إستمتعت كثيرا بحوار المشير السيسي مع الإعلامية السورية المحترمة زينة اليازجى على قناة سكاى نيوز..وهو الحوار الذى قد رفع كثيرا من أسهم السيسي لدى المواطن المصرى المتعلم الواعى وأفسح مجال جيد له ليفصح عن خططه المستقبلية ومواقفه من كل الدول التى دعمت مصر والتى عادتها.. وعلى الرغم من أن المشير السيسي سبق وقام بعمل أكثر من حوار على الشاشات المصرية إلا أن هذا الحوار بالذات نقله إلى مكان آخر فى قلوب الناس.. لميتمسؤالالمرشحالرئاسيعنعلاقتهبزوجتهواللونالذىيفضلهونوع العمل الذى يمارسه أولاده ولا فريقالكرة الذىيشجعه!..وهىربما قدتكونأسئلةتهُم البعض..ولكنهادونشكلاتهُمالناخبالذىيحاولأنيقتحمرأسمُرشحهليطلععلىأفكارهفيستطيعأنيحددإذاماكانيستحقبحقأنيُعطيهصوته.. فقد كانت أسئلة الحوار منتقاة بعناية..فهى موجهة، محددة، لها مغزى ومدلول واضح..وكانت المذيعة بكل حرفية الإعلامى الذى يعى قيمة ما يقدمه، مذيعة لا تقاطع ضيفها ولا تستدرجه رغما عنه إلى طريق فرعى..مذيعة تعرف جيدا كيف تجلس بإحترام وتتحدث بإحترام وتقاطع إذا إضطرت بإحترام..أى تجيد فن الإستماع والتحدث.. كانت هذه هى زينة اليازجى المذيعة السورية التى تخرجت من الجامعة الأمريكية اللبنانية ببيروت وعملت كمراسلة صحفية فيمكاتبرويترزووكالةأسوشيتدبرس،ثممراسلةلسيإنبيسي فى سوريا..فشربت أصول المهنة وأتقنتها بمهارة تُحسد عليها. وهى المذيعة التى لم تخرج عن مهنيتها أبدا طوال فترة عملها، ولم تنزلق فى هوة التراشق بالألفاظ ولا الإنحياز الإعلامى الذى تعودناه على شاشاتنا المصرية..ولا يمكن أن ننسى كيف تعاملت بكل هدوء وإتزان مع سؤال وزير الإعلام المبتذل صلاح عبد المقصود..والذى قال لها مُتحرشا بعد محاولات فاشلة للسيطرة على أعصابه أمام جمال المذيعة الهادئ: "ياريتاسئلتكماتبقاشزيكسخنة "!.. وخرجت هى وعلى عكس ما توقع الجميع تتلمس له العذر وتقول: عله قد أساء التعبير!. لقد خرجنا من الحوار مع المشير السيسي بعدة ثوابت لا يمكن إنكارها.. أولهما: أن المشير السيسي رجل يمتلك القوة الناعمة..فهو يتحدث بهدوء ولا يبدأ بالعداء..لكنه لن ينسى إساءة وجهت إلى مصر ولن يفرط فى شبر من أرضها أبدا.. هو رجل دولة بلا شك، يمتلك القوة لإدارة المرحلة بل ويمتلك حُلما وحبا صادقا لوطنه..الولاء هو عنوان كلماته..والبناء هو عنوان برنامجه الإنتخابى.. وثانيهما: أن الإعلام هو الأداة الأقوى فى توثيق أى مرحلة والثورات تحتاج دعما بشريا من الشارع وهذا لا يتم سوى بإعلام قادر على التواصل مع الناسعلى كل المستويات.. ويستوقفنى هنا ما قدمه الإعلام المصرى على مدار الثلاث سنوات الماضية فيما سُمى بمرحلة ما بعد الثورة..فلو إستطعنا القول بأن الشعوب لا تحقق أهداف ثوراتها إلا بدعم قوى من نُخبتها لوجدنا أن هذه المقولة صحيحة مائة بالمائة فى كل العالم إلا فى حالة الثورة المصرية..فقد تسببت نُخبتها فى نكبتها!.. تعودنا قبل الثورة أن الإعلام المصرى كان فى أغلب الوقت إعلام موجه لدعم النظام ورؤوسه وحكومته!..بإستثناء القلة القليلة الشجاعة التى كانت قادرة على الصُراخ فى وجه النظام الحاكم على الشاشة ومن خلفها!..ولأن لكل قاعدة إستثناء..فيجب أن أشيد بمجموعة أخرى قد تُشكل حقا قلة ولكنها موجودة، كانت لديها الشجاعة والقوة والمصالحة مع النفس لتهاجم وتطرح الحلول أيام نظام مبارك، ونظام مرسي من بعده، تلك المجموعة لم تلتفت إلى مميزات ولا مصالح ولا مناصب وستبقى دوما رمز للإعلام المُحايد القادر على إحداث تغيير..لأنهم كانوا وسيبقون وجه إعلامى مُشرف لمصر لا يقل فى دوره وأهميته عن الإعلام الغربي.. وعلى الصعيد الآخر..