سعر تذكرة الأتوبيس الترددي الجديد.. مكيف وبسعر أقل من الميكروباص    مكتب نتنياهو: وفدنا المفاوض في الدوحة يستنفد كل فرص التوصل إلى صفقة بشأن غزة    إيران تشدد على التزامها بإبرام «اتفاق نووي عادل» مع واشنطن وتطالب برفع العقوبات    كأس العالم للأندية.. جلسة تصوير للاعبي الأهلي في التتش    بدون إصابات.. حريق يلتهم حافلات إحدى المدارس بحدائق الأهرام والحماية المدنية تتدخل    النقض تؤيد إعدام نورهان قاتلة أمها بمساعدة عشيقها ببورسعيد    المجلس الدولي للمتاحف: مصر تشهد نهضة متحفية كبيرة بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير    الليلة.. إسعاد يونس تقدم حلقة في حب عادل إمام ببرنامج صاحبة السعادة    بعد تسريب جواب السندريلا للعندليب.. حفيد عبد الحليم: من حقنا ننكر    رئيس مركز صدفا بأسيوط يتفقد أعمال الصرف الصحي بقريتي مجريس وبني فيز    1700عام من الإيمان المشترك.. الكنائس الأرثوذكسية تجدد العهد في ذكرى مجمع نيقية    رئيس «الدلتا التكنولوجية»: بدء أعمال التصحيح فور انتهاء امتحان كل مادة    زيلنسكى ونائب ترامب وميلونى.. الآلاف يحضرون حفل تنصيب البابا لاون 14    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا منذ بداية الحرب    اعتراضا على «رسوم التقاضي».. المحامون ينفذون قرار النقابة العامة بالإضراب عن حضور الجلسات أمام محاكم الجنايات    الزمالك يعلن مقاطعة اجتماع رابطة الأندية لغياب الشفافية والعدل    شوبير يحرج نجم الأهلي السابق ويكشف حقيقة تمرد رامي ربيعة    انفوجراف| أسعار الذهب مع بداية اليوم الأحد 18 مايو    "طلعت مصطفى" تدرس فرص توسع جديدة في الساحل والخليج وشمال أفريقيا    حبس المتهمين باستدراج شاب بواسطة سيدة وسرقته بالإكراه فى الحوامدية 4 أيام    إصابه 13 شخصا في حادث تصادم بالمنوفية    جذور أشجار السبب.. حل مشكلة ضعف المياه بقرية ميت أبو الكوم بالإسماعيلية    الحج السياحي 2025 | موافي: السبيل السليم للحج هو الطريق المعتمد لأداء المناسك    الإسكان تطرح كراسات شروط حجز 15ألف شقة بمشروع سكن لكل المصريين.. الأربعاء    مهرجان المسرح العالمي يسدل الستار على فعاليات دورته الرابعة بإعلان الجوائز    افتتاح 3 قصور ثقافة بأبو سمبل وأخميم وجاردن سيتي خلال أيام| صور    تشغيل أول مركز تخصصي متكامل لطب الأسنان بزهراء مدينة نصر    محافظ الدقهلية يجري زيارة مفاجئة إلى عيادة التأمين الصحي في جديلة    بسبب نهائي أفريقيا.. بيراميدز يشكو من تعنت رابطة الأندية ومجاملة الأهلي    مصرع شخصين وإصابة 19 آخرين إثر اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين    المدارس الثانوية تعلن تعليمات عقد امتحانات نهاية العام للصفين الأول والثاني الثانوي    إخماد حريق اشتعل داخل مطعم فى النزهة    في ذكرى ميلاده ال 123، محطات فى حياة الصحفي محمد التابعي.. رئاسة الجمهورية تحملت نفقات الجنازة    الرقية الشرعية لطرد النمل من المنزل في الصيف.. رددها الآن (فيديو)    الأزهر للفتوى: أضحية واحدة تكفي عن أهل البيت جميعًا مهما بلغ عددهم    سحب 944 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    متى تقام مباراة اتلتيكو مدريد ضد ريال بيتيس في الدوري الاسباني؟    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    تصميم الأطفال وراثيًا يهدد التوازن الإنساني.. الخشت يطلق جرس إنذار من الكويت بشأن تحرير الجينوم البشري    10 استخدامات مذهلة للملح، في تنظيف البيت    براتب 15 ألف جنيه.. «العمل» تعلن 21 وظيفة للشباب بالعاشر من رمضان    عاصفة ترابية تضرب الوادي الجديد.. والمحافظة ترفع درجة الاستعداد    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    خطوة مهمة على طريق تجديد الخطاب الدينى قانون الفتوى الشرعية ينهى فوضى التضليل والتشدد    «لما تخلص قولي عشان أمشي».. مصطفى الفقي يهاجم مذيع العربية ويتهمه بعدم المهنية    بدء التصويت فى الانتخابات الرئاسية ببولندا    رئيس جامعة القاهرة: الجامعات الأهلية قادرة على تقديم برامج تعليمية حديثة.. ويجب استمرار دعمها    النسوية الإسلامية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): أم جميل.. زوجة أبو لهب! "126"    أهداف السبت.. رباعية البايرن وثلاثية باريس سان جيرمان وانتصار الأهلى وبيراميدز في الدوري المصري    يمتلكون قدرة سحرية على إدراك الأمور.. 5 أبراج تجيد اتخاذ القرارات    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    أسعار الأرز الشعير والأبيض «عريض ورفيع الحبة» اليوم الأحد 18 مايو في أسواق الشرقية    قوات الاحتلال تقتحم منازل الفلسطينيين في الخليل بالضفة الغربية    ما بين الحلويات.. و«الثقة العمومية»!    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    هزيمة 67 وعمرو موسى    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمال تحت «مقصلة» الخطر
«الشروق» ترصد أوجاع ضحايا غياب السلامة المهنية من أصحاب إصابات العمل
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 04 - 2013

