بوضوح: الكثير مما يصرح به المسئولون يحمل قدراً كبيراً من التعجل.. وقد يؤدى لإهدار أموال بالمليارات
■ حسب الله الكفراوى نقل وزارات الخدمات إلى مدينة السادات ليتعامل معها سكان الدلتا والصعيد دون أن يدخلوا القاهرة.. ومبارك أوقف الفكرة بعد تنفيذها ■ عاصمة جديدة فى السخنة ستكون امتدادًا للعاصمة القديمة يستفيد من الأراضى بينهما سماسرة العقارات
■اليابانيون وقعوا بروتوكولاً لتنفيذه لكنهم تراجعوا عن المشروع واتجهوا إلى جبل على هرباً من شلة جمال مبارك ■ مذكرة على مكتب الرئيس: مكتب دار الهندسة الفائز بمحور القناة يمتلكه فلسطينيون شركاء لمقاولات بن لادن ويشرفون على مشروع منافس فى السعودية
هناك هواية حكومية أصيلة ورثتها البيروقراطية من الكاتب الفرعونى الجالس القرفصاء.. أن تعطى ظهرها لكل من سبقها فى السلطة.. وتدفن ما فعل فى الأرشيف ولو كان مفيدا.. إن العقدة القومية التى تحكمنا.. اسمها «البداية من الصفر».. وليذهب ما أنفق من جهد ومال إلى البالوعات
خبر قديم: خريطة جديدة لمصر مكونة من ستة أقاليم
عندما التقى أنور السادات بالرئيس الأمريكى جيرالد فورد فوجئ به يقول: «لم أصدق أنكم فى مصر تعيشون على شريط ضيق من الأرض على ضفاف النيل لا يزيد على أربعة فى المئة تاركين النسبة الهائلة من المساحة فارغة من البشر والحياة».
على الفور استدعى السادات وزير التعمير حسب الله الكفراوى وكلفه برسم خريطة جديدة لمصر.
فى عام 1977 كوّن الكفراوى لجنة عليا من أفضل الخبراء.. سميت باللجنة الاستشارية للتعمير.. ضمت الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن (أصبح وزيرا للتخطيط).. والدكتور حسن إسماعيل (تولى رئاسة جامعة القاهرة) وعثمان بدراوى (اصبح وزيرا للزراعة).. وإبراهيم نجيب وزير (تولى وزارة السياحة).. والدكتور على الجريتلى (تولى وزارة المالية ).. والدكتور رشدى سعيد (رئيس هيئة المساحة الجيولوجية وأفضل من درس الجغرافية المصرية).. والدكتور مصطفى الجبلى (متخصص فى استصلاح الأراضى).. والمهندس سليمان عبدالحى الذى يعد من أفضل وزراء النقل.. وغيرهم.
لم تكلف اللجنة الحكومة أكثر من ثمن المشروبات الخفيفة.. ورفض أعضاؤها تقاضى بدل الاجتماعات.. فقد كانوا يعتبرون أنفسهم فى مهمة قومية.. كما أنهم فضلوا العمل فى صمت بعيدا عن الزهو بالكلمات أمام أجهزة الإعلام.
انتهت الاجتماعات بحجم هائل من الدراسات العلمية الجادة والأمينة لخصها الكفراوى فى تقرير من 25 صفحة عرضه على السادات.. وحسب ذلك التقرير.. قسمت مصر إلى 6 أقاليم: سيناء.. محور قناة السويس.. البحر الأحمر.. بحيرة السد العالى.. الوادى الجديد.. الساحل الشمالى.. بجانب الدلتا.. والصعيد.
اليابانيون وقعوا بروتوكول محور القناة ورجال جمال مبارك أفسدوه!
ونلاحظ هنا.. ظهور «محور قناة السويس» للمرة الأولى.. فالمشروع قديم.. بل.. أكثر من ذلك تقدمت وزارة التعمير فى دراسته بأن أرسلت بعثات متخصصة إلى سنغافور وهونج كونج واليابان لمزيد من الدقة فى تحديد الأهداف والتوصل إلى أفضل النتائج.
بل إن الدولة بعد تولى مبارك الحكم سعت إلى تنفيذ المشروع على أرض الواقع بأن وقعت بروتوكولا مع حكومة اليابان لتمويله بقرض حكومى يسدد على 40 سنة.. بفترة سماح 10 سنوات.. وبفائدة 3, 1 فى المئة.. ولكن.. حدثت مفاجأة سيئة أفسدت المشروع تماما.
