■ 52 دولة شاركت الولايات المتحدةالأمريكية فى هذا البرنامج من ضمنها بعد نشر تقرير مصغر ومشفر فى بعض الاحيان للكونجرس عن فضائح برنامج المخابرات المركزية الأمريكية السرى المعروف باسم (الاحتجاز، الاستجواب والترحيل القسرى)، وبعد الصدمة التى عمت العالم كشف تقرير آخر صادر عن منظمة المجتمع المفتوح الأمريكية تحت عنوان (عولمة التعذيب) المزيد من الفضائح والتفاصيل، فقد قدم عرضاً تفصيلياً لدور كل دولة من دول العالم. ■ 26 من أصل 119 محتجزاً تعرضوا لهذا البرنامج ثبت أنهم أبرياء
وتم القبض عليهم بطريق الخطأ ■ استغرقت تحقيقات لجنة الاستخبارات بالكونجرس الأمريكى خمس سنوات وتكلفت 40 مليون دولار 1
تاريخ طويل مع التعذيب
على الرغم من أن برنامج المخابرات المركزية الأمريكية السرى المعروف باسم (الاحتجاز، الاستجواب والترحيل القسرى) قد بدأ بعد ستة أيام فقط من أحداث 11 سبتمبر 2011 بأمر مباشر من الرئيس الأمريكى جورج بوش إلا أن الحكومة الأمريكية ارتبط اسمها ببرامج الترحيل السرى والتعذيب قبل هذا التاريخ بفترة، بل إن االمحكمة الدستورية الأمريكية فى عام 1886- أى منذ أكثر من قرن- أباحت الترحيل القسرى لمتهم من دولة بيرو تم نقله إلى الولايات المتحدةالأمريكية من أجل محاكمته بتهم سرقة فى أمريكا. البداية الفعلية لهذا البرنامج بدأت فى عام 1986 عندما أصدر الرئيس الأمريكى رونالد ريجان قراراً يعطى للولايات المتحدة حق اختطاف المشتبه فيهم وترحيلهم إلى الولايات المتحدةالأمريكية لكن بشرط أن يكون هذا المتهم فى دولة لا تستطيع الولايات المتحدة أن تطبق فيها إجراءات التسليم الرسمية، مثل الدول التى تساند الإرهاب. فى عام 1993 وضع الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الأب إجراءات محددة لعمليات الترحيل القسرى ونقل المشتبه فيهم إلى الولايات المتحدةالأمريكية. استمرت إدارة بيل كلينتون فى التسعينيات فى تطبيق نفس البرنامج وهناك تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية تحت عنوان (أنماط من الإرهاب الدولى 2001) يشير إلى وجود عشر عمليات ترحيل قسرى لمشتبه فيهم فى الولايات المتحدة تمت فى عهد الرئيس الأسبق كلينتون. فى عام 1995 طلب عملاء المخابرات المركزية الأمريكية من مصر التعاون معهم فى هذا البرنامج، وقد وافقت مصر بسبب رغبتها فى الوصول إلى أعضاء تنظيم القاعدة المصريين. بحسب مايكل شوير المدير السابق لوحدة المخابرات المركزية المختصة بمطاردة أسامة بن لادن فإن أغلب المتهمين الذين خضعوا لهذا البرنامج قد حكم بالفعل عليهم غيابيا ولم يكن يتم ترحيلهم إلا بعد الحصول على موافقة من المجلس العام للمخابرات المركزية الأمريكية. بحسب تقرير (المجتمع المفتوح) فإن من ضمن العمليات التى تمت فى عهد كلينتون، كانت عملية اختطاف الولايات المتحدة للمصرى طلعت فؤاد قاسم (الذى حكم عليه غيابيا بالإعدام فى قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات) فى كرواتيا وترحيله إلى مصر. أخذ البرنامج حجماً مختلفاً بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أصبحت عمليات الترحيل القسرى تتضمن أيضا التعذيب والاستجواب فى سجون سرية فى مختلف أنحاء العالم للمشتبه فيهم، واحتجازهم دون نية لمحاكمتهم قضائيا. كما منح الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش للمخابرات المركزية حق تطبيق هذا البرنامج دون الحصول على موافقة سواء من البيت الأبيض أو وزارة العدل، وبالتالى أصبح لدى المخابرات المركزية الأمريكية سلطة نقل المشتبه فى ارتكابهم أعمالاً إرهابية للاحتجاز والاستجواب وإخضاعهم لعمليات ترحيل قسرى حيث يتعرضون للتعذيب فى سجون سرية داخل العديد من دول العالم.
