حيثيات «الإدارية العليا» لإلغاء الانتخابات بدائرة الدقي    وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض    تعرف على مشروع تطوير منظومة الصرف الصحي بمدينة دهب بتكلفة 400 مليون جنيه    نائب محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة يتابعان تنفيذ الخطة الاستثمارية وملف تقنين أراضي الدولة    إما الاستسلام أو الاعتقال.. حماس تكشف سبب رفضها لمقترحات الاحتلال حول التعامل مع عناصر المقاومة في أنفاق رفح    الجامعة العربية تحتفى باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى    شبكة بي بي سي: هل بدأ ليفربول حياة جديدة بدون محمد صلاح؟    إبراهيم حسن يكشف برنامج إعداد منتخب مصر لأمم أفريقيا 2025    وادى دجلة يواجه الطلائع ومودرن سبورت وديا خلال التوقف الدولى    الأهلي أمام اختبار صعب.. تفاصيل مصير أليو ديانج قبل الانتقالات الشتوية    أحمد موسى: حماية الطفل المصري يحمي مستقبل مصر    حكم قضائي يلزم محافظة الجيزة بالموافقة على استكمال مشروع سكني بالدقي    خطوات تسجيل البيانات في استمارة الصف الثالث الإعدادي والأوراق المطلوبة    الثقافة تُكرم خالد جلال في احتفالية بالمسرح القومي بحضور نجوم الفن.. الأربعاء    مبادرة تستحق الاهتمام    مدير وحدة الدراسات بالمتحدة: إلغاء انتخابات النواب في 30 دائرة سابقة تاريخية    انطلاق فعاليات «المواجهة والتجوال» في الشرقية وكفر الشيخ والغربية غدًا    جامعة دمنهور تطلق مبادرة "جيل بلا تبغ" لتعزيز الوعي الصحي ومكافحة التدخين    أسباب زيادة دهون البطن أسرع من باقى الجسم    مصطفى محمد بديلا في تشكيل نانت لمواجهة ليون في الدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يبحث مع "أنجلوجولد أشانتي" خطط زيادة إنتاج منجم السكري ودعم قطاع الذهب    هل تجوز الصدقة على الأقارب غير المقتدرين؟.. أمين الفتوى يجيب    "وزير الصحة" يرفض بشكل قاطع فرض رسوم كشف على مرضى نفقة الدولة والتأمين بمستشفى جوستاف روسي مصر    محافظ جنوب سيناء يشيد بنجاح بطولة أفريقيا المفتوحة للبليارد الصيني    أمينة الفتوى: الوظيفة التي تشترط خلع الحجاب ليست باب رزق    وزير العدل يعتمد حركة ترقيات كُبرى    «بيت جن» المقاومة عنوان الوطنية    بعد تجارب التشغيل التجريبي.. موعد تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية    عبد المعز: الإيمان الحقّ حين يتحوّل من أُمنيات إلى أفعال    استعدادًا لمواجهة أخرى مع إسرائيل.. إيران تتجه لشراء مقاتلات وصواريخ متطورة    دور الجامعات في القضاء على العنف الرقمي.. ندوة بكلية علوم الرياضة بالمنصورة    الإحصاء: 3.1% زيادة في عدد حالات الطلاق عام 2024    الصحة العالمية: تطعيم الأنفلونزا يمنع شدة المرض ودخول المستشفى    الرئيس السيسي يوجه بالعمل على زيادة الاستثمارات الخاصة لدفع النمو والتنمية    وزير التعليم يفاجئ مدارس دمياط ويشيد بانضباطها    من أول يناير 2026.. رفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني | إنفوجراف    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الباكستاني    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المناطق المحيطة بهضبة الأهرامات    إعلان الكشوف الأولية لمرشحي نقابة المحامين بشمال القليوبية    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا.. 80 يومًا تفصلنا عن أول أيامه    وزير الثقافة يهنئ الكاتبة سلوى بكر لحصولها على جائزة البريكس الأدبية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جودة التعليم لاعتماد المعهد القومي للأورام    الإسماعيلية تستضيف بطولة الرماية للجامعات    وزير الإسكان يتابع تجهيزات واستعدادات فصل الشتاء والتعامل مع الأمطار بالمدن الجديدة    دانيلو: عمتي توفت ليلة نهائي كوبا ليبرتادوريس.. وكنت ألعب بمساعدة من الله    ضبط 846 مخالفة مرورية بأسوان خلال حملات أسبوع    تيسير للمواطنين