يشكل الأكراد في سوريا ثاني أكبر قومية في البلاد بعد القومية العربية بنسبة تتجاوز 15%، بحسب مصادر كردية، والأغلبية المطلقة منهم هم من المسلمين السنة، يتوزعون على مناطق ممتدة على الحدود السورية -العراقية والسورية – التركية.
وخلال الثورة السورية المندلعة منذ مارس/آذار 2011 عمل الأكراد على محاولة تحصيل "حقوق" يعتبرونها كانت مسلوبة منهم في عهد النظام السوري منذ أكثر من 40 عاماً.
القضية الكردية
يرى الصحفي الكردي المعارض ريوان عثمان المقيم في مدينة غازي عنتاب جنوبيتركيا منذ بداية الثورة في سوريا، أن القضية الكردية في سوريا "قضية شعب مؤمن بأنه يعيش على أرضه التاريخية، والشعب الكُردي يؤمن بالمساواة والعدالة والحرية لكافة الشعوب والإثنيات ونبذ العنف والإقصاء والإلغاء والاضطهاد، الذي عانوا منه على مدى عقود من الزمن".
وفي تصريح لوكالة "الأناضول"، رأى عثمان أن الأكراد جزء من النسيج السوري إذ يشكلون أكثر 15% من مجموع سكان سوريا، ويشكلون القومية الثانية في البلاد بعد القومية العربية، وتنحصر مطالبهم باختصار ما بين نيل حقوق ثقافية وقومية والحكم الذاتي للمقاطعات الثلاث التي أعلنوها منذ أشهر ضمن دولة لا مركزية والمطالبة كذلك بالفيدرالية، وجميع تلك المطالب في إطار "الحفاظ على الوحدة السورية وليس هناك أي دعوات للانفصال من قبل أي حزب أو فصيل كردي سوري"، بحسب قوله.
التوزع الجغرافي والديني
وبيّن عثمان أن، الأكراد يتوزعون في عدة مناطق تمتد على الحدود السورية التركية ومنها شمالي محافظة الحسكة ومنطقتي عفرين وكوباني (عين العرب) شمالي حلب ومنطقة كره سبي (تل أبيض) بمحافظة الرقة، ومن ثم منطقة جبل الأكراد في اللاذقية بالإضافة إلى تواجد للأكراد في كل من حلب المدينة وحمص ودمشق وريفها.
وأضاف، أن منطقة الجزيرة الواقعة بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا ويسيطر الأكراد على المناطق شمالها تشكل إحدى أهم المناطق بالنسبة للأكراد في سوريا كونها المصدر الأول والأهم للذهبيين الأسود والأبيض (النفط والقطن) وكذلك القمح والشعير والعدس وغيرها من المحاصيل الاستراتيجية.
ومن جهة أخرى فإن الحسكة هي المحافظة الأولى التي "تشغل بال القوميين العرب المتعصبين منذ الاستقلال عام 1947 وحتى اليوم"، حسب تعبير الصحفي الكردي والذي يرى أن دافع ذلك، "لا شيء سوى وجود أغلبية كردية من جهة ومن جهة ثانية لأنها امتداد طبيعي ديموغرافي للمناطق ذات الغالبية الكردية في كل من جنوبتركياوسوريا، لافتاً إلى أنها المحافظة الوحيدة التي يجري التعامل معها وفق أنظمة وقوانين "خاصة وسرية"، على حد قوله.
وعن التركيبة الدينية للأكراد السوريين قال عثمان، إن "معظم الأكراد في سوريا هم من الطائفة السنية بالإضافة إلى وجود الآلاف من الأكراد الايزيديين في عفرين وعامودا والقامشلي وتربه سبي أو القحطانية(شمال الحسكة)، وكذلك يوجد آلاف من الأكراد العلويين في عفرين.
وأشار إلى أنه لا توجد أي إحصائيات رسمية لأعداد الأكراد في سوريا خاصة أن النظام السوري كان سابقاً لا يمنحهم حق المواطنة أو كما كان يُطلق عليهم "مكتومين"، قبل أن يصدر مع بداية الثورة السورية تسهيلات بهدف تسجيلهم واعتبارهم مواطنين سوريين وذلك في محاولة لكسب ودهم أو تحييدهم عن الانضواء في صفوف المعارضين له، مشيراً إلى أن عددهم يقدر بأكثر من 3 ملايين نسمة.