بحسب تقرير لجنة الاستخبارات فى الكونجرس الأمريكى، قام اثنان من الأطباء النفسيين بوضع أساليب التعذيب الخاصة بهذا البرنامج (من ضمنهما طبيب نفسى كان يعمل كمستشار سابق لوزارة الدفاع) وقد حصلا على 81 مليون دولار فى مقابل خدماتهما فى هذا البرنامج، وهذا المبلغ هو جزء من عقد مع المخابرات تصل قيمته إلى 180 مليون دولار. تضمن هذا البرنامج 20 تكنيكاً مختلفاً من التعذيب كان يتم تطبيقها فى سجون سرية خارج الولايات المتحدة يطلق عليها فى أروقة الاستخبارات (بالمواقع السوداء)، حيث يتعرض المشتبه فيهم للتعذيب والانتهاك على يد المخابرات المركزية الأمريكية فى سجون سرية فى أفغانستان، ليتوانيا، المغرب، بولندا، تايلاند وجوانتانامو. اعتمدت عمليات الاستجواب باستخدام التعذيب على تكنيكات معدة خصيصا لمثل هذا البرنامج.
كشف تقرير لجنة الاستخبارات بالكونجرس الأمريكى، عن بعض التفاصيل المفزعة لتكنيكات التعذيب. على سبيل المثال تعرض التقرير لتكنيك التجميد، وكان أحد ضحايا هذا التكنيك جول رحمن المواطن الأفغانى الذى ألقى القبض عليه فى كابول بعد ستة أسابيع من أحداث 11 سبتمبر وتم نقله إلى سجن تديره المخابرات الأمريكية فى شمال كابول يعرف باسم (الحفرة المالحة).
2
مصر
بحسب تقرير (عولمة التعذيب) فإن مصر من الدول التى شاركت فى هذا البرنامج. كما نقلت مصر المشتبه فيهم إلى دول أخرى وسمحت باستخدام مجالها الجوى والمطارات لخدمة رحلات جوية خاصة بعمليات الترحيل القسرى للمخابرات المركزية الأمريكية. يضيف التقرير أن مصر تم وصفها بالدول الأكثر استقبالا للمشتبه فيهم الذين تم ترحيلهم فى هذا البرنامج. فى حوار مع رئيس الوزراء المصرى الأسبق أحمد نظيف مع الصحفى الأمريكى تيم راسل فى محطة إن بى سى، اعترف نظيف بأن هناك من 60 إلى 70 مشتبهاً فيهم تم ترحيلهم من الولايات المتحدة إلى مصر منذ أحداث 11 سبتمبر. بدأ التعاون بين الأجهزة الأمنية المصرية وبين المخابرات المركزية الأمريكية بشأن تعقب المشتبه فى ارتكابهم أعمالاً إرهابية منذ عام 1995، وتقريبا كل عمليات الترحيل القسرى التى تمت فى عهد كلينتون تم نقل المشتبه فيهم إلى مصر. ويؤكد التقرير أن المخابرات الأمريكية كانت تعطى السلطات المصرية فى الصباح الأسئلة التى تريد طرحها على المشتبه فيهم، وتحصل على إجابات تلك الأسئلة فى مساء نفس اليوم. وقد رفضت السلطات المصرية طلب المخابرات الأمريكية بالسماح للعملاء الأمريكان باستجواب المشتبه فيهم. منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، قامت أمريكا بإرسال العشرات من المشتبه فيهم إلى مصر من ضمنهم محمد عمر عبدالرحمن الذى أطلق سراحه فى عام 2010. ومن أشهر المشتبه فيهم