"عمال التراحيل " مثال حى للبطالة التى تتزايد يوم بعد يوم بجميع محافظات مصر ، حيث المشهد المأسوى الذى يرسمونه تلك العمال على نواصى الشوارع وعلى الأرصفة و الميادين ينتظرون من باتى لهم بعمل شاق يدير عليهم جنيهات معدودة ، ورغم أن هؤلاء كانوا يعولون على ثورة 25 يناير في توفير فرصة عمل شريفة إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن. "بوابة الفجر" أرادت أن تكون المرآة العاكسة لهموم ومشكلات هؤلاء الأشخاص فأتقلت بعدساتها لتلتقى معهم ففى البداية قال أحمد محمود ، نجتمع هنا كل صباح ننتظر أي مقاول لأخذ مجموعة لرفع مواد البناء أو الهدم أو أي أعمال يدوية شاقة، حيث أن هذا المكان يسمى السوق أي سوق العمال .
و أضاف أن هذا العمل يدير علينا أموال قليلة وليست دائمة حيث أننا لا نعمل بشكل دائم لندرة الأعمال التي نقوم بها ، مضيفاً أن تلك الأموال لأتكفى لسد إحتياجات المعيشة رغم صعوبة وخطورة الأعمال التى نقوم بها .
وجدنا 5 أشخاص يجلسون على ناصية شارع و أمامهم معدات بسيطة فتوجهنا إليهم فأتوا إلينا مسرعين يرددون " أنا يا بية ..أمر يا بية.. أن خدامك يابية " فقلنا لهم نحن نريد الحديث معكم وليس معنا أعمال فقال أحدهم " إحنا فاضيلكم إحنا عايزين فلوس مش عايزين كلام " .
و بعد محاولات قال رجب السيد ، جئت إلى هنا أبحث عن أى عمل بعد أن ضاقت الدنيا في وجهي ، حيث حصلت على معهد فنى تجارى و لأجد أجد عمل ، فجئت و أنا أحمل معى " أزمة و جاكوش " لكى أعمل بهما عندما باتى أحد الأشخاص يريد أن يهدم قطعة خرسانية أو غير ذلك من الأعمال .
و أضاف رجب أترك زوجتي وأولادي كل صباح بحثاً عن لقمة عيش شريفة تدير لى دخلاً يساعدنى أنا و أسرتى على المعيشة التى أصبحت صعبة للغاية ، فى ظل إهمال المسئولين لنا .
و قاطع الحديث سيد محمد الذى يحمل فى يده "مطرقة " يستخدمها في هدم الحوائط والكتل الخرسانية قائلاً : "لو وجدت أي وظيفة بأي راتب ضئيل لما أتيت إلى هنا وتحملت صور العذاب والمهانة المختلفة التي ألاقيها يوميا".
و أضاف سيد حصلت على دبلوم فنى صناعى منذ 4 سنوات و أعول أسرة مكونة من 6 أفراد منهم والدتى التى تتعالج من "الكبد "وليس لى أى دخل سوى أننى أئتى هنا كل صباح بمطرقتى منتظراً من يحملنى بسيارتة لكى أهدم له حائط أو جدار خرسانى مقابل جنيهات ضئيلة لا تساعدنى فى سد إحتيياجات المعيشة .
شهادنا شخص يجلس منفرداً بيعيداً عن تجمع العمال و يحمل " كريك و جروانة " فتحدثنا معة فقال : إسمى فؤاد ربيع حاصل على كلية الأداب منذ 5 سنوات وطوال هذة الفترة أنتظر وظيفة من الوظائف التى تقدمت لها ولكن لم ياتى شىء لأنى لأعلم ان المحسوبية والواسطة مازالت تباشر نشاطها فى كل المصالح الحكومية بعد ثورة 25 يناير وحتى الآن.