كان الكفراوى قد دعا نحو 400 خبير يابانى يمثلون تخصصات مختلفة إلى القاهرة ليسافروا بعدها إلى منطقة القناة ليبدأوا الدراسات الاستشكافية الأولية.. ونزل الوفد فى فندق هيلتون رمسيس.. وجهزت طائرات هيلكوبتر وأتوبيسات سياحية لتكون فى خدمته.. وخلال حفل الاستقبال الذى أقيم ليلة السفر فى نفس الفندق فوجئ الكفراوى بدخول المستشار السياسى للرئيس الدكتور أسامة الباز برفقة صديقه رجل الأعمال إبراهيم كامل.. وتسابق إبراهيم كامل ووراءه جمال مبارك على الحصول على توكيلات الشركات الأجنبية التى ستعمل فى المحور.. وكانت النتيجة انسحاب اليابانيين.. وخرجوا من مصر إلى جبل على.. منطقة التجارة والصناعة الحرة فى دبى.
ودون العودة إلى ما فى أرشيف وزارة التعمير من دراسات عملية وعلمية يمكن تحديثها بدأ الحديث عن محور قناة السويس من جديد ليصبح المشروع حلما لكل من حكم مصر فيما بعد.
لكن.. الحلم لم يخل من مجموعة المصالح التى ترى أنها الوحيدة الأحق بكل ما فى مصر من ثروات.
لقد حاولت جماعة الرئيس الإخوانى محمد مرسى أن ترهن القناة بسندات تسدد بها ما تقترض من قطر وتركيا وباقى دول التنظيم الدولى.. لتعيد من جديد احتلال القناة.. وتفرض سيطرة القوى الخارجية عليها.
وبعيدا عن النبش والهبش يتلخص المحور فى ثلاث مناطق للتنمية الاقتصادية.. منطقة لخدمات السفن (18 ألف سفينة عابرة فى السنة بجانب 4 آلاف سفينة تدخل بورسعيد أو السويس فقط) تقدم لها كل ما تحتاج من رعاية وصيانة.. ومنطقة تقسم مشروعات صناعية للتصدير وتتمتع بإعفاءات جمركية وضريبية.. ومنطقة ثالثة لوجستيكية لتخزين المواد المؤثرة فى التجارة العالمية لتقدمها لمن يحتاجها بسرعة مناسبة.
ويكفى للتدليل على أهمية المشروع أن المرحلة الأولى منه تتكلف 50 مليار جنيه حسب ما أعلن وزير التخطيط أشرف العربى مؤخرا.
شكاوى على مكتب الرئيس: الفائز بالمحور فلسطينى شريك بن لادن وينفذ مشروعا منافسا
وطرحت هيئة قناة السويس كراسة شروط توجب تخطيطا اقتصاديا.. وتسويقا استثماريا.. ودعاية للمشروع.. واشترطت الاستعانة بخبرات أجنبية.
وتقدمت تسعة مكاتب استشارية فى 10 إبريل الماضى.. وفاز مكتب دار الهندسة بالمحور بتقييم فنى (86%) بينما حصلت الثلاثة مكاتب التالية على (80%) بفارق لا يزيد على (8%).. وهو فارق ضئيل.. ويرى المنافسون أنهم يتمتعون بسوابق خبرة فى هذا النوع من المشروعات الخاصة بالتنمية الاقتصادية والتسويق الاستثمارى لا يتمتع بها المكتب الفائز.
وأضاف بعضهم فى مذكرة رفعت لرئيس هيئة القناة مهاب مميش أرسلت صورة منها إلى رئاسة الجمهورية: إن من غير المعقول فى الأعمال الاستشارية المتخصصة «أن يكون الأعلى فنيا هو أقل الأسعار ماليا لأن الوصول إلى مستوى فنى عال يحتاج إلى توظيف كفاءات نادرة ووقت مناسب وهذا يرفع التكلفة.. وهذا يتنافى مع المكتب الفائز إذ إن سعره هو الأقل ويصل عرضه إلى نصف عروض المكاتب الأخرى «مما جعل الخبراء يؤكدون أنه لا يمكنه مطلقا تنفيذ ما هو مطلوب طبقا لكراسة الشروط والمواصفات بالتقنية المهنية العالية».
وفى المذكرة نفسها: إن المكتب الفائز يمتلكه فلسطينيون (عائلة الشاعر المقيمة فى الأردن) وهو مكتب فرعى لشركة أجنبية ما يتعارض مع الشروط التى وضعتها نقابة المهندسين لعمل المكاتب الاستشارية.. ولو صح ذلك فإن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر.. ولو كان فوز المكتب أمرا قانونيا فليعلن ذلك من باب الشفافية.
