا ؛ قاله الحسن ومالك أيضا . الخامس : وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق ، لأنه لما ظاهر قصد التحريم ، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ابتدأه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه . وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة . السادس : أن الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة . ومعنى العود عند القائلين بهذا : أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها ؛ قاله أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد . السابع : هو تكرير الظهار بلفظه . وهذا قول أهل الظاهر النافين للقياس ، قالوا : إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العود ، وإن لم يكرر فليس بعود . ويسند ذلك إلى بكير بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة أيضا ، وهو قول الفراء . وقال أبو العالية : وظاهر الآية يشهد له ، لأنه قال : ثم يعودون لما قالوا أي : إلى قول ما قالوا . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " هو أن يقول لها : أنت علي كظهر أمي ، فإذا قال لها ذلك فليست تحل له حتى يكفر كفارة الظهار . قال ابن العربي : فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا ، لا يصح عن بكير ، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه . وقد رويت قصص المتظاهرين وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم ، وأيضا فإن المعنى ينقضه ؛ لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور ، فكيف يقال له : إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة ؟ ! وهذا لا يعقل ، ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم أو غيره .
قلت : قول يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه حمل منه عليه ، وقد قال بقول داود من ذكرناه عنهم ، وأما قول الشافعي : بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات ؛ الأول : أنه قال : ثم وهذا بظاهره يقتضي التراخي . الثاني : أن قوله تعالى : ثم يعودون يقتضي وجود فعل من جهة ، ومرور الزمان ليس بفعل منه . الثالث : أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء . فإن قيل : فإذا رآها كالأم لم يمسكها إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح . وهذه عمدة أهل ما وراء النهر . قلنا : إذا عزم على خلاف ما قال ، ورآها خلاف الأم كفر وعاد إلى أهله . وتحقيق هذا القول : أن العزم قول نفسي ، وهذا رجل [ ص: 253 ] قال قولا اقتضى التحليل ، وهو النكاح ، وقال قولا اقتضى التحريم ، وهو الظهار ، ثم عاد لما قال ، وهو التحليل ، ولا يصح أن يكون منه ابتداء عقد ، لأن العقد باق فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت علي كظهر أمي ، وإذا كان ذلك كفر وعاد إلى أهله ، لقوله : من قبل أن يتماسا . وهذا تفسير بالغ في فنه .
الثانية : قال بعض أهل التأويل : الآية فيها تقديم وتأخير ، والمعنى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون إلى ما كانوا عليه من الجماع فتحرير رقبة لما قالوا ، أي : فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا ، فالجار في قوله : لما قالوا متعلق بالمحذوف الذي هو خبر الابتداء وهو " عليهم " ، قال الأخفش . وقال الزجاج : المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا . وقيل : المعنى الذين كانوا يظهرون من نسائهم في الجاهلية ، ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الإسلام فكفارة من عاد أن يحرر رقبة . الفراء : اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء . وقال الأخفش : " لما قالوا " و " إلى ما قالوا " واحد ، و " اللام " و " إلى " يتعاقبان ، قال : الحمد لله الذي هدانا لهذا وقال فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقال بأن ربك أوحى لها وقال وأوحي إلى نوح .
الثالثة : قوله تعالى : فتحرير رقبة أي : فعليه إعتاق رقبة ، يقال : حررته أي : جعلته حرا . ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب ، من كمالها إسلامها عند مالك والشافعي كالرقبة في كفارة القتل . وعند أبي حنيفة وأصحابه تجزي الكافرة ومن فيها شائبة رق كالمكاتبة وغيرها .
