الاتحاد الأوروبي يستعد لتقديم نص قانوني لإصدار قرض لأوكرانيا ب140 مليار يورو    الناقد الذي كان يشبه الكلمة... وداعًا محمد عبد المطلب    البرهان: لا سلام في السودان إلا بتفكيك ميليشيا الدعم السريع    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    الارتجال بين الفطرة والتعليم.. ماستر كلاس تكشف أسرار المسرح في مهرجان شرم الشيخ    8 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    صادر له قرار ترميم 2018.. النيابة تطلب تحريات إصابة 3 أشخاص بانهيار عقار في الإسكندرية    محافظ أسيوط يتفقد كليات جامعة سفنكس ويشيد بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين    نصائح هامة لوقاية طلاب المدارس من عدوى أمراض الجهاز التنفسي    شعبة الجلود بالقاهرة تبحث التعاون مع العربي للصناعات الجلدية بتركيا    تحت رعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء.. انطلاق المؤتمر الوطني "إصلاح وتمكين الإدارة المحلية: الدروس المستفادة من برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    حزب النور في المقدمة.. نتائج الحصر العددي الأولي عن الدائرة الأولى فردي بكفر الشيخ    وزير الخارجية من لبنان: المنطقة على شفا التصعيد.. ونتواصل مع جميع الأطراف دون استثناء    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    بن غفير يقيل قائد شرطة القدس.. رفض إدخال كتب يهودية للمسجد الأقصى    بركان كيلاويا في هاواي يطلق حمما بركانية للمرة ال37 منذ بدء ثورانه العام الماضي    قوات الاحتلال تفرض حظرًا للتجوال وحصارًا شاملًا على محافظة طوباس    قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    مواعيد مباريات الأربعاء 26 أكتوبر - ليفربول وريال مدريد وأرسنال في أبطال أوروبا.. وكأس العرب    تقييم مرموش أمام ليفركوزن من الصحف الإنجليزية    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأصعب تاريخيًا.. وكان يمكنه تجنبها    موعد نتيجة المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    اليوم.. الإدارية العليا تحدد مصير 259 طعنًا على انتخابات النواب    تحرير 814 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    قرارات عاجلة من النيابة فى واقعة ضبط طن حشيش فى الرمل بالإسكندرية    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 23 درجة مئوية    «خطوات التعامل مع العنف الأسري».. جهات رسمية تستقبل البلاغات على مدار الساعة    رئيس جامعة قناة السويس: قريبًا افتتاح مركز العلاج الطبيعي والتأهيل بكلية العلاج الطبيعي    رضا البحراوي يكشف حقيقة وفاة والدته    انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان المسرح بشرم الشيخ    أبرزهم أحمد مكي.. نجوم شرف «كارثة طبيعية» يتصدرون التريند    سعر الفراخ البلدى والبيضاء اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025 فى المنيا    الوزراء: شراكات دولية وتوقيع 89 اتفاقية لتطوير التعليم الفني وإنشاء مدارس تكنولوجية تطبيقية    وكيل صحة قنا يتفقد وحدة الترامسة ويحيل طبيبا للتحقيق    باستثمارات 115 مليار جنيه.. الحكومة: تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل فى 6 محافظات جديدة    رئيس الرعاية الصحية: تطوير 300 منشأة بمنظومة التأمين الشامل    .. اديهم فرصة واصبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    حماية الثروة الحيوانية    السيسى يحقق حلم عبدالناصر    مقتل 8 أشخاص في إندونيسيا بفيضانات وانزلاقات تربة    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار على البحر الأحمر وشمال سيناء    موعد امتحان نصف العام لصفوف النقل وضوابط وضع الأسئلة    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالغربية تعلن الحصر العددي لأصوات الناخبين    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    الأمن يفحص منشور بتحرش سائق بطفلة بمدرسة خاصة في التجمع    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعبان يوسف يكتب: متى تحتفل وزارة الثقافة بعبد الرحمن الأبنودي؟!
نشر في الفجر يوم 13 - 03 - 2015