11 ألفا و500 عامل تعرضوا لإصابات أثناء العمل فى 6 أشهر
عامل يتعرض لبتر يده وهو مشغول فى عجين الطوب وصاحب المصنع يتهرب من دفع التعويض
عبدالتواب: أزمة تعويضات العمال تكمن فى عدم وجود نص قانونى يلزم صاحب العمل بالدفع
رئيس النقابة المستقلة لعمال الطوب: لم يزرنا أى مفتش من وزارة الصحة أو القوى العاملة منذ 25 عامًا

فى 28 أبريل الحالى يحتفل العالم باليوم العالمى للسلامة والصحة المهنية والبيئة، وتستعد الأطراف المتفاعلة إلى تنظيم مؤتمرات وندوات ونقاشات فى قاعات الفنادق الفخمة ومسارح الوزارات والهيئات المكيفة، فضلا على إعداد الكلمات الافتتاحية والتقارير الخاصة بالإنجازات التى تحققت ورؤاها المستقبلية.

وبعد نحو 3 أيام فقط من هذا التاريخ، أى فى 1 مايو بعيد العمال، يحتفى العالم بعيد العمال، وفى مصر هو الثالث بعد ثورة 25 يناير 2011، ولكن يبدو أن التشتت بين الكيانات العمالية سيمنع التوافق حول احتفال واحد يجمع جميع العمال تحت مظلته.

كانت منظمة العمل الدولية قد خصصت الفترة من 2010 /2020، ل«السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل»، ووضعت كل دولة خطتها فى هذا المجال، وهدفت مصر فى هذا الصدد إلى تقليص عدد الذين يصابون أو يلقون حتفهم فى العمل بنسبة 40% بحلول نهاية الفترة، إلى جانب التحكم بالمخاطر والوقاية من الأخطار والمخاطر وتحسين ظروف العمل، لتوفير بيئة عمل صحية وآمنة وعادلة تحقق العمل اللائق.