و إستكمل فؤاد حديثة وبعد أن طاقت بى الدنيا و كثرت الديون لم أجد سوى أن أئتى إلى " سوق العمال " لكى أعمل "موان " ، حيث أن كثيراً ما تطاردنا الشرطة والبلدية باعتبارنا عمالة غير شرعية ومن يتم ملاحقته يتعرض لصور مهانة عديدة .
وفى إطلاع لبعض الكتب التى تبنى أصحابها تلك الظاهرة وجدنا دراسة ماجستير للباحثة إيناس زكريا بجامعة القاهرة تشير إلى أن نسبة الفقر في الصعيد تصل إلي حوالي 73% من السكان كما تشكل الأسر الفقيرة في المنياوسوهاج وحدهما 46% من فقراء هذا الإقليم.
ونستنتج من ذلك أن هذا السبب الذى جعل هذة الظاهرة تنتشر بشكل مكثف خاصة بين أبناء الصعيد الذين يلاحقهم الإهمال فى كل لحظة حيث أنهم مهمشين لا ينعمون بخيرات بلدهم بعد ثورة عظيمة قامت من أجل العدالة الإجتماعية .
الجمعيات الأهلية والخيرية حاولت التقليل من هذه الظاهرة من خلال توفير فرص عمل لهؤلاء الأشخاص أو من خلال توفير راتب شهرى للأسرة ، حيث قال عبد المعز محمود سليمان " المشرف بمؤسسة الشيخ عبدالله الخيرية " أن ظاهرة عمال التراحيل أو ما يعرف ب " سوف العمال " تتأثر بالطرد والجذب من الريف إلى المدن بسبب تزايد مشكلة البطالة وتقلص مساحة الأراضي الزراعية وتركزها في يد كبار الملاك ، مما يجعل هؤلاء الشخاص لا يجدون دخلاً أو مصدر رزق لهم فى بلادهم.
و أضاف عبد المعز أن عمل هؤلاء يتركز فى الأعمال الشاقة مثل التشييد والبناء بعيدأ عن قطاعات الإنتاج ولا يخدم التنمية ويشكل في بعض الأحيان أوكارا للجريمة وتعاطي المخدرات رغم أن الكثير من هؤلاء الشباب يسعون بالفعل إلى البحث عن فرصة عمل شريفة ، مضيفاً أن أوضاع عمال التراحيل السيئة لم تتغير بعد الثورة حيث يعانون من عدم وجود تأمينات إجتماعية أو صحية إضافة لانعدام الأمان والسلامة المهنية في مواقع العمل.
وفى هذا السياق إلتقينا مع المسئولين ، حيث أكد الدكتور يحيى عبد العظيم "محافظ سوهاج " أن تم مناقشة ذلك مع رؤساء الوحدات المحلية مؤكداً علي العمل من أجل المواطنين ورفع المعاناه عنهم ، مشيراً إلي قراره بعودة إنشاء الاكشاك لمساعدة الفقراء والمحتاجين من أبناء المحافظة الذين هم في حاجه إلي عمل يكفل لهم حياة كريمة ويعينهم علي الظروف المعيشية الصعبة خاصة مع تلقيه عرضا من جمعية مصر الخير لإنشاء 400 كشك كمنحة من الجمعية للمحتاجين من أبناء المحافظة بتكلفة 17 ألف جنيها للكشك الواحد .
وأضاف محافظ سوهاج أن الترخيص للأكشاك له شروط حيث تحديد المكان المناسب الذي لا يعوق الشارع وبعيدا عن المؤسسات والمدارس في إشارة لرؤساء الوحدات المحلية بتحديد الاماكن التي تصلح بالمدينة أو الحي لانشاء الاكشاك عليها.
إنتهينا من الحديث مع عمال التراحيل الذين يجتمعون كل صباح ينتظرون الأعمال الشاقة والخضيرة من أجل لقمة عيش شريفة بعد إهمال المسئولين لهم، ولكن عدستنا لن تتوقف عن رصد ما يواجهنة تلك الأشخاص من إهمال حتى أن يتخذ المسئولون خطوات إجابية لتوفير حياة كريمة لهم .