حكايات وأساطير عن أطفال مشردون وعمال مفقودون في مصانع الطوب بمنطقة "عرب ابوساعد " بالقرب من الصف " حلوان " هذه المنطقة التى تنتج 80% من احتياجات الطوب في مصر الموجودة علي أطراف المدن ، وذلك لان نسبة الثلوث فيها عالي جداً والحياة غاية في الصعوبة .
فباتت هذه المصانع ممثلة لقبور الحياة قابضة لارواح العمال علي الرغم من أن مهنة صناعة الطوب هامة الي ان العمال فئة مهمشة بعيدة عن نظر المسئولين واصحاب المصانع يعاملوا معاملة " عامل ع الماشي " بمعنى اى لحظة مهدد بالطرد ، وعلي الرغم من هذه الحياة الا ان معظم العمال مقيمين هناك.
هذا وصف لحياة العمال بشكل مبسط دون تحديد نوعية هؤلاء العمال ، صدمة كبيرة لك عندما تشاهد اطفال تبدا اعمارهم من 8 سنوات يعملون في هذه المهنة تحت هذه الظروف الشاقة حيث درجة حرارة حارقة يحملون صفوف من الطوب الاخضر يبلغ وزنها ضعف اوزانهم ، جميعهم اخذت بشرتهم لون واحد ، تشعر ان عضلاتهم شبت قبل الاوان ، تراهم يتسلقون من علي جدران المصنع كانها في مخيلتهم هذه هى" الملاهي والمراجيح " .
كل هذا من اجل يومية 10 – 15 جنيهات دون اى تامين صحى عليهم او علي العمال ولن يستطيعوا المطالبة باى حقوق سوى "يوميته" ، كما قال " عمر ابراهيم 23" عاماً ، يعمل " حريق " بالمصنع ، والذى يبدا يومه منذ السادسة صباحا وحتى السادسة مساءا وسط لهيب النار المنبعث من داخل الفرن ومعرض من حين لاخر الي الموت " حرقا " .
اذا لم يكن يقظا طوال الوقت فاذا مرض يوم ليس من حقه أن يتقاضي أجرته ، اما اذا أصيب أصابة اثناء العمل فالوضع يختلف كليا حين يشعر صاحب المصنع بالذنب فيتكلف بمصاريف العلاج فقط واعطاء أجازة للعامل حتى يطيب جرحة مع توقف "أجرته " وتكرر هذا الامر كثيرا مع كثير من العمال من بينهم ابن عم " عمر " الذى سقط سهوا في فرن المصنع ولقي مصيره وحده بسبب عجز زملائه عن انقاذه ولم يخرجوه الا علي مثواه الاخير.
وفي ذات السياق لا تفوتنا الإشارة إلي أحد ضحايا هذه الأفران التي يمكن أن نطلق عليها اختصارا "أفران الموت" إنه عم خيري البيه ذلك العامل البسيط الذي لم يكن يتجاوز الأربعين من عمره ويعول أسرة كبيرة مكونة من ثمانية أبناء جميعهم في مراحل التعليم المختلفة وفي أعلي الدرجات العلمية والجامعية ولكن هل شفع له القدر ذلك.
بالطبع لم يحالفه الحظ أن يكمل مسيرته في الحياة ففي ذلك اليوم كان يتناول افطاره الصباحي كعادته اليومية واتجه بعدها مباشرة نحو مصنعه ولكن هذا اليوم كان مفترق طريق ونهاية حياة له حيث كان يقوم بعمله في ذلك اليوم سطح فرن المصنع من أجل حرق الطوب الطفلي وتجهيزه للمستهلك ولكنه في ذلك اليوم كان علي موعد مع الموت حينما خانته أقدامه عن الوقوف علي ظهر الفرن فثقل جسده علي حافة الفرن حتي سقط صريعا في داخل الفرن الملتهب بالنار وكلها ساعات قليلة حتي سادت حالة من الهلع والفزع داخل نفوس العمال والأهالي والسكان بالمناطق المجاورة ، كل يهب لانقاذ ما تتهبقي من عم خيري ولكنه كان قد أصبح رمادا بعد أن استخرجوا رفاته وبقايا عظامه من بين الحريق، خاصة أن سيارات المطافئ والإسعاف لم تكن علي مقربة من المكان اطلاقا الأمر الذي ساعد أيضا بشكل كبير في انهاء حياته سريعا.
وفي هذا السياق يحدثنا نجله المهندس فرج البيه، 26 عاما ويعمل في إحدي شركات الحاسبات في المملكة العربية السعودية قائلا " لقد كان أبي مثالا للعامل المثالي الذي لم يتوان عن عمله يوما من الايام فماذا كان جزاؤه.. الموت حرقا دون تأمينات من قبل أصحاب المصنع أو اي حوافز أخري فضلا عن المرتبات الهزيله التي يتقاضونها وهو ما يجعلهم ميتين بالحيا" .
اما عم رضا الذى يبلغ من العمر " 34 " عاما متزوج ولديه اربعة اولاد اشتكى حاله قائلا " لو حد وقع من المحرقين محدش يقدر لان مش ممكن هنبطل المكن ومحدش هيعرف ينزله " مواصلا حديثه " ان اللي بيموت بيتنسي ومحدش بيعرف اهله او ولاده " وانهم يعملون طوال الليل والنهار موزعين علي فترتين ليلا ونهارا .
وشكى عامل اخر من عمال مصانع الطوب انهم لم ياخذوا بدلات علي ما يتعرضوا له من خطورة قائلا " وانا شايل الطوب ممكن ياثر علي دراعى او يكسر رجلي او راسي تتفتح " ولكن هذا لم يضعه صاحب المصنع في الحسبان ، وانه لم يكن له يومية محددة فهى تقدر حسب العمل " وحدش بيقدر ان شغلانتنا دى خطر " .