«الشروق» تفتح ملف عشرات العمال فى مصانع الطوب ممن تعرضوا لإصابات تعجيزية، وتطرق أبواب سلامة العمال وصحتهم المهنية ومستقبلهم الوظيفى، بعيدا عن أحاديث السياسة وحملات الانتخابات، وصراعات الاتحادات العمالية.

تعلق كفين صغيرين بنافذة السيارة التى كانت على وشك الرحيل، كانا لطفلة لم تكمل عقد من الزمان بعد، جاءت مسرعة تبحث عن أمل بعيد يمكن أن يحمل رسالتها إلى الآخر الذى لا تعرفه «هو انتو بتساعدوا الناس تبنى البيوت؟» ساعية إلى أية مساعدة تمكنهم من العيش بين أربعة جدران آدمية بدلا من العيش فى غرفة أرضيتها التراب، وسقفها حفنة من البوص، يوارى بعضا من أشعة شمس الصيف، وقطرات من مطر الشتاء.

هى ابنة شحات لطفى أحمد، عامل فى مصنع طوب، تعرض لإصابة عمل تسببت فى بتر يده اليمنى من بعد الكتف مباشرة، تخلى عنه صاحب المصنع بعدها لأنه «ما بعرفش غير إنى أشيل طوب.. لا بقرا ولا بكتب حتى عشان أعرف أعمل أى حاجة تانية»، هكذا يصف شحات نفسه، وتدهورت أوضاعه الاقتصادية بعدها حتى اضطر لبيع بيته.

وقبل 3 سنوات كانت سيارة نصف نقل تنقل شحات وزملائه إلى مصنع الطوب الذى يعملون به بمنطقة الصف فى ضواحى الجيزة، قبل أن تنقلب السيارة بالعمال ويصاب هو وابنه وآخرين، إلا أن إصابته أدت إلى بتر يده، فى حين شفى ابنه والباقين، ومن يومها «ابنى بيصرف على البيت، وبيشتغل مكانى».

يقول: «أنا صنعت طوب يبنى العالم ده كله، وفى الآخر قاعد فى عشة من غير سقف»، لم يتمكن شحات من حبس دموعه وهو ينطق بهذه العبارة التى لخصت حاله فى عدة كلمات، وهو الأب لولد يبغ من العمر 13 عاما، يعمل مكان والده فى مصنع الطوب ويصرف على البيت، و3 بنات، إحداهن تزوجت منذ أشهر بعدما باع بيته ليكمل جهازها، وأخرى تبلغ من العمر 14 عاما، مخطوبة و«أولاد الحلال يساعدوه فى جهازها»، والأخيرة هى من لحقت بسيارة «الشروق» تبحث عن أمل فى التوصل لمن يساعدونهم لبناء منزلهم.

هناك فى قرية نزلة السلام بمركز الصف فى أطراف محافظة الجيزة، وقبل عشرات كيلو مترات من محافظة بنى سويف، تعيش هذه الأسرة فى أسوأ ظروف العيش، بلا مأوى ولا حياة آدمية كريمة، فقط يعتمدون على بضع أوراق بعشرة جنيهات يجنيها الابن الذى يتحمل مسئولية الأسرة، وتبرعات أصحاب الخير.

شحات واحد من مئات العمال الذين يتعرضون يوميا لحوادث وإصابات عمل تؤدى إلى فقدان أطرافهم وتوقف حياتهم التى تعتمد بشكل أساسى على يدين وقدمين، بعيدا عن محاضر الشرطة وأعين مفتشى السلامة والصحة المهنية، وخارج نطاق التأمينات الصحية والاجتماعية.

