لاشك أن ما تشهده الساحة السياسية المصرية مؤخرا من تعاظم حدة الصراعات والمعارك الحزبية بين السلطة الحاكمة والنخبة المعارضة، يثير الكثير من الشكوك والمعتقدات لدى الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب والتى تفوق أكثر من ثلثى أنصار الأطراف المتصارعة، تلك الأغلبية التى تأنى بنفسها دائما من اظهار موقفها أو الانحياز لطرف معين فى مواجهة الأخر، لكنى أقرأ فى عيون هذه الأغلبية الكثير من الأفكار والتفسيرات . من الأغلبية من يرى أن الاسلاميين قد تاجروا بدماء الشهداء الابرياء واستخدموا حشودهم المنظمة لسرقة الثورة ليحكموا قبضتهم على جميع مرافق الدولة بعد فوزهم بالسلطة، بجانب الاستعلاء على معارضيهم واسقاطهم من الحسابات السياسية "لكن أرى"، أن الاسلاميين لم يحكموا مصر بالسيطرة على قصر الرئاسة وفرض أنفسهم على جموع الشعب لكنهم تمكنوا من الحكم عن طريق صندوق الانتخاب، بعد معركة انتخابية خاضها جميع الأطراف والاحزاب والتوجهات المختلفة دفع كل منهم بمرشحهم ثم كان اختيار الشعب للاسلاميين، لا نستطيع أن ننكر أن هذه هى الشرعية والديمقراطية وبالتالى فالجميع ملزم باحترامها ليس احتراما للافراد السلطة ولكن احتراما للارادة الشعبية.
ومن الاغلبية من يرى أن القوى السياسية المعارضة والتى برزت قوتها أكثر عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن رموزها هم السبب فى ايقاف سفينة الوطن نتيجة مواقفهم السياسية تجاه ممارسات النظام الحاكم وفضلا عن اتهامهم دائما بالعمالة والخيانة "وأرى أن هذا معتقد خاطئ" فالرموز التى ظهرت لقيادة الشباب الثورى بعد حكم الاسلاميين، لاشك أنها شخصيات وطنية ذات ثقل وخبرة سياسية على المستوى الدولى والحلى، واذا تطرقنا لتاريخ المتصدرين للمشهد السياسى المعارض ندرك وبقوة أن "بعضهم" ذو مواقف وطنية مشرفة، والموقف هنا يستدعى ذكر أمثلة لشخصيات وطنية ك" حمدين صباحى وموقفه التاريخى يشهد له كمناضل مصرى انحاز دائما لطبقة الفقراء المنسية من حسابات النظام، وأيضا المناضل الوطنى أيمن نور الذى تعمد النظام البائد تشويه صورته أمام الرأى العام واتهامه بالعمالة لصالح أمريكا والخيانة لوطنة وقد أظهرت الثورة حقيقة الرجال وكشفت الخائن من الوطنى، ويستدعينا الموقف أيضا ذكر رجال التيار الاسلامى فهم أكثر من تعرضوا لجبروت النظام الظالم وعذبوا فى معتقلاته، كأمثال الدكتور جمال حشمت ومحمد البلتاجى والدكتور محمد مرسى، لا نستطيع أن نزايد على وطنيتهم هم أيضا.
ولكنى أتعجب هنا لان طرفى الصراع السياسى وطنيون، ويعمل كل منهم الصالح الوطن والمواطن فلماذا الخلاف والتنافر، لماذا لا يجدى الحوار والتقارب بينهم نفعا؟ وهل سنظل فى هذه الحرب السياسية التى يدفع ثمنها الوطن بأكلمه، البعض يقول أن الاسلاميين استحوذوا على كل أدوات السلطة ويحركون مسار الوطن كما يريدون، والقوى السياسية ترفض أى حوار فأصبح الرفض هو مبدأهم الثابت لكل ما هو صنيع التيار الاسلامى، حتى ولو كان صنيع تقضيه الاراده الشعبية.
الحقيقية أرى أن قبول الحوار والمصالحة أو رفضها بين طرفى الصراع لا علاقة لها ببرلمان ولا دستور ولا استفتاء ولا اعلان دستورى من عدمه، فإذا امعنا النظر فى عيون الشخصيات المتصدره للمشهد من رموز الطرفين فى وسائل والاعلام وتحليل مبررات كل طرف، سنرى "كراهية كامنة وحقد دفين" بداخل كل طرف تجاه الأخر، وعلى ذلك ندرك أن طرفى الصراع تجرد كل منهم من النزعة الوطنية التى اشاد بها التاريخ لهم، وألبس كل منهم ثياب الكراهية والحقد للاخر، متناسين للاسف أن هناك فقراء يزداد فقرهم يوم بعد يوم ومرضى يشتد مرضهم وأسر وبيوت ينهار بنيانها كضحايا لحرب هذه"النخبة"..فإذا كانت شدة الكراهية والبغض المتغلغل بداخل كل طرف تجاة الأخر هى أداة التفاهم والتواصل بينهم.. فهل يمكن أن يستقيم الحوار أو تتم المصالحة المزعومة فى ظل أجواء التخوين والكراهية بين الأطراف المتصارعة؟؟؟؟.