الرابعة : فإن أعتق نصفي عبدين فلا يجزيه عندنا ولا عند أبي حنيفة . وقال الشافعي يجزئ ، لأن نصف العبدين في معنى العبد الواحد ، ولأن الكفارة بالعتق طريقها المال فجاز أن يدخلها التبعيض والتجزيء كالإطعام ، ودليلنا قوله تعالى : فتحرير رقبة وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد ، وبعض الرقبة ليس برقبة ، وليس ذلك مما يدخله التلفيق ، لأن العبادة المتعلقة بالرقبة لا يقوم النصف من رقبتين مقامها ، أصله إذا اشترك رجلان في أضحيتين ، ولأنه لو أمر رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحج عنه واحد منهما نصفها كذلك هذا ، ولأنه لو أوصى بأن تشترى رقبة فتعتق عنه لم يجز أن يعتق عنه نصف عبدين ، كذلك في مسألتنا وبهذا يبطل دليلهم . والإطعام وغيره لا يتجزى في الكفارة عندنا .
[ ص: 254 ] الخامسة : قوله تعالى : من قبل أن يتماسا أي : يجامعها فلا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير ، فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولا يسقط عنه التكفير . وحكي عن مجاهد : أنه إذا وطئ قبل أن يشرع في التكفير لزمته كفارة أخرى . وعن غيره : أن الكفارة الواجبة بالظهار تسقط عنه ولا يلزمه شيء أصلا ، لأن الله تعالى أوجب الكفارة وأمر بها قبل المسيس ، فإذا أخرها حتى مس فقد فات وقتها . والصحيح ثبوت الكفارة ، لأنه بوطئه ارتكب إثما فلم يكن ذلك مسقطا للكفارة ، ويأتي بها قضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها . وفي حديث أوس بن الصامت لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وطئ امرأته أمره بالكفارة . وهذا نص ، وسواء كانت كفارة بالعتق أو الصوم أو الإطعام . وقال أبو حنيفة : إن كانت كفارته بالإطعام جاز أن يطأ ثم يطعم ، فأما غير الوطء من القبلة والمباشرة والتلذذ فلا يحرم في قول أكثر العلماء . وقاله الحسن وسفيان ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي . وقيل : وكل ذلك محرم ، وكل معاني المسيس ، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي . وقد تقدم .
السادسة : قوله تعالى : ذلكم توعظون به أي : تؤمرون به والله بما تعملون خبير من التكفير وغيره .
السابعة : من لم يجد الرقبة ولا ثمنها ، أو كان مالكا لها إلا أنه شديد الحاجة إليها لخدمته ، أو كان مالكا لثمنها إلا أنه يحتاج إليه لنفقته ، أو كان له مسكن ليس له غيره ولا يجد شيئا سواه ، فله أن يصوم عند الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يصوم ، وعليه عتق ولو كان محتاجا إلى ذلك . وقال مالك : إذا كان له دار وخادم لزمه العتق ، فإن عجز عن الرقبة ، وهي :
الثامنة : فعليه صوم شهرين متتابعين فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما ، وإن أفطر لعذر من سفر أو مرض ، فقيل : يبني ؛ قاله ابن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي . وهو أحد قولي الشافعي وهو الصحيح من مذهبيه . وقال مالك : إنه إذا مرض في صيام كفارة الظهار بنى إذا صح . ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يبتدئ . وهو أحد قولي الشافعي .
التاسعة : إذا ابتدأ الصيام ثم وجد الرقبة أتم الصيام وأجزأه عند مالك والشافعي ؛ لأنه بذلك أمر حين دخل فيه . ويهدم الصوم ويعتق عند أبي حنيفة وأصحابه ، قياسا على الصغيرة المعتدة بالشهور ترى الدم قبل انقضائها ، فإنها تستأنف الحيض إجماعا من العلماء . وإذا ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر ، ابتدأ الصيام عند مالك والشافعي وأبي حنيفة ، لقوله : متتابعين . ويبني في قول الحسن البصري ، لأنه عذر وقياسا على رمضان ، فإن تخللها زمان لا يحل صومه في الكفارة - كالعيدين وشهر رمضان - انقطع .
