■ أفرزه نظام مبارك بكل ما فيه من فساد وتزوير وتوريث واستبداد وخيانة ■ نجح فى دخول سوق الحديد تاجراً ثم صانعاً وتراكمت عليه الديون حتى بلغت 6 مليارات جنيه لم يستطع سدادها إلا بعد الاستيلاء على حديد الدخيلة والارتباط بجمال مبارك فأصبحت ثروته بقدرة قادر تتراوح ما بين 18 و 28 ملياراً
لو كان فى قواميس الكلمات السوداء كلمة أشد سوءا من كلمة «عار» لوصفت بها عودة أحمد عز إلى الحياة السياسية.
كانت الثورة المضادة على ما يبدو فى انتظار خروجه من السجن لتستكمل حربها غير المقدسة على ثورتى يناير ويونيو.. فى وليمة همجية.. على طريقة قبائل الماو ماو البدائية.. حيث سيؤكل لحمنا نيئا.. ويؤكل حلمنا مسلوقا.. ويؤكل مستقبلنا مشويا.. حسب قواعد الطهى التى وضعها أمين التنظيم الأسبق للحزب الوطنى.
وما يثير الدهشة.. أن نظام مبارك الذى وصف بالفساد.. هو نفسه الذى ألقى بأحمد عز أمام محكمة الجنايات.. متهما بالفساد.. الأصل يقطع الفرع.. والأب يتنكر للابن.. لكن.. رائحة الدم وحدت من جديد أسماك القرش المتصارعة.. فراحت تستعد للاستيلاء على السلطة التى فقدتها.. والثروة التى تسللت من بين يديها.. والقوة التى تبخرت بالثورة عليها.
فى سكنه الممتد إلى 1600 متر مربع فى أغلى عمارة فندقية تطل على نيل الجيزة بدأ أحمد عز اجتماعاته برموز سابقة للحزب الوطنى ليرسموا خطط الاستيلاء على مجلس النواب المقبل.. وربما كان محتكر الحديد الذى يبلغ من العمر 55 سنة يعلن زهقه وقرفه من السياسة.. لكنه.. فى نفس الوقت لا يمكن أن ينكر رغبته الدفينة فى الانتقام مما جرى له.. واسترداد شعوره بلذة الحكم التى تمتع بها بجانب جمال مبارك وفقدها فى السجن.. فلذة الحكم أشد إدمانا من الهيروين.. يصعب التخلص منها.
ولا يمكن الاستهانة بقدراته على تحقيق ما يريد.. فلو أغلقت الأبواب فى وجهه دخل من النوافذ.. وإن لم يجدها فإنه يفتحها.
وربما.. تلقى سيرته الشخصية والعملية والسياسية أضواء كاشفة على المناطق المظلمة والخفية فى حياته.. لنعرف كيف امتلك ثروة غير متوقعة.. وسلطة غير منتظرة.
إنها رواية قد تساعدنا على استرداد ذاكرتنا المفقودة.. وتخرجنا من حالة الغيبوبة المتعمدة.. وتعيد إلينا الحقيقة الضائعة التى رجمت وشوهت وانقلبت على نفسها.. فأصبح القاتل بريئا.. والفاسد وليا.. والناهب حكيما.
لقد تفتحت عينا أحمد عز على عائلة لا تمتلك سوى محل متواضع فى «السبتية» لبيع أدوات السباكة.. أداره والده الضابط المتقاعد الذى اتهم فى قضية إتجار فى عملة وخرج منها.. وعندما كشفتها ونشرت وثائقها غضب ابنه.. وكان فى قمة مجده.. ونجح فى الحصول على حكم بسجنى أنا وإبراهيم عيسى ووائل الإبراشى وعبد الحليم قنديل فى القضية التى عرفت بقضية «رؤساء التحرير الأربعة».. ونجونا منها فى الاستئناف بعد أن كشفت عن كراهية أحمد عز لحرية الصحافة.. ورغبته فى إطفاء أنوارها ليتمكن من تنفيذ مخطط التوريث فى الظلام.
لم يقنع أحمد عز بحال والده.. فطموحه أكبر من دكان صغير فى منطقة تشتهر بتجارة الخردة.. حاول أن يجد نفسه فى العزف على الدرامز فى فرقة موسيقى غربية قادها مودى الإمام عرفت باسم «طيبة».. لكنها.. لم تشبعه.. فراح يشق طريقا آخر.