فى مارس 1967 صدر قرار الإفراج عن الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، وفى 13 مارس 1967 بدأ الأبنودى يستقبل الأصدقاء والمحبين والمثقفين والكتّاب فى منزله، ليقدّموا كل أشكال التهنئة على خروجه، بعد غيابه عدة شهور خلف القضبان، وهو وبضعة رفاق له، منهم إبراهيم فتحى وجمال الغيطانى وصلاح عيسى وسيد خميس وسيد حجاب وصبرى حافظ وغالب هلسا وآخرون، وكانت تهمتهم أنهم أنشؤوا تنظيما شيوعيا ماويا، نسبة إلى الزعيم الصينى ماوتسى تونج، وكانت تهمة هذا التنظيم -كالعادة- هى قلب نظام الحكم!

وكان القبض على هؤلاء الشباب فى أكتوبر عام 1966، فى أعقاب سلسلة مقالات، كتبها الكاتب والمثقف الأردنى غالب هلسا، فى مجلة الحرية اللبنانية، هذه المقالات كانت تناقش وضعية الديمقراطية فى عالمنا العربى، وتطرقت المقالات إلى الوضع السياسى فى مصر، مما أثار تحفظ السلطات السياسية المصرية، وبالتالى تحركت الأجهزة الأمنية، وقبضت على غالب هلسا، ومعظم مَن كانوا حوله من أصدقائه، الذين كانوا يرتادون شقة فى حىّ العجوزة، ليتناقشوا فى كل شىء، وليمارسوا الحرية الكلامية والفكرية والأدبية، بكل صورها، ولكن السلطات لم تحتمل ذلك، فكان القبض على هؤلاء الشباب وإسكات أصواتهم إلى حين، هو الحل الأوحد والنموذجى للسلطة فى ذلك الوقت، وإشهار التهمة الجاهزة دوما، وهى قلب نظام الحكم .

كانت الفترة التى قضاها الأبنودى ورفاقه فى المعتقل فترة حرجة حقا، وكان الصراع فى أعلى السلطة بين عبد الحكيم عامر ومن حوله، وجمال عبد الناصر ومن حوله على أشده، وكانت بوادر الأزمة السياسية بين مصر وإسرائيل كذلك، على أشدها، وبالتالى تدخلت شخصيات كثيرة وكبيرة للإفراج عن هؤلاء الشباب، شخصيات تبدأ من خالد محيى الدين، حتى المفكر الفرنسى جان بول سارتر، الذى كان يزور مصر فى ذلك الوقت، وبفضل المساعى العديدة والمكثفة، وبفضل الظروف السياسية التى كانت تحتاج إلى كل العناصر الوطنية، تم الإفراج عن الشباب، وعلى رأسهم الشاعر الموهوب عبد الرحمن الأبنودى، الذى كانت شهرته أكثر بكثير من زملائه جميعا، فقد كان يكتب الأغانى التى يرددها الناس لأشهر، وأهم المطربين المصريين، وعلى رأسهم عبد الحليم حافظ الذى لم يكن مجرد المطرب الذى يغنى لعبد الرحمن الأبنودى فقط، بل كانا صديقين حميمين.

وعندما خرج الأبنودى من المعتقل قرر أن يذهب لزيارة أهله فى محافظة قنا، ليرتاح قليلا، وكان ذلك فى مايو 1967، وساعتئذٍ جاءه تليفون من القاهرة، وكان المتحدث الكاتب والصحفى والمؤرخ الفنى وجدى الحكيم، الذى استدعى الأبنودى على عجل إلى القاهرة، وفى 14 مايو جاء الأبنودى ليشارك بكل طاقته الفنية فى إنشاء الأغانى الوطنية الحماسية، مثل: اضرب.. لجل الولاد اضرب.. لجل الربيع.. اضرب.. لجل الجميع.. اضرب ، وكذلك: ولا يهمك يا ريس.. م الأمريكان يا ريس.. ، و بالدم هناخد تارنا.. بالدم نعود لديارنا ، ثم الأغنية الأشهر والأجمل والأعظم، والتى ما زلنا نرددها ونستدعيها فى كل المناسبات الوطنية، وأداها عبد الحليم فى روعة وطنية عالية، أقصد أغنية أحلف بسماها وبترابها.. أحلف بدروبها وأبوابها.. ما تغيب الشمس العربية.. طول ما أنا عايش فوق الدنيا ، ثم إنذار يا استعمار.. بترول مافيش.. قنال مافيش ، هكذا اشتعلت موهبة الأبنودى حماسا، وأشعل حماس المصريين.

