لا يقتصر سفاح القربى، أي التحرّش الجنسي بالأولاد ضمن العائلة (Inceste)، على الإعتداء على جسد الولد فحسب، وإنما أيضاً قد يكون معنوياً كما يحصل عندما يقوم أحد الوالدين بإغراق الولد في أسراره الجنسية أو إقحامه في مشكلات الثنائي، إعتقاداً منه أن معرفته بمشكلات الثنائي قد تساعده على المستوى الشخصي، كما أنها قد تُجبر الشريك على مراجعة ما يحدث. ويكون التحرّش المعنوي أو الرمزي، بمثابة صدمة كبيرة بالنسبة الى الولد الذي لا يكون واعياً وناضجاً بما فيه الكفاية للتعامل مع مشكلات الكبار، وهو أمر يعوّق نموه وتطوّره النفسي. يعتقد الكثيرون أن التحرّش لا يعنيهم وغير موجود في تاريخ عائلتهم، ولكن هذا الأمر غير صحيح. فالتحرّش ومفاعيله لا يقتصران على الجانب الجسدي فقط، والطفل الذي يعيش في جو مماثل، لا تُحترم فيه الحدود الطبيعية بين الأجيال إذ يجبر فيه على الإستماع إلى مشكلات الثنائي الذي يشكّله والداه أو حيث يكون الولد سنداً عاطفياً لأحدهما، يتعرّض تطوّره ونموّه النفسي للإرباك والخلل. وتصرفات كهذه هي في الواقع عبارة عن تحرش معنوي أو رمزي. الوالدان الفاشلان اللذان ينتهكان النمو النفسي والعاطفي للطفل، لا يدركان أنهما بذلك يدمّران حياته الحميمية وخصوصيته ويربكان تكامله كفرد له كيانه المستقلّ من خلال الكلام اللاذع. التحرّش الرمزي ليس حركات حسّية أو إعتداءات جسدية على الولد كما هي الحال بالنسبة الى التحرّش الجسدي وإنما هو إعتداء معنوي غير واضح المعالم وغير ملموس؛ هو إختراق للحميميّة النفسيّة للطفل من خلال كلمات وعبارات أو مناخ أو بيئة لا يُحترم فيها الولد كشخصية فردية بل يُستغلّ لحل مشكلات الثنائي، إن على الصعيد العاطفي أو الجنسي أو حتى التواصلي. في هذه الحالة، نتحدّث عن أهل يسرقون طفولة أولادهم من حيث لا يدرون ويطلبون منهم أن يلعبوا دور الوالدين وأن يكونوا كاتمي أسرارهما وبأن يقوموا بحلّ مشكلات الثنائي بدلاً منهما.
إعتداء نفسي! في ما يلي نستعرض بعض العناصر الأساسية الشائعة في حالات الإعتداء على النمو النفسي السليم للطفل:
¶ الإلتباس في المواقع وتبادل الأدوار والتداخل بين الأجيال: الولد هو طفل وهو ليس بالصديق الحميم لأحد الوالدين أو لكليهما، والإصغاء لأسرارهما يخرج عن دوره الطبيعي فهو لا يملك القدرات النفسية للتعامل مع أسرار والديه وإدارتها. ¶ الشكوى والتذمّر من الشريك الآخر وإستغلال عامل التشابه في التهديد والإبتزاز: عند وقوع مشكلة بين الثنائي، غالباً ما نلاحظ أن أحد الوالدين يبوح للطفل بأسراره ويشكو إليه الشريك الآخر إلى حد إعطائه صورة سلبية عنه ووصفه بالشيطاني وهو أمر سلبي للغاية وكارثي. إذ أن إعطاء الولد صور سلبية عن أحد والديه يزعزع قدراته وإمكاناته النفسية الضرورية لتأسيس ذاته ويحرمه من نموذج صحي يحتذي لكي يؤسس بدوره ثنائياً وحياة جنسية خاصة به عندما يصبح راشداً. الولد ليس المعالج النفسي لوالديه. ¶ إستخدام الولد لسدّ حاجات عاطفية لأحد الوالدين وذلك من خلال إبتزازه عاطفياً: - لحسن الحظ، أنك موجود... - ماذا كنت لأفعل من دونكم يا أولادي...؟ إلخ. تحميل الولد الذي لا يملك الوسائل والإمكانات الكافية مسؤوليات لا علاقة له بها في الأساس وليس من المفترض به تحمّلها، ووضعه في موقع المنقذ لثنائي والديه، أو لسعادة أحدهما. هذا كلّه يعني حرمانه من المسار الطبيعي لطفولته ليتمكن من الدخول في سن الرشد بشكلٍ طبيعي. - أنت صورة طبق الأصل عن والدك (أو والدتك)... هذه العبارة هي دليل على عدم نضج الأهل. عندما يجد الولد نفسه في مواجهة مثل هذه العبارات القاسية على حياته النفسية، يضطر عندها إلى التعامل مع مشكلات والداه العاطفية، يكون الفشل الحتمي مصير مستقبله النفسي والعاطفي. وهذه هي النتيجة الطبيعية للإلتباس وتبادل الأدوار بين الأجيال وتداخلها.
دعم مادي في يومنا هذا، من النادر أن نجد عائلات تطلب الدعم المادي من أولادها في بداية حياتهم العملية. ولكن البعض منهم يجد من الطبيعي القول انه يعتمد على أولاده في شيخوخته. ما زالت تتردد على مسامعنا عبارات: ¶ لو لم يكن لدي أطفال، لكانت حياتي مختفلة... ¶ تذكروا بأني كرّست حياتي لأجلكم ولتربيتكم كي تكبروا... مثل هذا الدين والعبء ليس سوى أحد جوانب الإعتداء على نفسية الولد، وهو أمر شائع في مجتمعنا حيث نحمّل الولد مبكّراً مسؤولية المشكلات التي يعانيها الأهل. وكما لو أن ذلك لا يكفي، غالباً ما يتزامن هذا الأمر مع تأكيدات بأن الولد هو الوحيد الذي يتوجّب عليه أن يكون موجوداً لمساعدة أهله عندما يتقدمان في السن.
ماذا عن الحلول؟ ثمة حلول لحالات الإعتداء على النمو النفسي السليم للطفل؛ وأولها أخذ هذه الحالات من الإغتصاب الرمزي على إختلاف أشكاله على محمل الجد من الأهل، وخصوصاً أولئك الذين تعايشوا مع إبتزازات مماثلة في طفولتهم. كذلك عليهم إعادة تشكيل النموذج الصحي في العلاقة بين الأجيال وتفادي تبادل الأدوار. وعلى الأهل التخلّص من عقد الذنب والخروج من مثلث "الضحية – الجلاد – المنقذ" الذي يميل الولد إلى إعادة الدخول فيه عند وصوله إلى سن الرشد، وذلك من خلال وضع حدود واضحة المعالم مع الأب أو الأم ذوي التأثير السيئ، والخروج من لعبة الإبتزاز العاطفي المدمرة التي يفرضها غالباً الأهل غير الناضجين وغير المسؤولين على الولد الذي أصبح راشداً.