«والله قادر أجيب سلاح أقتله وأرتاح.. بس خايف على بناتى من بعدى»، بنفس نبرة الحزن الممزوجة بغضب قالها شحات، متحدثا عن المحامى الذى أقنعنه بإقامة قضية تعويض، يقول: «حكمت لى المحكمة بتعويض 35 ألف جنيه، لكنه راح صرف الشيك لحسابه بموجب التوكيل الخاص إلى معاه وهرب.. ما أعرفش عنه حاجة».

ذهب شحات لتقديم شكوى فى محكمة الجيزة الابتدائية ضد المحامى، وفوجئ أن تكاليف الشكوى 50 جنيها، ولم يكن يملك حينها سوى 7 جنيهات فى جيبه، لا تكفى حتى لعودته إلى بلدته الصف مرة أخرى، يضيف: «حسيت إنى ضعيف وقعدت أبكى، وولاد الحلال رجعونى بلدى».

محمود، 30 عاما، والد لثلاثة أبناء، عامل فى أحد مصانع الطوب فى نفس مركز الصف أيضا، يعيش منذ 18 عاما بيد يمنى بلا كف، حيث تعرض لإصابة عمل أدت لقطع كف يديه، حينما وجد طوبة فى عجين الطوب كانت قد أوشكت، على تعطيل الخلاط، فمد يده لإزاحتها، فنزلت «القطاعة» على كف يده بترتها.

يحكى: «ودونى عند الدكتور بسرعة، وقال لهم لا بد من تحرير محضر رسمى بالواقعة لإثبات إصابة العمل»، إلا أن صاحب المصنع قد أقنع والد محمود بأن يكتب فى المحضر أنه أصيب فى البيت، وتم تلطيخ سكين بدماء محمود المنتشرة فى موقع العمل لإثبات الإصابة فى البيت، مقابل ضمان استمرار عمل محمود فى المصنع، وصرف تعويض مناسب له، على حد قوله.

على الرغم من استمرار محمود فى عمله على لوحة أزرار التحكم فى الكهرباء، لتشغيل وتوقيف خطوط الإنتاج، ومضى أكثر من 18 عاما على هذه الواقعة، إلا أنه لا يزال يذكر هذه الحادثة ويترحم على والده الذى أضاع حقه، ولم يحصل على التعويض حتى اليوم، على حد تعبيره.

حكايات مأساوية أخرى يضج بها دفتر يوميات العمال فى صناعة الطوب التى تمثل واحدة ن أخطر الصناعات، وأكثرها من حيث تعدد إصابات وأخطرها، من بينهم أطفال دون ال18 عاما، سهوا عن العمل لحظات معدودة أودت بحياتهم أو أدت إلى تشويههم، كما تتعدد إصابات العمال جراء سقوط كتل الطوب فوق رؤوسهم أو احتراقهم داخل الأفران، وخلافه.

وفى هذا الصدد يقول المحامى ورئيس وحدة الدعم القانونى بالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء عبدالتواب، إن أزمة تعويضات العمال فى حالات الإصابة تكمن فى عدم وجود نص قانونى يلزم صاحب العمل بدفع التعويض مهما زادت قيمته، لذا يضيع حق العامل فى الحصول على التعويض الذى تحكم له به المحكمة، مطالبا تعديل النص القانونى ليكون مثل النص القانونى الذى يقضى بنص عقابى للموظف العام إذا ما امتنع عن تنفيذ حكم قضائى بالعزل من الوظيفة.

يضيف: «صاحب العمل وحده هو الذى يدفع التعويض للعامل المصاب وليس الحكومة، إذ يقتصر دور وزارة القوى العاملة والهجرة على إدارة المفاوضات الجماعية والتحكيم فى حالات الخلاف بين العمال وأصحاب الأعمال.. وهو دور قاصر جدا يهدر حقوق العمال فى الداخل والخارج».