أحب خديجة ابنة نقيب الأشراف كامل ياسين وتزوجها واستخرج شهادة بأنه ينتمى إلى النسل النبوى الشريف.. لكنه.. رغم ذلك تزوج عليها سكرتيرته «عبلة» التى أنجبت له ولدا.. تقبله فرحا.. فهو سيكون سند شقيقاته البنات من الزوجة الأولى.. وسيرث اسمه.. والأهم سيرث ثروته.. على أنه لم يكتف بامرأتين وتزوج الثالثة.. شاهيناز النجار التى استقبلته فور خروجه من السجن لتسقط كل شائعات طلاقهما.. وقد عقد القران على استقالتها من مجلس الشعب.. لنجد أنفسنا أمام نموذج يرفض مشاركة المرأة فى العمل السياسى والنيابى على خلاف ما كان يدعو إليه من على منصات الحزب الوطنى.. إن المرأة عنده على ما يبدو لا يجب أن تتجاوز حدود الزوجة التى تنتظر رجلها بمياه الورد وابتسامة عريضة تسامحه على كل ما فعل.. أو على ما سيفعل.
على أن أحمد عز لم يكشف عن هذه الجوانب فى شخصيته إلا بعد أن أصبح مليارديرا.. ولم يكن طريقه لدخول نادى «كبار الأثرياء» صعبا.. فيكفى أن تكون فى خدمة السلطة لتجنى الثروة.. إنها القاعدة الشهيرة التى سادت فى زمن مبارك.
بجانب دكان أدوات سباكة والده مخزن لتجارة الحديد يمتلكه تيسير الهوارى.. وفى قرارة نفسه تمنى أحمد عز أن يكون مثل جاره فلم يتردد فى انتهاز فرصة دخول تيسير الهوارى السجن وأدخل سفينة محملة بالحديد.. لكن.. جاره المحترف هبط بسعر الحديد إلى مستوى متدنٍ حطم أحلام الفارس الجديد فى الثروة والمنافسة.. على أنه جدد أحلامه مرة أخرى بعد دخول تيسير الهوارى السجن مجددا فسعى أحمد عز للتعرف على وكيل شركة الحديد فى رومانيا.. ونجح فى استمالة رئيس غرفة الحديد فى بوخارست الذى كان على علاقة وثيقة بابن شاوشيسكو.. الديكتاتور الذى أعدمه شعبه حتى يقتلع القسوة من جذورها.. فالثورات البيضاء فى كثير من الأحيان تجهض بثورات مضادة يقوم بها من نجا من المشانق.
نجح أحمد عز فى دخول سوق الحديد تاجرا ثم صانعا.. لكنه.. لم يحقق ما كان يحلم به من ثروة.. بل.. تراكمت ديون البنوك عليه حتى بلغت 6 مليارات جنيه.. لم يستطع سدادها والقفز عليها إلا بعد أن استولى على حديد الدخيلة.. وارتبط بجمال مبارك.. فأصبحت ثروته بقدرة قادر تتراوح ما بين 18 و28 مليار جنيه.
تخلص الوريث من أمين التنظيم القوى والمدرب فى السيطرة على الأغلبية وهى مهمة- صعبة- كمال الشاذلى ليشغل مكانه أحمد عز.. لكن.. أحمد عز لم يكن يملك من قدرات سلفه الشخصية والسياسية شيئا.. فعوض ذلك بالمال الذى راح ينفقه على النواب لضمان الولاء.
أكثر من ذلك كون أحمد عز شبكة من أمناء الحزب فى كل مكان على خريطة مصر وسلم لكل منهم تليفونا محمولا ليسهل الاتصال به.. وقدر العدد بنحو عشرة آلاف شخص.. شكلوا غرفة عمليات أدارت الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى فاز فيها الحزب الوطنى بأغلبية كاسحة لم تترك فرصة ولو ضئيلة للمعارضة تحت قبة البرلمان فانتقلت المعارضة إلى الشارع واستحدثت وسائل ساخنة للتعبير عن متاعبها.. مثل الاضرابات.. والاعتصامات.. والتظاهرات.. بجانب الانتحار علنا فى مياه النيل التى تحولت الكبارى المقامة عليه إلى مشانق للتخلص من الحياة الشاقة والمعذبة والمؤلمة.
لكن.. النظام الذى كان مطمئنا لقوته البوليسية لم يعبأ بالنحر الشعبى والتآكل السياسى الذى يتعرض إليه.. وخرج أحمد عز بتقرير وزعه على الصحف تحدث فيه عن عبقريته فى إدارة الانتخابات وفوز الحزب الوطنى بأغلبية لم يحققها من قبل.. وانتهز الإخوان الفرصة فراحوا يشاركون القوى الوطنية فى الحديث الصارخ عن التزوير.. مما منح الجماعة شرعية لم تكن لتحلم بها.. ساعدتها فيما بعد.. بعد ثورة يناير.. فى الاستيلاء على السلطة بدعوى أنها تمثل الفصيل الشعبى الأكبر.. كل ذلك بسبب عبقرية أحمد عز.