الذى تم نقله إلى مصر أحمد عجيزة وهو مصرى الجنسية وكان مقيماً فى السويد مع زوجته وأبنائه الخمسة، وأثناء انتظار رد الحكومة السويدية على طلبه بحق اللجوء السياسى، قامت الشرطة السويدية فى 18 ديسمبر 2011 بالقبض عليه بشكل سرى وتم نقله إلى مطار (بروما) فى ضواحى اسكتلندا. تم تسليم عجيزة إلى العملاء الأمريكان الذين جردوه من ملابسه وأجبروه على ارتداء بدلة السجن قبل نقله بالطائرة إلى القاهرة وهو مكبل بالسلاسل. بحسب التقرير تعرض عجيزة للتعذيب بالصدمات الكهربائية، وقد زاره دبلوماسيون سويديون أثناء احتجازه فى مصر. وبحسب عجيزة نفسه فقد تم احتجازه لمدة عام فى سجن أمن الدولة بمدينة نصر قبل نقله إلى سجن طرة الذى بقى فيه لمدة سنتين لينتقل بعد ذلك إلى سجن العقرب. تمت محاكمة عجيزة محاكمة عسكرية وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاما لانضمامه للجماعة الإسلامية. فى عام 2004 تم تخفيض مدة عقوبته إلى 15 سنة، وفى 2011 تم إطلاق سراحه.
كما تم نقل على محمد عبدالعزيز الفخرى (ابن الشيخ الليبي) إلى مصر، وهو ليبى الجنسية ألقى القبض عليه فى باكستان بعد شهور من أحداث 11 سبتمبر، وتم استجوابه من المخابرات المركزية والمباحث الفدرالية، ثم نقله إلى قندهار أفغانستان قبل احتجازه على متن إحدى السفن الحربية الأمريكية ثم نقله إلى مصر. اعتمدت أمريكا على اعترافات الفخرى فى تأكيد امتلاك العراق أسلحة كيماوية وبيولوجية. وقد استخدم كولن باول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق اعترافات الليبى فى خطابه عام 2003 أمام الأممالمتحدة لاقناع العالم بضرورة شن حرب على العراق. وبحسب تقرير للكونجرس الأمريكى يعود تاريخه لعام 2006 فإن الليبى تراجع فى 2004 عن أقواله واعترف بأنه كذب من أجل تجنب التعذيب. وبعد احتجازه فى مصر، قامت المخابرات الأمريكية بنقله إلى سجون سرية فى أفغانستان وفى أماكن أخرى قبل نقله فى النهاية إلى سجن أبوسليم فى ليبيا، وقد عثر عليه ميتا فى زنزانته بأبوسليم فى عام 2009.
ومن أشهر المشتبه فيهم الذين انتقلوا إلى مصر المواطن الاسترالى ممدوح حبيب الذى ألقى القبض عليه فى أفغانستان 2001 وتم احتجازه فى سجن بإسلام أباد حيث تم استجوابه من قبل عملاء أمريكيين واستراليين. بعد ذلك تم نقل حبيب إلى مصر وظل هناك لشهور ثم أخذته المخابرات الأمريكية ونقلته إلى خليج جوانتانامو فى 2002. وكانت الحكومة الاسترالية قد رفضت منذ أسبوعين القضية التى رفعها حبيب ضد الحكومة المصرية بدعوى عدم قانونية الوثائق التى اعتمد عليها فى قضيته والتى تثبت تعرضه للتعذيب. وقد صرح حبيب بأن تقرير الكونجرس سوف يوفر له الدليل القانونى على تعرضه للتعذيب.