ويستطرد: «للأسف قطاع السلامة والصحة المهنية فى الوزارة لا يقوم بدوره فى التدريب والتفتيش، لأنه لا يؤدى مهامه بالإشراف الرقابى على الأعمال والصناعات»، وما يزيد من سوء الأوضاع، بحسب عبدالتواب، أن غرامة مخالفة تفتيش الوزارة بأى مخالفات تساوى 500 جنيه فقط، لذا يجد صاحب العمل أنه من الأسهل دفع الغرامة بدلا من إنفاق آلاف الجنيهات على إزالة المخالفات وضمان الحماية والسلامة للعمال.

وأرجع مدير الوحدة القانونية بالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أسباب إهدار حق العامل فى الحصول على التعويض أو ضمان سلامته وصحته المهنية، إلى سوء قانون العمل رقم 12 لسنة 200، ووصفه بأنه «لا يصلح».

واصلت «الشروق» جولتها وسط طرقات عرجاء وحوارى ضيقة يكسوها التراب، كلما مرت سيارة تتصاعد موجات الغبار والتراب لتملئ الأجواء، ولا تلبث أن تمضى حتى تأتى سيارة أخرى تعبئ الجو، على هذا الحال كان الطريق إلى المنطقتين الصناعيتين لصناعة الطوب الأحمر بالصف، قبل الدخول للمناطق المجاورة للجبل حيث مورد المواد الخام.

أكوام من الطوب الأخضر والأحمر متراصة على محيطات المصانع، ومداخن عالية وأفران موقده وعمال تشققت كفوفهم من حمل الطوب ونقله لساعات عمل متصلة قد تصل ل24 ساعة عمل فى اليوم، حيث تبدأ بعض الورديات من الثانية عشرة ظهرا، وتنتهى فى نفس الموعد من اليوم التالى.

يقول رئيس النقابة المستقلة لعمال الطوب رضا سلام، إن عمر هذه المصانع يعود لعام 1985، فلم يشهد من يومها تفتيشا واحدا من وزارات الصحة أو القوى العاملة أو البيئة، لأن «التفتيش إن جاء فإنه لا يخرج عن مكتب صاحب المصنع، يشربوا الشاى ويظبطوا الورق»، بحسب كلامه

يؤكد سلام أن معظم العمال يتعاطون المخدرات وخاصة «الترامادول»، ليتمكنوا من الاستمرار فى العمل لساعات طويلة وفى ظروف قاسية فى الحر والبرد وأمام الأفران، وأن المخدرات تباع فى الصيدليات بشكل طبيعى ودون أى حرج، حيث يستطيع الطبيب الصيدلى من تمييز شكل العامل، ويبيع له شريط الترامادول ب25 جنيها، وأن هذه التجارة هى الرائدة فى مركز الصف مع تجارة السلام بكل أنواعه وأشكاله.

فى مصنع الحاج حمدى شكرى حزيم، قضت «الشروق» ساعات مع العمال فى مراحل الإنتاج المختلفة، حيث بدأ الحاج صاحب المصنع حديثه ب«فى عصر مبارك كان فيه ظلم بس الناس كانت شغالة وعايشة»، واستمر على هذا الحال من النقد اللاذع والمازح فى نفس الوقت عن عصر النهضة، وحكم الإخوان، وتصريحات الرئيس مرسى.

وشرح الحاج حمدى مراحل الإنتاج وتوزيعها على العمال على النحو التالى «4 سواقين بيطلعوا بالعربيات الصبح بدرى يجيبوا الطفلة المواد الخام من الجبل، وبعدين يفرشوها وتتروى، وتتضرب فى اللودر مع الرمل، وبيشتغل فيها حوالى 100 عامل»، بعد هذه المرحلة تدخل الخلطة فى الماكينات والقطاعات يخرج منها طوب أخضر، يتنشر فى المناشر ويتغطى بالخيش من 15 إلى21 يوما.

هنا يقف دور عمال «الخضرا» الذين يعملون فى مراحل إنتاج الطوب الأخضر، ثم يتابع «عمال الحمرا» العمل، وهم الذين يعملون فى الطوب الأحمر وعددهم حوالى 50 عاملا، حيث يسحبون الطوب من المناشر ويدخلونه الأفران ويشغل حوالى 10 عمال «الولاعات» فيخرج طوب أحمر جاهز للبيع.