هناك مجموعة من المطبلاتية الهتيفة المجعجعاتية، الذين لا يكفون عن الصُراخ على الشاشات كل ليلة ثم يذهبون للعشاء فى المساء مع من كانوا يهاجمونهم! مثل عاصرى الليمون الذين ساندوا الأخوان وأكلوا على موائدهم للعيش فى المرحلة بسلام..تلك المجموعة هى المجموعة التى عاشت عبر كل العصور والأزمنة (مجموعة ولا مستر إكس ما بتموتش أبدا)!.. الحقيقة أن هناك مجموعة تخاف على مصر ومجموعة تخاف على مصالحها ومجموعة تخاف من البطش ومجموعة لا تخاف إلا الله!.. لقد تحولت شاشة القنوات الفضائية إلى سوق لا يبعد كثيرا فى مظهره عن سوق العبور للفاكهة والخضار! الكل يطرح بضاعته والشاطر من ينادى عليها بصوت أعلى، فيخطف الأنظار ويصبح مطلوبا بين القنوات!. تحول الإعلام وبكل أسف على يد مجموعة ليست بهينة إلى مسابقة مُباح فيها الغش والتدليس والنفاق وإستخدام الألاعيب (المهم مين يكسب!).. كيف نُقارن مرحلة وقت كان التلفزيون المصرى هو المدرسة الكبرى لكل إعلاميين الشرق الأوسط..وكان جامعة لتخريج مذيعين لهم ثقلهم ووزنهم فى العالم العربي..فأنجب فطاحل مثل سلوى حجازى وليلى رستم ومحمود سلطان وآمال العمدة وغيرهم.. هؤلاء هم مذيعون ومذيعات لم يعتمدوا على الجمال ولا الوسايط ولا علاقات لتبادل المنافع مع رؤساء القنوات، فى وسط بات شعاره اليوم (شيلنى وأشيلك)!.. لقد تحول التلفزيون المصرى إلى طارد حقيقي لكل الكفاءات الموجودة، وأصبحت الترقيات والظهور وتوزيع البرامج لا تتم إلا عن طريق الشللية التى باتت تتحكم فى كل الأماكن والمصالح الحكومية فى مصر..ولكن كيف ينزلق الإعلام أيضا إلى هذه الهاوية؟ لقد فرح الكثيرون بتولى د.درية شرف الدين وزارة الإعلام وانتظروا ما ستقوم به من تطوير وتحديث ومحاربة للفساد والمحسوبية، فإذا بها وكأنها لم تكن يوما إبنة المكان وأصبح وصول المذيعين إلى مكتبها مثل الوصول إلى (الlevel الأخير من لعبة candy crush)!.. وأغلق المشاهدون القنوات الفضائية والأرضية بل والنيلية أيضا فى وجه مذيعيها! فأصبحت نسبة المشاهدة لهذه القنوات صفر! (واللى حظه مش أد كده أحيانا تقع فى إيده قناة وهو بيقلب)!..هذا هو حال البرامج التى أصبحت لا تقدم إلا اللت والعجن.. وأصبح مُعديها ومُذيعيها (الشوية المحترمين اللى فاضلين) وكأنهم ينحتون فى الصخر لتقديم محتوى مقبول..فهم يحاربون وتحاربهم الأقدار..مواعيد ملخبطة وتحديات من أصحاب القرارات وتعيينات تأتى بمذيعين ما أنزل الله بهم من سلطان!.. هذا هو حال الإعلام المصرى، إعلام الدولة العريق الذى إنحدر من مرحلة السئ إلى الأسوأ ثم أخيرا إلى مرحلة اللى مافيش أسوأ منه!.. ثم يأتى قرار وزيرة الإعلام بتعاقدهابالمخالفةللقانونمعالوكيلالإعلانىاللبنانىبمثابة القشة الأخيرة التى قتلت كل البعير الباقية!.. أما الإعلام الخاص فحدث ولا حرج، فقد تحول إلى إعلام صحفيين وفنانين ولاعبي كُرة..إعلام لا يبحث عن أصحاب المؤهلات أو المصداقية..مجرد وجوه محروقة فقط لها إسم فى كل المجالات سوى فى الإعلام!....الكل يفتى بغض النظر عن محتوى البرنامج أو قوة إعداده، مجرد لت وعجن بلا فائدة! وحيث لا يوجد مذيعين، لايوجد أيضا مُعدين يمتلكون رؤية حقيقية لطرح موضوعات مختلفة..بغض النظر عما إذا كان مقدمى تلك البرامج يمتلكون الكاريزما أو الطلة المناسبة أو حتى لباقة الحوار..إنها مجرد أوقات خالية على الشاشات يجب أن تمتلئ بأى شئ!..وبعد أن كانت كلية الإعلام هى من تقدم المذيعين للشاشات أصبح الملعب مفتوح على مصراعيه للجميع..واهى سبوبة ويجعله عامر إنشاءالله!.. الحقيقة أننا يجب جميعا أن نراجع مواقفنا ومبادئنا..الإعلام المتحيز ليس إعلاما..الإعلام الذى يُخدم على الأجهزة الأمنية ليس إعلاما..والإعلام الذى يثرثر بلا شئ ليس إعلاما..والإعلام المثير للفتن وتخصص إشعال الرأى العام ليس إعلاما.. حتما سيعود الإعلام المصرى لدور الريادة يوما ما..فقط لو أحسنا الإختيار..