كما ارتبط هذا البرنامج السرى بقضية الشيخ أبوعمر المصرى الأصلى الذى ألقت المخابرات الأمريكية القبض عليه فى ميلان بالتعاون مع السلطات الايطالية ثم تم ترحيله إلى مصر، وقد تم التحقيق فى هذه الحادثة من قبل الاتحاد الأوروبى والبرلمان الإيطالى وتمت إدانة السلطات الايطالية التى تورطت فى هذه العملية، وفى عام 2009 أصدرت المحكمة الايطالية حكماً بإدانة 22 عميلاً ايطالياً وأمريكياً شارك فى هذه العملية التى وقعت عام 2003.
تعد المملكة المتحدة شريكاً رئيسياً فى هذا البرنامج، وقد شاركت فى عمليات الخطف والاستجواب والتعذيب، كما سمحت باستخدام مطاراتها ومجالها الجوى فى عمليات نقل المشتبه فيهم. بعد أيام من أحداث 11 سبتمبر اجتمع عملاء المخابرات الأمريكية مع عدد من مسئولى المخابرات البريطانية فى السفارة البريطانية فى واشنطن حيث تم إطلاعهم على الخطط الأمريكية بشأن هذا البرنامج. لمدة ثلاث ساعات، استعرض كوفير بلاك مدير مركز مكافحة الارهاب فى المخابرات الأمريكية أمام مسئولى المخابرات البريطانية تفاصيل هذا البرنامج. فى اجتماع لاحق لحلف الناتو فى أكتوبر 2001، أعلنت الحكومة البريطانية عن تقديمها للدعم اللوجستى لهذا البرنامج. فى سبتمبر 2011، ادعى المعارض الليبى سامى السعدى أنه أثناء وجوده فى الصين أقنعه مسئول بريطانى بأنه يمكن أن يطلب حق اللجوء السياسى فى بريطانيا وأن عليه أن يقدم طلباً للقنصلية البريطانية فى هونج كونج، ولكنه عندما سافر إلى هناك تم اختطافه مع زوجته وأبنائه الأربعة وترحيلهم إلى ليبيا. وضمن وثائق تم اكتشافها فى طرابلس بعد سقوط نظام القذاقى 2011 تم العثور على مذكرة من سى آى إيه يعود تاريخها إلى مارس 2004 وموجهة إلى المخابرات الليبية وتكشف كيف ساعدت المخابرات البريطانية فى عملية نقل السعدى إلى ليبيا. سجن السعدى لمدة ست سنوات ويزعم أنه تعرض خلال هذه السنوات إلى ألوان مختلفة من التعذيب بدءا من الضرب وانتهاء بالصدمات الكهربائية، كمت يؤكد أن عملاء المخابرات البريطانية شاركوا فى استجوابه فى ليبيا. كما تم الكشف عن وثائق أخرى فى طرابلس تكشف التعاون بين المخابرات البريطانية والمخابرات الليبية فى اختطاف وترحيل المعارض الليبى عبدالحكيم بلحقى وزوجته فاطيما بوشار إلى ليبيا.
4
الدول الأجنبية
عدد كبير من الدول شارك فى هذا البرنامج وبحسب التقرير هناك 52 دولة من ضمنها 25 دولة أوروبية شاركت فى هذا البرنامج من بينها الدنمارك، النمسا، اليونان، فنلندا، هذا إلى جانب ألمانيا. وقد شاركت ألمانيا بقوة فى هذا البرنامج وقدمت الدعم الاستخباراتى واللوجتسى وكان عملاء المخابرات الألمانية لاعبين رئيسيين فى التحقيقات. على سبيل المثال شاركت ألمانيا فى عملية القبض على المواطن المصرى عبد الحليم خفاجة فى البوسنة قبل أن تقوم بمساعدة سى آى إيه فى نقله إلى مصر. كما ساهمت فى القبض على المواطن الألمانى خالد المصرى فى مقدونيا حيث تم احتجازه وتعذيبه لمدة ثلاثة وعشرين يوماً قبل تسليمه إلى المخابرات الأمريكية التى نقلته إلى سجن الحفرة المالحة فى أفغانستان وتعرض هناك للتعذيب والضرب وبعد ذلك نقل إلى ألبانيا قبل أن يطلق سراحه بعد اكتشاف عدم صلته بالأعمال الارهابية.