تستغرق هذه الدورة لصناعة الطوب التى تنتج نحو 4 ملايين طوبة، ما يقرب من شهرين بمراحل التجفيف والمناشر والحرق، وقد تزيد فى الشتاء، نتيجة هطول الأمطار فيعطل عملية النشر والتجفيف، كما قد يعيق المناخ السيئ الوصول للجبال لإحضار المادة الخام «الطفلة»، ولكن «الصيف يعوض خسارة الشتا»، على حد قول الحاج حمدى.

من أعلى فرن مصنع الحاج حمدى، حيث جهنم الحمراء التى يحرق فيها الطوب الأخضر بولاعات تصب المازوت وتشعله من الأعلى بين صفوف الطوب المتراصة فى الفرن من الأسفل، من خلال فجوات بين صفوف الطوب، دار حوار مع جمعة عويس «42 عاما»، يعمل «مساعد حريق»، على الولاعة التى تشعل النار فى الفرن، ويتقاضى 120 جنيها فى اليوم المتواصل، 24 ساعة عمل كاملة 4 أيام فى الأسبوع، يعمل فى هذه الصناعة عندما كان عمره 14 سنة.

يؤكد جمعة أن أول يومية تقاضاها كانت 40 قرشا، متذكرا أيام الصبا فى المهنة، ويتابع: «اشتغلت فى كل الأشغال اللى فى الصناعى دى، من أول عربجى على عربية بحمار أنقل طوب، لغاية ما بقيت مساعد ولاعة».

تذكر جمعة أصدقاء له سقطوا فى هذه المهنة، من ضمنهم عامل سقط إثر انهيار جزء من سقف الفرن، وأخرجوه «كوم رماد زيه زى رماد الطوب إلى بيصنعه.. ووديناه لأهله كوم تراب»، فدرجة حرارة الفرن 700 درجة مئوية وتصل إلى ألف فى بعض الأحيان، وعمال آخرون حرقت أرجلهم نتيجة انزلاقات عشوائية نتيجة سهو أو عدم حيطة أو قضاء وقدر أو جهل، فى حفر الفرن أو مجرد ملامسة أى من جدرانه بالخطأ.

وأمام «قطاعة» الطوب قال أحمد حسن، فى حوالى الرابعة عشرة، «أنا بشتغل على ماكينة سير عجين الطوب قبل ما يدخل القطاعة، وبخاف أسرح دقيقة لا أموت». حسن يعمل 7 ساعات يوميا منذ 3 سنوات فى هذه الصنعة، لا يجيد القراءة ولا الكتابة ولا نطق بعض الحروف.

وطالب أحمد، عامل آخر فى المصنع، بالتأمين على العمال لضمان حقوقهم فى الإصابات وبعد المعاش، «حيث يعين صاحب المصنع عاملين ثلاثة وفى الغالب بيكونوا قرايبه ويأمن عليهم علشان ياخد تصريح المصنع، وباقى العمال ليس لهم أى حقوق»، كما طالب بوضع لافتات للأمن الصناعى تنذر بمخاطر المهنة وأهمية الحفاظ على سلامة العامل الشخصية، وصب غضبه على تفتيش وزارتى التأمينات والقوى العاملة «بييجوا ما يعملوش حاجة وياخدوا الظرف المقفول ويمشى»، فى إشارة منه إلى تقاضيهم رشوة.

أكد أحمد، أن التعويضات التى يدفعها صاحب المصنع فى حالات الإصابة تكون فى صورة «منحة أو هبة.. وليس تعويضا قانونيا للعامل حق فيه»، وهو عبارة عن «كام ألف جنيه يمشى بيهم حالة، ويا يرجع يشتغل يا ما يرجعش»، وتابع: «على الأقل عاوزين عربية إسعاف تكون قريبة من المصانع هنا.. أو حتى إسعافات أولية نلحق بيها العامل لما يتصاب».