كبار السن والمرضى.. الجوازات والهجرة تسرع إنهاء الإجراءات    مصطفى غريب: كنت بسرق القصب وابن الأبلة شهرتى فى المدرسة    شرارة الحرب فى الكاريبى.. أمريكا اللاتينية بين مطرقة واشنطن وسندان فنزويلا    صندوق التنمية الحضرية : جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية    وزير الخارجية يلتقي أعضاء الجالية المصرية بإسلام آباد    صراع الصدارة يشتعل.. روما يختبر قوته أمام نابولي بالدوري الإيطالي    إطلاق قافلة زاد العزة ال83 إلى غزة بنحو 10 آلاف و500 طن مساعدات إنسانية    اتحاد الأطباء العرب يكشف تفاصيل دعم الأطفال ذوي الإعاقة    تعليم القاهرة تعلن خطة شاملة لحماية الطلاب من فيروسات الشتاء.. وتشدد على إجراءات وقائية صارمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 30نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا.... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك « ميدوزا - 14»    مركز المناخ يعلن بدء الشتاء.. الليلة الماضية تسجل أدنى حرارة منذ الموسم الماضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوم يوم عرفة
نشر في الفجر يوم 21 - 09 - 2015

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وعظيم فضلك يا أكرم الأكرمين.. أما بعد:
فإننا سوف نستقبل بعد أيام قلائل، يومًا عظيمًا من أيام الله تعالى، يومًا مشهودًا، ألا وهو يوم عرفة، وبعده سيقدم يوم عيد الأضحى المبارك، وهو يوم الحج الأكبر، ويوم النحر، ولكلٍّ من اليومين أحكام تخصه، ولعلنا نتطرق إلى بعض تلك الأحكام المهمة التي تهم المسلم، ويريد تحريها، ومعرفة أحكامها، حتى تكون عبادته لربه تبارك وتعالى على بصيرة وهدى ونور، وأعظم ما فيهما من أحكام، الأحكام التي تتعلق بالصيام.
فأقول بادئ ذي بدء: للصيام فوائد ومزايا كثيرة، ينبغي للمسلم تتبعها وتقصيها، حتى يعمل بها؛ ففي صيام التطوع من الفضيلة ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184]، وقوله جل شأنه: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. فكل إنسان يحتاج إلى فعل الخير والعمل الصالح تقربًا إلى الله وتعبدًا له وزيادة في الأجر والثواب، فعطاء الله لا ممسك له، وثوابه لا حدود له، فعلى المسلم أن يكثر من فعل الخير والعمل الصالح يرجو بذلك أحد أمرين:
الأول: التقرب إلى الله بفعل الخير:
فصيام التطوع من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى، وهو من أجلها على الإطلاق كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الصيام أفضل ما تطوع به؛ لأنه لا يدخله الرياء، والرياء كما تعلمون محبط للأعمال مدخل للنيران والعياذ بالله! فالعبد مأمور بالإخلاص؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]. وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]. وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 18، 19]..
وقال جل وعلا: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} [هود: 15، 16]. وقال صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا خير الشركاء، من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".
فانظر هل سينفعك ذلك الإنسان إذا وضعت في قبرك ويوم محشرك. ولهذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
فعمومًا فصوم النافلة له مزايا عديدة من أعظمها أنه يباعد وجه صاحبه عن النار، ويحجبه منها ويحاج صومه عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفًا".
وكثرة الصوم دليل على محبة الله للعبد، ويا لها من منزلة عالية ومكانة رفيعة يحظى بها العبد عند ربه! فما أن يكثر من الصيام إلا ويحبه ربه، ومن أحبه ربه وضع له القبول في الأرض وفي السماء، قال صلى الله عليه وسلم: "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه". والفضائل كثيرة ونكتفي بما ذكرنا؛ لأن المقام ليس مقام ذكر لفضائل ومزايا الصيام، وإنما هو لغرض آخر.