[ ص: 255 ] العاشرة : إذا وطئ المتظاهر في خلال الشهرين نهارا ، بطل التتابع في قول الشافعي ، وليلا فلا يبطل ، لأنه ليس محلا للصوم . وقال مالك وأبو حنيفة : يبطل بكل حال ووجب عليه ابتداء الكفارة ، لقوله تعالى : من قبل أن يتماسا وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين ، وإلى أبعاضهما ، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به ، فلزمه استئنافه ، كما لو قال : صل قبل أن تكلم زيدا . فكلم زيدا في الصلاة ، أو قال : صل قبل أن تبصر زيدا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها ، لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك هذا ، والله أعلم .
الحادية عشرة : ومن تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر ، وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام . ولو كان مرضه مما يرجى برؤه ، واشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام . ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه .
الثانية عشرة : ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم . ومن تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام . وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر . ولو جامعها في عدمه وعسره ولم يصم حتى أيسر لزمه العتق . ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صدر صالح نحو الجمعة وشبهها تمادى . وإن كان اليوم واليومين ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه . ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ الماء عليه - وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة - أن يقطع ويبتدئ الطهارة عند مالك .
الثالثة عشرة : ولو أعتق رقبتين عن كفارتي ظهار أو قتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه . وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين . وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهر حتى يصوم عن كل واحدة منهما شهرين . وقد قيل : إن ذلك يجزيه . ولو ظاهر من امرأتين له فأعتق رقبة عن إحداهما بغير عينها لم يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر كفارة أخرى . ولو عين الكفارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفارة عن الأخرى . ولو ظاهر من أربع نسوة فأعتق عنهن ثلاث رقاب ، وصام شهرين ، لم يجزه العتق ولا الصيام ، لأنه إنما صام عن كل واحدة خمسة عشر يوما ، فإن كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتي مسكين ، وإن لم يقدر فرق ، بخلاف العتق والصيام ، لأن صيام الشهرين لا يفرق ، والإطعام يفرق .
[ ص: 256 ] فصل وفيه أربع مسائل :
الأولى : ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة ، فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة ، وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام ، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وإن أطعم مدا بمد هشام ، وهو مدان إلا ثلثا ، أو أطعم مدا ونصفا بمد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه . قال أبو عمر بن عبد البر : وأفضل ذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الله عز وجل لم يقل في كفارة الظهار من أوسط ما تطعمون فواجب قصد الشبع . قال ابن العربي : وقال مالك في رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم : مد بمد هشام وهو الشبع هاهنا ، لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط . وقال في رواية أشهب : مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم : قيل له : ألم تكن قلت : مد هشام ؟ قال : بلى ، مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي . وكذلك قال عنه ابن القاسم أيضا .
قلت : وهي رواية ابن وهب ومطرف عن مالك : أنه يعطي مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه . ومذهب الشافعي وغيره : مد واحد لكل مسكين لا يلزمه أكثر من ذلك ، لأنه يكفر بالإطعام ولم يلزمه صرف زيادة على المد ، أصله كفارة الإفطار واليمين . ودليلنا قوله تعالى : فإطعام ستين مسكينا وإطلاق الإطعام يتناول الشبع ، وذلك لا يحصل بالعادة بمد واحد إلا بزيادة عليه . وكذلك قال أشهب : قلت لمالك : أيختلف الشبع عندنا وعندكم ؟ قال : نعم ! الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والشبع عندكم أكثر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة دونكم ، فأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن . وقال أبو الحسن القابسي : إنما أخذ أهل المدينة بمد هشام في كفارة الظهار تغليظا على المتظاهرين الذين شهد الله عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا . قال ابن العربي : وقع الكلام هاهنا في مد هشام كما ترون ، ووددت أن يهشم الزمان ذكره ، ويمحو من الكتب رسمه ، فإن المدينة التي نزل الوحي بها ، واستقر الرسول بها ، ووقع عندهم الظهار ، وقيل لهم فيه : فإطعام ستين مسكينا - فهموه وعرفوا المراد به وأنه الشبع ، وقدره معروف عندهم متقرر لديهم ، وقد ورد ذلك الشبع في الأخبار كثيرا ، واستمرت الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين حتى نفخ الشيطان في أذن هشام ، فرأى أن مد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشبعه ، ولا مثله من حواشيه ونظرائه ، فسول له أن يتخذ مدا يكون فيه شبعه ، فجعله رطلين وحمل الناس عليه ، فإذا ابتل عاد نحو الثلاثة الأرطال ، فغير [ ص: 257 ] السنة ، وأذهب محل البركة . قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه لأهل المدينة بأن تبقى لهم البركة في مدهم وصاعهم ، مثل ما بارك لإبراهيم بمكة ، فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده ، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة ، وإذهاب هذه البركة ، فلم يستجب له في ذلك إلا هشام ، فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره ويمحوا رسمه إذا لم يغيروا أمره ، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام ، ويجعلوه تفسيرا لما ذكر الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم ، ولذلك كانت رواية أشهب في ذكر مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد هشام . ألا ترى كيف نبه مالك على هذا العلم بقوله لأشهب : الشبع عندنا بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، والشبع عندكم أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة . وبهذا أقول ؛ فإن العبادة إذا أديت بالسنة فإن كانت بالبدن كانت أسرع إلى القبول ، وإن كانت بالمال كان قليلها أثقل في الميزان ، وأبرك في يد الآخذ ، وأطيب في شدقه ، وأقل آفة في بطنه ، وأكثر إقامة لصلبه . والله أعلم .
الثانية : ولا يجزئ عند مالك والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكينا . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن أطعم مسكينا واحدا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه .
الثالثة : قال القاضي أبو بكر بن العربي : من غريب الأمر أن أبا حنيفة قال : إن الحجر على الحر باطل . واحتج بقوله تعالى : فتحرير رقبة ولم يفرق بين الرشيد والسفيه ، وهذا فقه ضعيف لا يناسب قدره ، فإن هذه الآية عامة ، وقد كان القضاء بالحجر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشيا والنظر يقتضيه ، ومن كان عليه حجر لصغر أو لولاية وبلغ سفيها قد نهي عن دفع المال إليه ، فكيف ينفذ فعله فيه والخاص يقضي على العام .
الرابعة : وحكم الظهار عند بعض العلماء ناسخ لما كانوا عليه من كون الظهار طلاقا ، وقد روي معنى ذلك عن ابن عباس وأبي قلابة وغيرهما .
الخامسة : قوله تعالى : ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : ذلك الذي وصفنا من التغليظ في الكفارة لتؤمنوا أي : لتصدقوا أن الله أمر به . وقد استدل بعض العلماء على أن هذه الكفارة إيمان بالله سبحانه وتعالى ، لما ذكرها وأوجبها قال : ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : ذلك لتكونوا مطيعين لله تعالى واقفين عند حدوده لا تتعدوها ، فسمى التكفير لأنه طاعة ومراعاة للحد - إيمانا ، فثبت أن كل ما أشبهه فهو إيمان . فإن قيل : معنى قوله : ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : لئلا تعودوا للظهار الذي هو منكر من القول وزور . وقيل له : قد يجوز أن يكون [ ص: 258 ] هذا مقصودا والأول مقصودا ، فيكون المعنى : ذلك لئلا تعودوا للقول المنكر والزور ، بل تدعونهما طاعة لله سبحانه وتعالى إذ كان قد حرمهما ، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا ، إذ كان الله منع من مسيسها ، وتكفروا إذ كان الله تعالى أمر بالكفارة ، وألزم إخراجها منكم ، فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله ، لأنها حدود تحفظونها ، وطاعات تودونها والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إيمان . وبالله التوفيق .
السادسة : قوله تعالى : وتلك حدود الله أي : بين معصيته وطاعته ؛ فمعصيته الظهار وطاعته الكفارة .
وللكافرين عذاب أليم أي : لمن لم يصدق بأحكام الله تعالى عذاب جهنم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.