لم يكن من المتوقع أن تنقلب الأوضاع بعد قيام الثورة المصرية وإطاحتها بالرئيس السابق حسنى مبارك رأسا على عقب هكذا , وتتبدل احوال المصريين وبدلا من أن ينعموا بالحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية التى خرجوا للميادين ينادون بها , تزداد الأوضاع سوء يوما بعد يوم , وتتعقد مشاكلهم أكثر فأكثر , وتحاوطهم الأزمات من كل جهة , فتعصف بهم الواحدة تلو الأخرى , حتى أختنق المواطن المصرى من ضيق العيش وإرتفاع الأسعار وعدم إحساسه بالأمن والأمان فى بلده , وإزدات صعوبة الحياة على المواطن البسيط وصار قوت يومه تحت رحمة الأوضاع الإقتصادية المتدهورة فمن كان يكفيه فى يومه عشرة جنيهات لإطعام أطفاله قبل الثورة لم تعد تلك العشرة جنيهات تكفى وجبه واحده لهم الان فى عهد الرئيس مرسى , مما دعى البعض الى التمنى بعودة نظام مبارك مرة أخرى وعبروا عن اسفهم له عبر مواقع التواصل الإجتماعى فإرتفعت أعداد مؤيدينه على الصفحات التى تحمل أسم ( أسفين ياريس ) على الفيس بوك . ومن الواضح أن ماوصلنا اليه فى عهد الرئيس مرسى من تدهور الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية وإستمرار حالة الإنقسام والإضطراب وإنتشار الفتن والتعصب والعنف والتخريب فى الشارع المصرى كان له تأثيرا ايجابيا على صحة مبارك البدنية والنفسية فقد تحققت نبوءته قبل قيام الثورة اليس هو من قال ( إما أنا ... أو الفوضى ) فما يراه ويسمعه الأن على الساحة يؤكد له أنه كان على صواب وأن الشعب كان على خطأ . وقد ظهر ذلك جليا فى يوم إعادة محاكمتة ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعدي الوزير بتهمة قتل متظاهرين خلال ثورة يناير حيث لم يخرج علينا الرئيس السابق مثلما كان يخرج علينا فى أولى جلسات محاكمته منهكا عبوسا صامتا يخفى وجهه بنظارته السوداء ويده تعتلى جبينه تخفى باقى ملامحه مستلقيا على سريره يحاوطه أبناءه محاولين أخفاءه عن كاميرات التصوير بل ظهر فى أفضل حالاته النفسية والصحية مهندما نظيفا بشعره المصبوغ بعناية بعيدا تماما عن أى توتر أو غضب أو رهبة مبتسما وملوحا بيده لمؤدية وأنصاره وهيئة الدفاع عنه من داخل القفص بإبتسامة الفائز وكأنه مازال فى الحكم وكأنه يحمل حكم البراءة فى يديه وكأن إحساسه بإنتكاسة الثورة وعودة مصر الى الوراء فى عهد الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين رد إعتبار له ولكرامته . كما أن أحساس مبارك بزيادة شعبيته فى الشارع وفشل النظام الحالى فى تحقيق مطالب الثورة وتحسين الأوضاع السابقة ووضع خطة إصلاحية سليمة بالإضافة الى إستمرار سقوط قتلى وجرحى فى أحداث العنف التى تلت أحداث الثورة جعلت مبارك يشعر بألإرتياح وعادت له ثقته بنفسه وإنقشعت عنه حالة الأنكسار التى شعر بها وهو قابع لأول مرة وراء القضبان فى جلسة محاكمته الأولى . لكنى من هنا أؤكد أنه مهما طال مسلسل التباطىء فى إصدار الأحكام ضد المفسدين وقتلة الثوار , ومهما كانت دقة التلاعب بالأدلة والبراهين , وإحراق الأوراق والمستندات التى تدينهم , فإن حق الشهداء لن يضيع ولن يهدأ الشارع المصرى الا عندما تهدأ قلوب الأمهات الثكلى التى فقدت فلذات أكبادها من أجل أن نحيا كراما على أرض وطننا الحبيب .