أحد المجانين : " عن عن عن ..إركب ورايا هنروح المزلقان " .... " القطر قطع راسه .. القطر قطع راسه " "خذ الحكمة من أفواه المجانين" مقولة يتناولها كثيراً من العقلاء فى الشارع والمنزل و العمل ، ولكن لايعلمون أن المجانين كانوا عُقلاء بل أعقل من كثيراً من البشر ولكن الظروف الإجتماعية أو العملية أو الإقتصادية حولتهم من عقلاء إلى مجانين .
فى سابقة هى الأولى فى المجال الصحفى إخترقت " بوابة الفجر " بعدساتها حاجز الخوف لكى ترفع الستار وتكشف الأسباب التى كانت وراء جنون كثيراً من البشر ففى البداية حاولنا دخول مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية و لكن رفض مسئوليها لخطورت ذلك إلا مستشفى واحدة لم تمنعنا من دخولها وهى مستشفى الأمراض النفسية بسوهاج فقررنا الحديث مع المجانين داخل تلك المستشفى و داخل منازلهم.
وفى البداية إلتقينا مع عشور فخرى ، الذى تخرج من كلية الحقوق بلا عقلة و سرد لنا قصتة ولا تستغرب عزيزى القارىء فى ذلك لأن حالتة كانت جيدة أحياناً و متدهورة أحياناً وسرد قائلاً :"عن عن عن إركب ورايا هنروح المزلقان " فهنا تيقنت أن حالتة خطيرة ولا يمكننى الحديث معة إذ بأحد جيرانة و يدعى " محمود" يقول : "يا أستاذ هو بيتكلم صح "..
وأضاف أن قصتة كان من المتوفقين فى الكلية و فى نهاية إمتحانات الكلية وهو فى طريقة إلى المنزل شاهد حادث مرييب عند أحد مزلقانات السكة الحديد ودخل فى غيبوبة لمدة 10 أيام وعندما أفاق منها كان على هذة الحالة .
وفوجئت بأن" فخرى " يقطع الحديث ويقول " القطر قطع راسة القطر قطع راسة و أخذ يضحط ضحك هستيرى عادة ويبكى بصوت مرتفع عادة أخرى و هو يردد " قلتلة متعديش قلتلة متعديش " .
"أبوك كان بيتبن للناقة و الأرض مش بتاعتكم تأكلونها كما تأكل البغل صغارها " بهذة الكلمات الغير مفهومة كان يردد" عبد الشكور " الذى يبلغ من العمر 38 عاماً ، وهو على هذة الحالة منذ 10 سنوات تقريباً بعد أن حرمة أشقائة من الميراث ورفضوا جوازة من بنت خالة التى كانت تربطهما قصة حب كبيرة على حد قول "منصور " إبن عمة .
و ذهبت بجوارة حتى أفهم بعض كلامتة وهو يردد " المية مفهاش و الزرع بيطلع محروق وقلتلهم إزرعو مكرونة أحسن " وكلام كثير جداً إستنتجت منة أن نصيبة كان 38 قراط أرض زراعية إنتزعها منة أشقائة بعد أن حرموة من بنت خالة ونفوة خارج القرية ورفضوا علاجة بعد مرضة .
فى حالة هادئة تماماً تحدث معى عبد الرحمن . ع " من داخل مستشفى الأمراض النفسية بسوهاج" قائلاً: " أنا والله عاقل مش مجنون " والذى أتى بى إلى هنا أخى الأكبر الذى إستولى على أرضى وراتبى وأدعى بأنى "مريض نفسى " غير قادر على إدارة تلك الأموال رغم أنى أدرك كل شىء.
و أضاف أخى يأتى كل أسبوع ليدفع مصاريف المستشفى ليس لعلاجى و لكن لكى يوهومنى بأنى " مجنون" حتى لأ أخرج و أسترد أموالى و أرضى من أخى ، ولكن سرعان ما ذهب عقلة وعاد إلى حالتة المتأخرة مرى أخرى و أخذ يردد " مش هسيبه مش هسيبه " حتى أتى عامل والمستشفى و طلب منى أن أكتفى بهذا القدر نظراً لتأخر حالتة .
صعدنا سلاسل المستشفى فى صمت حتى نتوصل إلى قسم السيدات ونعرف الأسباب التى دفعتهم إلى الوصول لتلك الحالة فقالت م . ع . ف " ربة منزل ، أنا أدرك كل شىء ومعى 7 أولاد و لكن تصيبنى حالة تشنق أحياناً تجعلنى أخنق كل من يقابلنى ، حتى أدركت أنها سليمة و تسألت لماذا تتعالج هنا إنها سليمة؟ ، وفجأة صرخت بأعلى صوتها " إمشى إمشى " فسرعان ما أخذنى عامل المستشفى إلى خارج الغرفة وقال لى بأن حالتها خطيرة لا تتحدث معها.
و أثناء خروجى من المستشفى لفت إنتباهى رجل يدعى "عم حسين " يجلس تحت شجرة ويستمع إلى "الراديو" فذهبت إلية فوجتة يردد قائلً : والله اللى بيحصل ده حرام مافيش حد فاهم حاجة فاكرين إنهم لو بقوا رؤساء مصر هاياخدوا فلوس بس بعد إيه، ما البلد خربت ومبارك خد الفلوس اللى فى البلد كلها وطار "زى ما خواتى خدوا فلوسى كدة " فقلت له أن مبارك بيُحاكم الآن فضحك ثم قال والله إحنا اللى بنتحاكم مش هو .
و قبل أن أتركة قال :"أنا نفسى أطلب منّك طلب ولو نفذت طلبى هاقولك أنا عايز إيه" فقال "أنا نفسى أشوف أخويا الكبير و يجى يزورنى هنا و مش عايز الفلوس اللى خدها منى أنا عايز أقولة "ربنا يسامحك " هى فلوس كانت كتيرة بس مش مهم أنا أشتكيت لجمال عبد الناصر رئيس الجمهورية وقالى"أنا هجبلك حقك ".
الأمر خطير جداً و فى ظل تلك كل الظروف ولكن يوجد إهمال ملحوظ بتلك المستشفيات التى تتبنى حالات الأمراض النفسية فصرح أحد أمن المستشفى رفض ذكر إسمة أن العاملين هنا يأتون بعد مواعيد العمل و أنه لا توجد نظافة بالمستشفى و لا إهتمام بالمريض .
ذهبنا إلى مكتب مدير المستشفى و لكن لم يكن متواجد بالمكتب فتحدثنا مع نائبة الذى رفض التحدث معنا معللاً أن المسئول عن الأحاديث الصحفية والأعلامية هو مدير المستشفى فقط ، و الأمر كان كذلك عند الحديث مع الطبيب المعالج الذى علل بأن ذلك أسرار المرضى ولا يمكن التصريح بها لأحد.
تركنا مستشفى الأمراض النفسية بعد أن حاولنا رغم خطورة الموقف رصد الأسباب الحقيقية وراء جنون المرضى المتواجدين بداخل المستشفى والتى تلخصت فى أسباب مادية و إجتماعية و أسرية.
الأمر يحتاج إلى نظرة المسئولين لهولاء المرضى فإن أقل ما يقدموه لهولاء بعد ضياع عقولهم هى الرعايا الصحية والنفسية السليمة و الإهتمام بهم تعويضاً لهم على ما فقدوة بسبب الظلم الذى شهدوه على يد أقاربهم و زويهم من ناحية وظلم المسئولين و إهمالهم لهم من ناحية أخرى .