رصدنا اتصالات بين المجلس العسكرى واللجنة العليا للانتخابات، تؤكد أن المجلس العسكرى تدخل لاستبعاد بعض المرشحين».. ربما كانت هذه الجملة، التى جاءت على لسان خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والمستبعد من انتخابات الرئاسة، أكثر من مجرد جملة عابرة، فشخص فى الأهمية التنظيمية له، لا يمكن أن يلقى «كلمات عابرة»، أو زلة لسان.. هى بالتأكيد تصريحات ملغومة، ومباغتة، ومتعمدة، خرجت من الرجل الأقوى داخل الجماعة، فى توقيت شديد الدقة للعلاقة بين الإخوان والمجلس العسكرى. والجملة بقدر ما بها من غموض، بقدر ما تثير علامات استفهام وتعجب، حول ما يمكن أن يكون لدى الجماعة بالفعل من إمكانيات تكنولوجية، تمكنهم من الوصول لدرجة رصد اتصالات بين المجلس العسكرى واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، حسب التعبير الأمنى الذى استخدمه الشاطر. يرى العديد من المراقبين أن الشاطر ألقى قنبلته فى الهواء، لينشغل الجميع بما فيها من «بهارات»، وبالحديث عن سيناريوهات وأدوات الرصد والاستخبارات الإخوانية، فيما تكمن الخطورة الأكبر فى الترويج لأن الإخوان موجودون فى كل مكان»، فالشاطر يدشن بهذا التصريح فصلا جديدا فى اللعبة مع المجلس العسكرى، بإعلانه أن الجماعة هى الند الواضح له، الذى يمتلك أدوات النفوذ والسيطرة، بحيث تمكنت من اختراق اتصالات المجلس العسكرى نفسه، رغم أنها مازالت خارج دائرة السلطة. بالتأكيد ما جاء لسان الشاطر، هو محاولة واضحة، لتأكيد قدرة الجماعة على السيطرة، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار حصول الجماعة من خلال الاتصالات المختلفة مع الغرب، على الضوء الأخضر، الذى يؤكد أنه لا يوجد ما يمنع وصولها للحكم، والقبول بإمكانية تكرار نفوذ حماس فى غزة، مع تطويره، بشرط أن يمتلكوا بالفعل أدوات القوة والسيطرة والمعلومات أيضا، بما يمكنهم من السيطرة على الدولة، وهو ما يبدو أنه أغرى الجماعة، ودفعها لاتخاذ القرار بخوض انتخابات الرئاسة، كسيناريو للحسم السريع، وإدراكا منها بأن الطرف الرابح فى انتخابات الرئاسة القادمة، سيكون هو الفائز فى لعبة السيطرة على مقاليد الدولة برمتها. ويتناغم مع سيناريو الحسم السريع، الحملة الدعائية غير المسبوقة التى تديرها قيادات الجماعة، فى صفوف القواعد، والتى تتناقل حاليا السر التنظيمى الأخطر، على خلفية إطلاق الشاطر تصريحاته الساخنة، ويشير هذا السر إلى أن نجاح الإخوان فى رصد اتصالات المجلس العسكرى، كان بفضل أحد جنرالات المجلس العسكرى نفسه، والمقرب من قيادات الجماعة، والذى نقل إليهم تفاصيل هذه الاتصالات، كما ينقل لهم أيضا تفاصيل الاجتماعات السرية فى منزل المشير مع رموز سياسية. ويستبعد الباحث عبدالرحيم على، مدير المركز العربى للبحوث والدراسات، هذه الرواية تماما، معتبرا أن ما قاله الشاطر ما هو إلا «فلتة لسان كبرى»، نتيجة الصفعة التى تلقاها، بطرده من سباق الانتخابات الرئاسية، والتى أفقدته توازنه، فى سقطة إعلامية فادحة، كشفت