فى الكواليس طلب مدير المخابرات وقتها عمر سليمان من مبارك إلغاء الانتخابات.. وتسفير ابنه إلى خارج البلاد حتى ينسى الشعب جريمة التوريث.. لكن.. الرئيس الذى دفن نفسه فى أحزان وفاة حفيده لم يعبأ بالنصيحة التى تنقذ نظامه وطلب من عمر سليمان أن يجلس مع جمال مبارك وأحمد عز ويستمع إليهما.. وعندما جاء إليه راح أحمد عز يتحدث من جديد عن براعته فى إدارة الانتخابات.. وظل جمال مبارك صامتا.. على أن نهاية الجلسة لم تأت بنهاية للقصة.. فقد عاد أحمد عز إلى عمر سليمان ليقول له: «إنه عبد المأمور وكل ما فعل كان تنفيذا لمشيئة جمال مبارك».. وتلقى عمر سليمان الاعتراف دون تعليق.. لكنه.. قال لى فيما بعد: «إنه شعر بأن الخيانة المتبادلة سمة تلك المجموعة التى ساقت مصر إلى حتفها».
لقد كشف أحمد عز عن الدور الخفى لجمال مبارك وفى الوقت نفسه قرر جمال مبارك التخلص منه وإلقاء جثته فى عرض الطريق ليعطل ثورة يناير.
كان مبارك عائدا من رحلته الأخيرة للإمارات عندما انفرد جمال مبارك بزكريا عزمى وراحا يضعان كشفا بأسماء المسئولين الذين قرر النظام التضحية بهم ليعيش ولو على جثثهم.. وضمت القائمة أحمد المغربى وزهير جرانة وأحمد عز.. ولم تمر سوى عدة ساعات حتى وجد هؤلاء المسئولون أنفسهم أمام النيابة العامة.. حسب قاعدة «آخر خدمة الغز علقة».
لم يعرف أحمد عز سر انقلاب النظام عليه.. لكن.. كانت وجهة نظر النظام كما سمعتها فيما بعد من عمر سليمان أن أحمد عز كسب من وراء النظام ما لم يكن ليحلم به من ثروات طائلة.. فليدفع ثمنها من حريته ولو لسنوات يقضيها فى السجن.. فسوف يخرج بعدها مليارديرا.. ويعيش عيشة الملوك.
وكانت خطة التوريث التى شارك فيها أحمد عز ستنفذ فى بداية شهر مايو 2011 بأن يعلن مبارك أنه لن يترشح للرئاسة وتخرج جماهير الحزب الوطنى التى يسيطر عليها أمين التنظيم لتطالب بجمال رئيسا.. وخلال فترة انتقالية يكون فيها مبارك بمثابة الأب الروحى للبلاد تجرى عملية انتقال السلطة للوريث عبر انتخابات رئاسية محدد الفائز فيها سلفا.
لقد خرجت مؤخرا أصوات تنفى فساد نظام مبارك.. وهو أمر متوقع من شخصيات كسبت بالفساد الكثير وقت مبارك.. فبراءة مبارك براءة لها.
وخرجت أصوات تنكر التوريث.. وتنسب للشعب الغفلة أنه صدق تلك الخرافة.. وربما منهم أحمد عز نفسه.. لكن.. فاروق حسنى الذى شغل منصب وزير الثقافة لسنوات طوال خرج على قناة العربية ليؤكد أن التوريث حقيقة يصعب الطعن فيها.. شهد شاهد من أهلها.
قال فاروق حسنى: إن الفكرة بدأت عندما أصيب مبارك بوعكة صحية أثناء خطابه أمام مجلس الشعب فى نوفمبر 2003 واضطر مرافقوه إلى سحبه من القاعة لعلاجه يومها.. وساعتها كان السؤال المؤجل: ما الذى سيحدث لو توفى مبارك؟.
ويستطرد: إن مثل هذا السؤال كان ممنوعا من التداول ولا يمكن الحديث فيه.. لكن.. ثمة من كان يقف فى الظل استعدادا (للفوز بالسلطة) هو جمال ابن الرئيس.
وكان وراء كل هذه التدابير أحمد عز الذى يريد أن يعود إلى الحياة السياسية من جديد معتمدا على ضعف ذاكرتنا وربما على أمواله فى السيطرة على ما حوله والأهم الفراغ الحزبى الذى تعانى منه البلاد.
إن أحمد عز هو رمز للثورة المضادة التى لن تعدم وسيلة لإعادة النظام القديم ولو بشخصيات مختلفة.. تحقق مصالحها القديمة.. ولو بأساليب.. مبتكرة.. وربما ثورية.. فالذئب يمكن أن يتنكر فى ثياب الجدة العجوز كما فى حكاية ذات الرداء الأحمر.. وساعتها ربما نجد أنفسنا أمام اختيار ضيق بين أحمد عز ونجيب ساويرس.. وساعتها أيضا سنجد من يرى أن حكم الإخوان أفضل وأرحم.