ولأن الأبنودى لم يكن شاعرا بعيدا عن الناس، كان مفعما بالوطنية، ومعجونا بها، ولم يستسلم لمشاعر كراهية السلطة التى اضطهدته واعتقلته، وغيّبته، وعذبته، وبالعكس استجاب إلى متطلبات المرحلة، وجنّد كل مشاعره وحواسه ليستطيع أن يكون دوما على مستوى الحدث، وعندما وقعت الكارثة، وحلّت نكسة 1967، لم يستطع الهتاف أو الصراخ أو النشيج، بل كتب قصيدته، أو مرثيته كباية شاى ، والتى جاء فيها:

على كرسى ف قهوة ف شارع شبرا..

قعدت..

وجابلى كباية الشاى الجرسون...

كباية شاى القهوة غير كباية شاى البيت خالص..

بصّيت له كتير..

مش عارف ليه..

من مدة طويلة ماشفتش حىّ..

كان الشارع نابض فيه الدم المطفى وحىّ..

مرّ علىّ الراجل لاصلع خالص..

والبنت اللى فى إيدها طبق الفول الناقص خالص خالص... .

إنها قصيدة تجسّد الحزن والمرارة والدهشة واللوعة، دون أدنى تعبيرات صارخة أو زاعقة.

ومنذ تلك اللحظة، والأبنودى يعيش فى عطاء مستمر، ويغنى لكل طبقات الشعب، ويجسّد عن كل أشكال الحرية الإنسانية، ويقاوم كل أشكال الاستبداد، وتجلّى هذا فى ديوانه الذى صدر أخيرا المربعات ، وكتب تلك المربعات، وهو فى محنته الصحية، وظلّ يقاوم هذا الوحش الضاغط على رئة الفنان العظيم.

وكذلك ظل خصومه يرمونه بالإشاعات والنمائم، وظل هو يقاومهم بالفن، وبالعطاء، وبممارسة حريته فى إبداع فن شامخ وكبير يدوم فى مواجهة كل أنواع الصغار.

وفى إحدى زياراتى له منذ عدة شهور، وكانت معى الكاتبة الدكتورة جمال حسّان، اقترحت عليه إقامة مؤتمر حول مسيرته الإبداعية الثرية والغنية والطويلة، ووافق، وبالفعل اتصلت بالشاعر محمد أبو المجد، أحد قيادات الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومشكورا أبدى استعداده، وأرجأ كل الترتيبات بعدما يعرض الأمر على د.سيد خطاب رئيس الهيئة، وبعدها ببضعة أيام هاتفنى الأستاذ أبو المجد، وأبلغنى بأن د.سيد خطاب وافق على المؤتمر، وحدّد مكانه فى الإسماعيلية، حتى يستطيع الأبنودى حضور الافتتاح، وقال إنه سيرتب ميعادا لتشكيل لجنة للتحضير لهذا المؤتمر، وبعدها لم يحدث شىء على الإطلاق.

كذلك طرحت فكرة الاحتفال بشاعرنا الكبير من خلال لجنة الشعر، وأنا عضو بها، ووافقت غالبية اللجنة، ولكن تم تجنيب الأمر برمته، لأسباب ليس مجال شرحها الآن.

وحسنا أن وزير الثقافة الجديد الدكتور عبد الواحد النبوى، كان من أولى خطواته أنه زار شاعرنا الكبير، لكن يا سيادة الوزير، الأبنودى لا يحتاج إلى زيارات فقط، أو لسيارة إسعاف تنقله من منزله إلى المستشفى أيا كان هذا المستشفى، ولا يحتاج إلى بوكيه ورد كبير يرسله له أى كائن كان، لكننا نحتاج بشدة إلى إقامة مؤتمر لهذه القامة الشامخة والعظيمة، حتى نعرف قيمة من بيننا، فهل يفعلها وزير الثقافة ويفاجئنا؟!
المقال نقلاً عن "التحرير"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.