ولاحظ المنافسون أن الهيئة تركت مهمة التقييم الفنى للبنك الدولى، وهو جهة غير متخصصة فى مثل هذه المهام فكان أن اختار البنك الدولى شركة فرنسية لتتولى المهمة نيابة عنه دون الكشف عن السبب أو تبرير اختيارها وحدها.. «وكان من الواجب الإعلان عن اسم المكتب وسبب اختياره وسوابق أعماله ومن دفع أتعابه؟ لتحقيق الشفافية أيضا».. ولاحظوا أيضا أن موعد فتح المظاريف تأجل شهرا عن الموعد الذى يحدده القانون وهو فتح المظاريف فى يوم تسلمها.. وقد سلمت المظاريف فى 10 إبريل وفتحت فى 8 مايو التالى.. مما يعنى أن المستندات غابت شهرا كاملا بدون دراسة من قبل لجنة التقييم.. فأين كانت المستندات طوال هذه المدة؟.. وهل هناك شركات تقدمت بعد الوقت المحدد؟.
ولحقت بالمذكرة التى رفعت للجهات العليا مذكرة أخرى تشير إلى أن شركة مقاولات بن لادن تمتلك 40% من مكتب دار الهندسة.. ولو صح ذلك فإنه يمثل نوعا من تضارب المصالح بين مكتب استشارى يشرف ويراقب ومقاول ينفذ.. لكن.. الأخطر أن دار الهندسة هى المكتب الاستشارى لمشروع ميناء الملك عبدالله وهو مشروع منافس لمشروع محور القناة مما قد يفسر قبولها مشروع القناة بنصف التكلفة.. فهل سيقدر دار الهندسة على أن يحمل فى جوفه قلبين؟.. أم سينحاز إلى شركة بن لادن (شريكته وشريكة شركة هوتا المقاول الرئيسى لميناء الملك عبدالله)؟.
باختصار هناك شكوك من قبل المنافسين يجب حسمها حتى لا تنتقل هذه الشكوك إلى الرأى العام فيفقد الثقة فى مشروع يعلق عليه الكثير من الآمال والطموحات.. خاصة أننى فى نظام لا يتردد فى الصراحة والمكاشفة.. ويرفض أن يكرر أخطاء النظم التى سبقته.
عاصمة جديدة فى السخنة فرصة ماسية لديناصورات تسقيع الأراضى وفى أرشيف وزارة الإسكان والتعمير أيضا ملفات ودراسات كاملة عن نقل العاصمة.. لا بد من الرجوع إليها قبل التسرع بالإعلان عن عاصمة جديدة بالقرب من العين السخنة.
لقد اختيرت مدينة السادات لنقل الوزارات الخدمية إليها على أن تبقى القاهرة العاصمة السيادية (فيها الرئاسة والبرلمان ووزارات الخارجية والداخلية والعدل والدفاع).. جرى اختيار مدينة السادات لأنها تقع فى وسط الدلتا وقريبة من معظم سكانها.. كما تم شق طريق بينها وبين أسوان.. ما يعنى أن أصحاب الخدمات لن يدخلوا القاهرة الكبرى فيخففوا الضغط عليها.
وتحمس السادات للفكرة.. وبدأ حسب الله الكفراوى فى تنفيذها.. وبنيت بالفعل مبانى عدة وزارات.. ولكن.. توفى السادات.. وتراجع مبارك عنها.. ولو بنيت عاصمة جديدة حسب ما أعلنت حكومة المهندس إبراهيم محلب فى طريق السويس فإنها ستكون امتدادا للقاهرة وليست مدينة مستقلة عنها.. ما يعنى أن مساحات الأرض التى تقع بين القاهرة والعاصمة الجديدة ستكون أرض بناء يرتفع سعرها ويستفيد منها ديناصورات التجمعات السكنية الذين كسبوا المليارات من قبل بالمضاربة على الأراضى فى كل شبر على أرض مصر.
ويبدو للخبراء أن ما تصرح به الحكومة يحمل الكثير من التعجل قد يؤدى إلى إهدار أموال بالمليارات نحتاج إليها فى هذه الظروف الصعبة.
مثلا: أعلنت الحكومة عن مدينة مليونية فى العلمين دون أن تحدد مكوناتها الاقتصادية أو تحدد فرص العمل الجاذبة لسكان جدد أو تدرب أجيالا جديدة من الحرفيين على أعمال الصيانة التى تحتاجها القرى السياحية القريبة أو تدربهم على العمل فى مجالات السياحة.
ونأتى إلى العقدة المزمنة التى خلقها مشروع توشكى.
وهو قصة أخرى لا تحتاج لزيارة خاطفة لرئيس الحكومة وإنما تحتاج إلى لجنة فنية مسئولة عن قراراتها حتى لا نفتح بالوعة مليارات سدت بعد أن أفلست حكومة الجنزورى وما بعدها.