الإدارات الكردية
من جهته قال الكاتب الكردي مروان بركات للأناضول إن الإكراد في سوريا يتواجدون في ثلاث مقاطعات رئيسية أعلنوها بعد انطلاق الثورة السورية بأشهر دون أن تحظى بأي اعتراف رسمي بها من أي دولة أو جهة حتى اليوم وهي:
-مقاطعة عفرين (كرداغ أو جبل الكرد):
الأكراد يرون، بحسب بركات، أن منطقة عفرين جزء من إمارة كرداغ (تسمية عثمانية بمعنى جبل الكرد) تاريخياً التي كان مركزها "كلس" في العهد العثماني ومن ثم بعد التقسيم (وفق اتفاقية سايكس بيكو1916) بقي جزء منها ضمن تركيا وجزء تم إلحاقهُ بسوريا.
وأضاف أن منطقة جبل الكرد التي تقع أقصى شمال غربي سوريا، تبلغ مساحتها 2100 كم2، ومعظم ساكنيها من الأكراد ويتبع لها 366 قرية.
-مقاطعة كوباني(عين العرب):
وتقع في الشمال الشرقي من محافظة حلب وهذه المنطقة هي امتداد لسهل السروج في تركيا، ويعتبر الأكراد أنها منطقة كردية بمجملها ويتبع لها 384 قرية، بحسب الكاتب الكردي.
-مقاطعة الجزيرة:
تقع هذه المقاطعة شمالي محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سوريا، ويعتبر الأكراد أن المحافظة بمجملها تابعة للمقاطعة، وتبلغ مساحة المحافظة نحو 23333 كلم2 من أصل مساحة سوريا البالغة 185180كم2، وبذلك تشكل مساحة المحافظة 12.6% من مساحة سوريا، بحسب قول بركات.
ولفت الكاتب الكردي إلى أن هذه المقاطعة ذات الغالبية الكردية تضم حوالي 700 قرية، وعليه بالإمكان تقدير مساحة "كردستان – سوريا" بمخيلة الأكراد بنحو 25 ألف كلم مربع.
ويتوزع الأكراد بأعداد ضئيلة في بعض المحافظات السورية الأخرى ولا سيما في الرقة حيث يتواجدون في ناحية تل أبيض، هذا إلى جانب استقرار الأكراد في جبل الأكراد (جبل العلويين) المطل على مدينة اللاذقية حيث لا تقل قراهم عن 80 قرية، بحسب المصدر نفسه.
التمثيل السياسي
من جهته، قال فتح الله حسيني مسؤول اعلام حزب اليسار الكردي في اقليم شمالي العراق إن جميع الأحزاب الكردية الموجودة على الساحة السورية اليوم، تمخضت عن حزب واحد هو الحزب الديمقراطي الكردي السوري (البارتي) الذي تأسس في العام 1957.
وأضاف حسيني، "ليست هناك أحزاب كردية مرتبطة بالنظام السوري، بل كلها مناهضة للنظام، وجل الأحزاب الكردية لها علاقات وثيقة مع الأحزاب الكردستانية مثل: الحزب الديمقراطي الكردستاني/ العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني".
وبيّن الحسيني أن تلك الأحزاب تجتمع في اطارين:
أحزاب المجلس الوطني الكردي المنضوية ضمن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية: وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا، ونتج عن دمج 4 أحزاب فرعية مطلع عام 2014، وهو من الحلفاء الرئيسيين للحزب الديمقراطي الكردستاني- عراق بزعامة مسعود بارزاني رئيس إقليم شمال العراق.
ومن ضمن أحزاب المجلس الوطني الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا وتأسس بداية الستينيات من القرن الماضي وهو مقرب من الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وكذلك حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا وحزب يكيتي الكردي في سوريا وتأسسا بداية عام 1990، كما أن هناك أحزاب كردية أخرى هامشية.
أحزاب حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM التي أعلنت "الإدارة الذاتية المؤقتة": وهي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وهو الحزب الرئيسي في الحركة وتأسس في عام 2003 وهو مقرب حزب العمال الكردستاني PKK، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الأخرى كحزب اليسار الكردي في سوريا وحزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا، وحزب الوفاق الديمقراطي الكردي في سوريا والحزب الشيوعي الكردستاني وأحزاب كردية أخرى هامشية.