الثاني: جبر الخلل الحاصل في العبادة:
فالإنسان لا يخلو من خطأ ونقص ومعصية، فكانت النوافل تكمل الناقص من الفرائض، ومن ذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل.
فكل ابن آدم خطَّاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة".
فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها الصوم المستحب، مثل صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع, ومن ذلك:
صوم يوم عرفةفضل صوم يوم عرفة:
وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات.
ماذا يكفر صوم يوم عرفة؟
فعمومًا لا ينبغي صيام يوم عرفة للحاج، أما غير الحاج فيستحب له صيامه لما فيه من الأجر العظيم وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده. والمقصود بذلك التكفير، تكفير الصغائر دون الكبائر، وتكفير الصغائر مشروطًا بترك الكبائر، قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر".
صوم يوم عرفة للحاج:
فيستحب صيام يوم عرفه لغير الحاج، أما الحاج فعليه أن يتفرغ للعبادة والدعاء ولا ينشغل فكره وقلبه بالطعام والشراب وتجهيز ذلك، فيأخذ منه جُل الوقت. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة".
وأيضًا مثله عند الطبراني في الأوسط من حديث عائشة -رضي الله عنها- قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات"، ويعضدهما حديث: "إن الناس شكوا في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسل إليه بقدح من لبن، فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون".
فعندما شك الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة جاءه قدح لبن فشربه؛ حتى يرى الناس أنه لم يصم. وقال بعض العلماء: إن صيام يوم عرفة للحاج محرم؛ لأن النهي في الحدث السابق للتحريم، وكره صيامه آخرين. قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة.
وقال المنذري: اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة، قال ابن عمر: لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأنا لا أصومه. ولفظه عند عبد الرزاق: "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصم يوم عرفة، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه، وحججت مع عمر فلم يصمه، وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه".
وقال عطاء: من أفطر يوم عرفة ليتقوى به على الدعاء، كان له مثل أجر الصائم.
وقال الساعاتي في الفتح الرباني: وممن ذهب إلى استحباب الفطر لمن بعرفة الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري والجمهور، وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وقال: هو أعدل الأقوال عندي.
صوم التطوع لمن عليه قضاء:
اختلف الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان؛ فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور، قال ابن عابدين: ولو كان الوجوب على الفور لكره؛ لأنه يكون تأخيرًا للواجب عن وقته الضيق.
وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب، قال الدسوقى: يكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب، كالمنذور والقضاء والكفارة، سواء كان صوم التطوع الذي قدمه على الصوم الواجب غير مؤكد، أو كان مؤكدًا، كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح.
وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتسع الوقت للقضاء، ولا بد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض أيضًا؛ لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله وسلم قال: "من صام تطوعًا وعليه من رمضان شيء لم يقضه، فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه"، وقياسًا على الحج في عدم جواز أن يحج عن غيره أو تطوعًا قبل حج الفريضة.
وهذا سؤال ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
هل يجوز للشخص أن يشرك النية في عمل واحد أو لعمل واحد، فمثلاً يكون عليه قضاء يوم من شهر رمضان وجاء عليه يوم وقفة عرفة، فهل يجوز أن ينوي صيام القضاء والنافلة في هذا اليوم وتكون نيته أداء القضاء ونية أخرى للنافلة؟
الجواب: لا حرج أن يصوم يوم عرفة عن القضاء ويجزئه عن القضاء، ولكن لا يحصل له مع ذلك فضل صوم عرفة؛ لعدم الدليل على ذلك. لكن الأفضل للإنسان أن يقضي ما عليه من الصوم في غير يوم عرفة؛ ليجمع بين فضيلتين، فضيلة القضاء، وفضيلة صوم يوم عرفة.