بعد هذه الشكاوى والاتهامات لمفتشى الوزارة، جاء الدور على مدير إدارة السلامة والصحة المهنية وإدارات التفتيش بوزارة القوى العاملة، جمال سرور، ليوضح الصورة من وجهة نظره، فقال: «عدد مفتشى الوزارة 550 مفتشا على مستوى الجمهورية، مطلوب منهم التفتيش على 556 ألف منشأة صناعية.. وهو عدد قليل جدا مقارنة بحجم وعدد المنشآت الصناعية».

وأضاف: «بناء على هذا العدد المتاح يتم تفتيش المنشآت الصناعية الكبرى مرة فى العام مقابل التفتيش مرة واحدة كل ثلاثة أعوام فى المنشآت المتوسطة والصغيرة»، تاركا الأولوية فى التفتيش للمنشآت الكبرى التى «حتوى على عدد أضخم من القوى العاملة، وبالتالى فالتقصير بها سيؤدى إلى أضرار جسيمة.

وعن مهمات الوقاية مثل الخوذة والأفارول والقفازات وغيرها، تابع سرور: «توفيرها مسئولية المنشأة نفسها، ومعظم محاضر التفتيش تحرر نتيجة عدم الالتزام بتوفير هذه المهمات، وتتم زيارة المنشأة المخالفة بعد الزيارة الأولى ب6 أشهر للتأكد من التزام المنشأة بما تم تحريره له من محاضر.

وتشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة القوى العاملة والهجرة، إلى تعرض 11 ألفا و505 عمال لإصابات عمل خلال النصف الأخير من عام 2012، أى منذ 1 يونيو إلى 31 ديسمبر الماضيين، فى 3165 منشأة صناعية على مستوى الجمهورية.

داخل أروقة الجهاز القومى للسلامة والصحة المهنية، عشرات المكاتب المكيفة تحوى مئات الباحثين والإخصائيين والمهندسين، ومئات الأبحاث والدراسات الخاصة بمعظم الصناعات والكيانات الصناعية الكبيرة منها والمتوسطة والصغيرة، إلا أن هذه الأبحاث والدراسات تظل حبيسة الأدراج لعدم إقبال المنشآت الصناعية عليها، وعدم تفعيل التعاون المشترك بين الجهات والوزارات المعنية، خاصة أن دور المركز يقتصر على التدريب المهنى على دورات السلامة والصحة المهنية للإخصائيين والفنيين وقياس بيئة العمل، وحل الأزمات فى حالة الطلب من المركز، والحديث لمدير المركز المهندس عادل فهمى، الذى التقته «الشروق» فى مكتبه.

وأضاف فهمى الذى يشغل منصبه منذ أشهر قليلة: «نقص مهمات الوقاية، وهى عبارة عن الخوذة والكوزلاك والقفاز وخلافه، هى أبرز المشكلات التى تواجه العامل»، قالها فى حديثه عن أزمات مجال السلامة والصحة المهنية فى مصر، نافيا علمه بالجهة المسئولة عن توفير أو صناعة أو استيراد هذه المهمات، إلا أنه أكد أنه خلال الأيام القليلة المقبلة سيتم عقد اجتماع مع وزير الصناعة ومدير الإدارة العامة للصادرات لوضع نظام عمل جديد لمهمات الوقاية.

وأشار إلى وجود عدة مشكلات تواجه العمل فى المركز من أبرزها قلة رواتب الباحثين والفنيين، ووقف مكافآت الأبحاث والدراسات، وعدم التجاوب مع توصياته وتقاريره، وعمل عدد كبير من خريجى الكليات للأدبية كإخصائيين وفنيين صحة، التى تشترط أن يكونوا خريجى كليات علمية «طب وزراعة وعلوم»، لذا يشرع المركز فى تأسيس «وحدة خاصة» لتلافى المشكلات التى تواجهه، بحسب فهمى.