الذراع العسكري
وعن الفصائل الكردية المسلحة أوضح مراسل الأناضول، أنه إضافة إلى قوات الأمن والشرطة "الآسايش"، توجد هناك قوات YPG وYPJ وحدتا (حماية الشعب وحماية المرأة) وجميعها تتبع لحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM التي تشرف على "الإدارة الذاتية المؤقتة" في سوريا.
وبيّن المراسل هناك بعض التشكيلات العسكرية الكردية التابعة للجيش الحر، مثل جبهة الكرد، وهذه كتائب مستقلة ولا ترتبط مع "حزب العمال الكردستاني PKK لكنها لا تعاديه".
وتابع المراسل أن "هناك المجلس العسكري الكردي السوري (كوملة) وهي قوة كردية مسلحة توجد في بعض المناطق الكردية في حلب مثل حي الاشرفية، كما كان لها وجود في منطقة الباب بريف محافظة حلب ومناطق أخرى قبل سيطرة تنظيم "داعش" عليها، وهذا المجلس يعادي (PYD) وتشكيلاته العسكرية وحدثت بينهما اشتباكات، واختفى خمسة من كبار قادته العسكرية مؤخراً في ظروف غامضة، واتهم فيما بعد "YPG" بالضلوع في اختفائهم.
العتاد والعدد:
قال المسؤول الأمني لدائرة مدينة عفرين (شمال غرب سوريا) نومان عكاش في حديث لمراسل الأناضول أن "الأكراد تسليحهم ذاتي، ويقومون بشراء السلاح من السوق السوداء وأنهم استولوا على جزء من سلاح النظام السوري أثناء انسحاب قواته الأمنية من بعض المناطق الكردية".
وعن عدد مقاتلي وحدات حماية الشعب الجناح المسلح الأبرز لدى الأكراد في سوريا، قال عكاش، "لم تعلن الإدارة العامة لقوات YPG عن العدد النهائي لعناصره لكن من المؤكد أن العدد الآن يفوق 50 ألف مقاتل".
وعن الاتهامات الموجهة للجهات الكردية بالتهجير لبعض العرب من المناطق الكردية قال عكاش، "الأكراد لم يشردوا أحداً وجميع مكونات المنطقة موضع الاحترام والتقدير، بل على العكس من ذلك فالمناطق الكردية باتت الملجأ الآمن الأقرب للمدنيين الفارين من المناطق ذو الغالبية العربية والتي تشهد اشتباكات مع النظام أو التي تتعرض لقصف من جيش النظام من مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، خصوصاً مناطق الرقة والسفيرة ومنبج وجرابلس بحلب، بل حتى من حماه وحمص ودمشق".
وأكد عكاش أنه، "ليس هنالك أي مخطط لتهجير العرب حتى من المناطق التي تم جلبهم إليها عبر مشروع الحزام العربي، حالياً على الأقل".
وبالتزامن مع اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا في مارس/ آذار 2011 ضد نظام بشار الأسد في سوريا، قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYD) بزعامة صالح مسلم بتأسيس قوات سميت وحدات حماية الشعب (YPG)، وتبسط تلك القوات حاليا سيطرتها على المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا "الجزيرة" و"كوباني" و"عفرين" شمالي سوريا، وتديرها إدارات ذاتية محلية باسم مقاطعات.
ومنذ ذلك الحين، تشتبك قوات (YPG) بشكل مستمر مع عناصر "داعش" الذي يسيطر حاليا على مساحات واسعة من سورياوالعراق.
وكذلك حدثت اشتباكات عديدة بين قوات (YPG) وعناصر جبهة النصرة، الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا.
ومنذ أكثر من أربعة أشهر تستمر الاشتباكات بين مسلحي تنظيم "داعش" ومجموعات كردية في مدينة عين العرب(كوباني)، التي تقول تقارير إعلامية إن التنظيم سيطر على مساحات كبيرة منها، وتسكنها في الأساس غالبية كردية؛ ما اضطر نحو 200 ألف من سكان المدينة والمناطق المحيطة بها، للفرار إلى تركيا، خلال الأيام الأخيرة.
ويشن التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة بمشاركة دول أوروبية وعربية غارات جوية على مواقع لتنظيم "داعش" في المدينة وفي محيطها لوقف تقدم المزيد من عناصر التنظيم نحو المدينة، ومنع إحكام سيطرته عليها، في حين أن كلاً من مقاطعتي الجزيرة وعفرين تتمتعان بنوع من الهدوء ولم تسجل فيهما أحداث أمنية كبيرة منذ إعلانها