فأقول: من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من رمضان فصيامه صحيح، والمشروع له ألا يؤخر القضاء؛ لأنه لا يدري ما يعرض له من نوائب الدهر، فنفس الإنسان بيد الله لا يدري متى يأتيه أجله المحتوم. فليبادر بالقضاء قبل التطوع؛ لأن القضاء حق لله تعالى، لا تبرأ به ذمة المسلم، فالأحوط له أن يبادر بالقضاء ثم يتطوع بعد ذلك بما شاء، قال صلى الله عليه وسلم: "اقضوا الله فالله أحق بالوفاء".
وقال عليه الصلاة والسلام: "فدين الله أحق بالقضاء".
يوم عرفة ويوم الجمعة:
إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء يوم جمعة جاز إفراده بالصوم، والنهي الوارد عن إفراد صوم يوم الجمعة بدون سبب ولكونه يوم جمعة، أي تعظيمًا له أو ما شابه ذلك. أما من صامه لأمر آخر رغَّب فيه الشرع وحث عليه فليس بممنوع، بل مشروع ولو أفرده بالصوم، ولو صام يومًا قبله بالنسبة ليوم عرفة كان أفضل؛ عملاً بالحديثين السابقين. أما صيام يوم بعده فلا يمكن؛ لأن اليوم الذي بعده يوم عيد النحر، وهو محرم صيامه لجميع المسلمين، حجاجًا كانوا أم غير حجاج؛ لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم النحر".
وروى أبو عبيد مولى ابن الأزهر قال: "شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب الناس، فقال: إن هذين يومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم".
والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه.
وقد أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين، نقل الإجماع عنهم ابن حزم فقال: "وأجمعوا أن صيام يوم الفطر، ويوم النحر لا يجوز".
وقال ابن هبيرة: "وأجمعوا على أن يوم العيدين حرام صومهما، وأنهما لا يجزئان إن صامهما لا عن فرض ولا نذر ولا قضاء ولا كفارة ولا تطوع".
وقال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق، والقضاء والكفارة.
وكذلك لا يجوز صيام التطوع كالاثنين والخميس أو أيام البيض إذا وافقت أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة؛ لحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله".
ولم يرخص في صيامها إلا للحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد قيمة الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي".
صلاة العيد وصلاة الجمعة:
قال صلى الله عليه وسلم: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمِّعون". فالسُّنَّة حضور العيد والجمعة معًا في ذلك اليوم؛ لأنه يوم جمعة فالأفضل حضور الصلاتين جميعًا، هذه هي السنة، ويظهر ذلك واضحًا جليًّا وظاهرًا بينًا في قوله عليه الصلاة والسلام: "وإنا مجمِّعون"؛ أي أنه سيجمع بين حضور الصلاتين، لأن صلاة العيد فرض كفاية، وقيل: فرض عين، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذوات الخدور والحُيَّض بحضور صلاة العيد وأن يجتنبن المصلى، فقالوا: هذا دليل على وجوبها على الأعيان. لكن جماهير العلماء على أنها فرض كفاية. لكن أقول: لا ينبغي للمسلم المؤمن الحق الذي يرجو رحمة الله ويخشى عقابه أن يفرط في مثل هذه الشعيرة العظيمة التي هي رمز وشعار من شعارات المسلمين، فهَبْ أنك لم تحضر لصلاة العيد وكانت فرض عين، وسألك الله عن عدم حضورك لها! فيا أخي المسلم، ويا أختي المسلمة، حافظوا على هذه العبادة العظيمة، واهتموا بها وعظموها بتعظيم الله لها.
فإذا وافق يوم العيد يوم جمعة، فالصحيح أن من حضر صلاة العيد أجزأته من الجمعة فتسقط عنه صلاة الجمعة، ويصليها ظهرًا في بيته، أما من فاتته صلاة العيد لعذر من مرض ونحوه فيجب عليه وجوبًا أن يصلي الجمعة، وأما إمام الجمعة فتجب في حقه الصلاتين: صلاة العيد، وصلاة الجمعة؛ لأنها لا تقوم إلا به.
نسأل الله تعالى بفضله ومنه وكرمه أن يوفقنا جميعًا للعمل الصالح، والعلم النافع، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علمًا، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. إنه سبحانه خير مسئول وخير مأمول. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.