نستكمل ما بدأناه في العدد الماضي حول "فقه الصيام" فنقول: 11- يفسد الصّوم بالحيض والنفاس إجماعًا وعليهما القضاء فقط. 12- يفسد الصّوم بنيّة الفطر عند الأئمة الثلاثة وهو ظاهر مذهب أحمد» لأنّه عبادة ومن شرطها النّيّة. فيفسد بنيّة الخروج منه كالصلاة. فإن عاد في نيّته ونوي الصّيام قبل الزوال أجزأه عند الحنفيين. ولا يجزئ عند مَن يشترط تبييت النّيّة في رمضان وعليه الإمساك بقية اليوم والقضاء بعد رمضان. تأخير القضاء قضاء رمضان واجب علي التراخي عند الجمهور. لإطلاق الآية ولقول عَائِشَةَ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَمَا تَقْدِرُ عَلَي أَنْ تَقْضِيَهُ حَتَّي يَأْتِيَ شَعْبَانُ "أخرجه مسلم". ويتّضح من قول عائشة أنّ التأخير كان لعذر عدم القدرة. ومع ذلك أجاز الجمهور التأخير لغير عذر إلاّ إذا لم يبق علي رمضان سوي ما يكفي القضاء. فإن أخّره حتّي دخل رمضان الثّاني فإن كان لعذر صام رمضان الحاضر ثم يقضي الأوّل ولا فدية عليه عند الجمهور. وإن أخّر لغير عذر كان عليه القضاء والفدية عن كُلّ يوم مدًّا من طعام مع القضاء عند مالك والشّافعي وأحمد وإسحاق. وقال الحنفيون: لا يلزمه إلاّ القضاء. وهذا هو الراجح إذ لم يثبت في لزوم الفدية شيء عن النّبيّ . وكُلّ ما ورد في ذلك آثار لا حُجّة فيها. ب- ما يوجب القضاء والكفارة 1- الوطء في نهار رمضان. والكفارة هي عتق رقبة. فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ليس فيهما رمضان ولا يوم منهي عن صيامه. فإن لم يستطع الصّيام أعطي ستين مسكينًا ما يطعمهم أكلتين مشبعتين أو قيمة ذلك عند الحنفيين. وقال أحمد يعطي كُلّ مسكين مدًّا من قمح أو نصف صاع من تمر. ولا يجزئ عند مالك والشّافعي أن يغدي المساكين ويعشيهم» لأنّ في الإطعام بهذه الطريقة لا يعرف أنّ كُلّ مسكين قد استوفي ما يجب له. وقال الحنفيون: لو أطعم مسكينًا واحدًا ستين يومًا كفاه. أمّا الجمهور فمنعوا ذلك وهو الراجح. وهذه الكفارة تلزم بالجماع في نهار رمضان لانتهاك حرمته. وتجب علي الفاعل والمفعول به عند الحنفيين ومالك وهو رواية عن أحمد. وقال الشّافعي: هي علي الفاعل فقط وإن أُكرهت المرأة علي الجماع فلا كفارة عليها إجماعًا وعليها القضاء عند الحنفيين. وقال مالك: كفارتها علي زوجها. ولا تغني الكفارة عن القضاء. فإن عجز عن العتق والصّيام والإطعام كانت الكفّارة دينًا عليه فمتي ما ملك يومًا كفّر. وهذا رأي الجمهور. وظاهر مذهب أحمد. وفي قول للشّافعي أنّها تسقط بالإعسار. هذا إذا كان الجماع عمدًا. وأمّا مَن جامع ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة عند الحنفيين والشّافعي. وقال مالك: عليه القضاء. وقال أحمد: عليه القضاء والكفارة. ومَن وطئ في نهار رمضان عامدًا وكفّر ثم وطئ في يوم آخر فعليه كفارة أخري. وإن لم يكفر عن اليوم الأوّل فعليه كفارة واحدة عند الحنفيين وهو رواية عن أحمد. وقال مالك والشّافعي والليث: عليه كفارتان» لأنّ كُلّ يوم عبادة مستقلّة وهو الرواية الأخري لأحمد. وإن جامع في اليوم الواحد مرتين ولم يكفّر عن الأولي فعليه كفارة واحدة إجماعًا. وإن كفّر عن الأوّل فلا كفارة ثانية عند الثلاثة. وقال أحمد عليه كفارة ثانية. وجملة القول في هذا عند مالك أنّ الكفارة تتعدّد بتعدّد الأيّام ولا تتعدّد بتعدّد المفطر. سواء كفّر عن الأوّل أم لا لبطلان صيامه في ذلك اليوم بالمفطر الأوّل. أمّا بالنسبة للمفعول بها فتتعدّد فإذا جامع امرأتين أو أكثر في يوم واحد تعدّدت عليه الكفارة بتعدّد المكفّر عنه. والكفّارة عن الجماع مرتّبة: فالعتق أولاً. فإن عجز فالصيام. فإن عجز فالإطعام. هذا قول الحنفيين والشّافعي ومشهور مذهب أحمد. وقالت المالكيّة: الكفارة واجبة علي التخيير وهو رواية عن أحمد لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبيّ صلي الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً. أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. أخرجه مالك وأحمد ومسلم. وردّ الجمهور بأنّ حرف العطف هنا وهو أو ليس مفيدًا للتخيير بل هو للتقسيم اعتمادًا علي الأحاديث الأخري.