إلى جانب إدارة السلامة والصحة المهنية فى وزارة القوى العاملة والهجرة، والمركز القومى والوحدة الخاصة، يوجد «المجلس الاستشارى الأعلى للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل»، وهو بحسب فهمى «نموذج مصغر للدولة حيث يضم فى عضويته مندوبين عن وزارات الصحة والداخلية والقوى العاملة والصناعة والتأمينات والمركز القومى، ومهمته تحديد السياسات العامة ووضع توصيات ملزمة فى تنفيذها».

وقد اعتمدت حكومة عصام شرف منذ عامين توصيات آخر اجتماع للمجلس الاستشارى للسلامة والصحة المهنية، والتى نصت على «دعم الوزارات المعنية بالموارد البشرية لتقوية جهاز التفتيش ودعم القدرات المؤسسية، وإنشاء قاعدة مشتركة من المعلومات بين الشركاء المعنيين، وتحسين سبل ووسائل الاتصالات بين الجهات المعنية من خلال اتفاقيات تعاون، وإضافة 13 مرض مهنى وتعديل 5 من المدرجين فى جدول الأمراض، وتنفيذ حملة إعلامية للترويج للسلامة والصحة المهنية وتنظيم حوار مجتمعى له بالمناطق الصناعية والحرة، وتعديل بعض نصوص قانون العمل، وإنشاء وحدة لتحليل حوادث وإصابات العمل».

ويضم جدول الأمراض المهنية 35 مرضا، ويوضح فى طياته العمليات والأعمال المسببة لكل مرض على حدة، ومن أبرزهم: «التسمم بالرصاص ومضاعفاته، والزئبق مضاعفاته، والزرنيخ ومضاعفاته، والإنتيمون ومضاعفاته، الفسفور ومضاعفاته، البترول ومثيلاته ومركباته الأميدية والأزوتية ومشتقاتهم، والمنجنيز ومضاعفاته، والكبريت ومضاعفاته، والتأثر بالكروم وما ينشأ عنه من قرح ومضاعفاته، والتأثر بالنيكل أو ما ينشأ عنه من قرح ومضاعفات، والتسمم بأول أكسيد الكربون وما ينشأ عنه من مضاعفات، وحامض السيانور ومركباته ومضاعفاته، والتسمم بالكلور والفاور والبروم ومركباتهم، والبترول وغازاته ومشتقاته، والكلوروفوم ورابع كلورو الكربون، والتسمم برابع كلورو الإيثيلين وثالث كلورو الإثيلين ومشتقاته الهالوجينية الأخرى، والأمراض والأعراض الباثولوجية التى تنشأ عن الراديوم والمواد المشعة، وسرطان الجلد الأول».



مستشفى واحد ل25 ألف عامل
يوضح سلام أن المنطقتين الصناعيتين يضمان ما يزيد عن ألف مصنع طوب متوسط وصغير الحجم والإنتاج، معظمها قطاع خاص مملوكة للأهالى فى المنطقة، يحوى كل مصنع من 150 إلى350 عاملا، حسب حجم المصنع والإنتاج، تتراوح أعمارهم ما بين 10 و60 عاما، يومية العامل فيها تتراوح ما بين 50 و120 جنيها، وفى اليوم الواحد ينتج المصنع الواحد من 150 و200 ألف طوبة». يوجد مستشفى واحد يخدم مئات الآلاف من العمال وسكان المنطقة، ولكن رئيس النقابة رفض أن يطلق على هذا المبنى اسم «مستشفى»، ووصفها بحظيرة المواشى، يقول: «مفيهاش دكتور ولا إبرة ولا أى رعاية، يعنى لو لحقنا عامل وطلعنا بيه على المستشفى، هيموت هناك من الإهمال وسوء الخدمة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.