عن أخطر صفقة مالية استخباراتية عقدتها جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة، والتى كان الشاطر هو مهندسها الحقيقى. يشير على إلى أن الجماعة فى جميع مراحلها التاريخية لم تحذف من أدبياتها الفكرية، أو تتخلى فى هياكلها الإدارية، عن التنظيم السرى بفرعيه، الاستخباراتى والعسكرى، مضيفا أن جماعة الإخوان المسلمين حصلت خلال الشهور التالية للثورة، على شحنة من أخطر أجهزة التجسس والتنصت فى العالم، من حماس و إيران، وهى النوعية ذاتها التى يستخدمها الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله فى لبنان، بالإضافة إلى «كميات من الأسلحة المتقدمة جدا، وكذلك الأموال التى وصلت إليها عبر المياه الإقليمية فى البحر الأحمر، بنفس الطريقة السابقة التى وصلت إليها كميات هائلة من الأموال، تتجاوز 200 مليون دولار، وهو الأسلوب الشهير المتبع عادة فى تمويل حماس، عن طريق إلقاء أجولة بلاستيكية بها الأسلحة والأموال». ويوضح على أن الجماعة تحاول استباق أى خطوة انقلاب شامل من المجلس العسكرى، أو أجهزة الأمن، ضدها، على طريقة سيناريو 1954، وهو ما يتناغم مع التهديدات المتصاعدة من قيادات الجماعة، فى صدامها مع المجلس العسكرى، مضيفا أن الجماعة بدأت بالفعل فى استخدام أجهزة التنصت والتجسس الواردة إليها، لرصد تحركات وأخبار وخطط القوى السياسية الأخرى، وكانت الأولوية فى الشريحة الأولى المستهدفة، حلفاءها من السلفيين، وهو ما يفسر، من وجهة نظر عبدالرحيم على، حالة الارتباك فى مواقف القيادات السلفية حيال الجماعة، بالإضافة إلى مراقبة بعض الرموز الليبرالية، «فيما يضع مليون علامة استفهام حول بعض التسريبات التى حدثت حول بعض الشخصيات السياسية، والتى كانت أصابع الإخوان الخفية تقف وراءها». ويؤكد استعانة الجماعة بكوادر مدربة من حركة حماس، لتدريب أعضائها على أجهزة التجسس، فى ظل الغياب الكامل لجهاز الأمن الوطنى، مضيفا أن الشاطر عقد أخطر صفقة أمنية مع اللواء حامد عبدالله، أول رئيس لقطاع الأمن الوطنى، الذى لم يكن متبقيا له وقتها، سوى 4 أشهر قبل الخروج إلى المعاش، وهو ما دفعه لتقديم «خدمة العمر» للجماعة، اعتقادا منه أن الإخوان هم «القادمون إلى الحكم»، وهو ما مكن الشاطر من دخول الجهاز من جديد، ليس للتحقيق معه هذه المرة، لكن للمشاركة فى تصفية ضباط أمن الدولة المنحل، الذين تقاعدوا ضمن إجراءات إعادة هيكلة الجهاز. وبحسب على، فقد شارك الشاطر فى هيكلة قطاع الأمن الوطنى، فيما كانت تعرض عليه كشوف بأسماء ضباط الأمن الوطنى الجديد على مستوى الجمهورية، وبالفعل نجح الشاطر فى التخلص من الكوادر الأمنية التى تمتلك خبرة كبيرة فى التعامل مع الملف الإخوانى، حيث تم التخلص من وكيل الجهاز، ورئيس المجموعة، وعدد من القيادات المتخصصة، بالإضافة إلى أنه كان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى فصل واستبعاد كل ضابط يحمل تاريخا فى استهداف الإخوان، بعد إجراء المكاتب الإدارية فى المحافظات، مسحا شاملا بأسماء الضباط، ووضع قوائم سوداء بها، لرفعها إلى الشاطر. وبهذه الطريقة، نجح الإخوان بعد الثورة فى تحويل جهاز الأمن الوطنى، إلى جهاز أمنى «أليف»، حسبما يقول عبدالرحيم على، حيث يكفل لهم الجهاز عمل التنظيم بمنتهى الحرية، وبعيد عن أى رقابة أمنية، خاصة أن التهديد الإخوانى لقيادات جهاز الأمن الوطنى الجديد، كان واضحاً وصريحاً ومباشرا أيضا، عندما قال أحد أعضائها «إذا لمحنا أو سمعنا أو ثبت لنا، أن الجهاز يراقب أى اجتماع أو مؤتمر، أو حتى تحركات ومظاهرات أفراد الجماعة فى التحرير، فنحن قادرون على إقالة وزير الداخلية نفسه». وبالإضافة للنجاح الإخوانى فى ترويض «الأمن الوطنى»، الذى كفل للجماعة حرية الحركة، تمتلك الجماعة عنصرا آخر للقوة المعلوماتية، وهو استخدام العقيدة الإخوانية المقدسة، التى تحول عضو الجماعة أيا كان موقعه فى الحياة، إلى كائن يختصر كل حياته لخدمة التنظيم - تجميل صورة الإخوان، وحشد الأصوات لها، والتعبئة للمظاهرات- وهو ما يحول كل عضو فى الجماعة، إلى جهاز مخابرات مستقل، أيا كان موقعه، وبذلك يرصد العنصر الإخوانى أى معلومة غريبة عنه، أو أى تحرك غير مفهوم، ويرفعه إلى القيادة المباشرة فورا، لتصب فى النهاية لدى لجنة «الرصد والتحليل»، التى تعتبر أخطر لجان تحليل المعلومات فى الجماعة، والتى تتولى أيضا مهمة رصد التصريحات وتحليلها، للوصول إلى نتيجة يتم رفعها إلى صناع القرار فى الجماعة. ومؤخرا، دخلت الجماعة مرحلة جديدة فى جمع المعلومات، بالتجسس على القوى السياسية والأحزاب، وهى استراتيجية يعود عمرها إلى نشاة الجماعة على يد حسن البنا، الذى أدمن زرع كوادر الإخوان فى الأحزاب الأخرى، حتى أن أحمد حسين مؤسس حزب مصر الفتاة، لم يكتشف إن سكرتيره الشخصى إخوانى، إلا بعد القبض عليه مع أعضاء الجماعة فى الأربعينيات. ويتقن الإخوان استغلال الخلافات التنظيمية والصراعات الداخلية فى الأحزاب والقوى السياسية، كوسيلة لجمع المعلومات، والوقوف على ما يحدث فى الكواليس، وكانت هذه واحدة من أهم وسائل جمع المعلومات عما يدور داخل الحزب الوطنى قبل الثورة، كما حدث فى الانتخابات البرلمانية بالإسكندرية، عندما تحالف المحافظ الأسبق محمد عبدالسلام المحجوب ومحمد سعيد الدقاق، أمين عام الحزب فى المحافظة، مع الإخوان، لإنجاح المرشح المستقل على سيف، وإسقاط مرشح الحزب محمد عبداللاه، فى دائرة المنتزه. الحقيقة أن الجماعة نجحت خلال السنوات الماضية، فى تدريب كوادرها أمنيا على أعلى مستوى، حيث تلقوا «دورات أمنية» شاملة، داخل الجماعة على مدار عقود طويلة، وهى كانت تساعدهم على الهروب من القبضة الحديدية لأمن الدولة، بداية من التدريب على كشف مراقبة التليفون الأرضى أو «الموبايل»، ووصولا إلى الإجراءات الاحتياطية، قبل حضور أى اجتماع تنظيمى مهم، بعدم ارتداء ملابس تلفت الأنظار، وتغيير المواصلات أكثر من مرة إلى مناطق ليس لها أية علاقة فى العادة بالجهة الأصلية، التى سيعقد فيها الاجتماع، للهروب من المراقبة والتتبع الأمنى