الدين الأمريكى يتجاوز 38 تريليون دولار فى أسرع تراكم تريليونى خارج كورونا    مصر والاتحاد الأوروبي يوقّعان اتفاق المرحلة 2 لآلية مساندة الاقتصاد الكلى    بحضور الرئيس السيسي.. قمة مصر والاتحاد الأوروبي تتصدر صحف العالم    «الإفتاء» توضح حكم بيع وشراء الحسابات داخل الألعاء الإلكترونية    محافظ الجيزة يبحث موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي لتلبية احتياجات المواطنين    الإعلان عن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    أسعار النفط تقفز 3% بعد العقوبات الأمريكية على روسنفت ولوك أويل    لزراعة 250 ألف فدان، بدء توزيع تقاوي القمح على المستفيدين في 16 محافظة    الصحة: خفض معدلات الإصابة بمرض الدرن إلى 9 حالات لكل 100 ألف نسمة    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    أمطار غزيرة وعواصف قوية في نوات الشتاء 2026.. والفيضة الكبرى على الأبواب    رابط التسجيل في قرعة الحج على موقع وزارة الداخلية 2026    بهذة الطريقة.. طة دسوقي يحتفل بميلاد زوجته    ما هي الشهادات المتوفرة الآن في بنك مصر؟ قائمة بأعلى العوائد    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في البنوك المصرية.. اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    فلسطين.. افتتاح قسم الجراحة العامة بعد الترميم في مستشفى الخليل الحكومي    «إنت عايز تهد نادي الزمالك».. ميدو يفتح النار على أسامة حسني    «لازم تركز شوية».. أحمد شوبير يفاجئ نجم الأهلي برسائل نارية    مسئول كبير بالأمم المتحدة: سوء التغذية في غزة ستمتد آثاره لأجيال قادمة    البابا تواضروس: مؤتمر مجلس الكنائس العالمي لا يستهدف وحدة الكنائس بل تعزيز المحبة بينها    الأصول أهم    لاعب سابق بالأهلى يدعم محمد صلاح: لولا أنت كان ليفربول بالمركز السابع    ليفربول يفك عقدته بخماسية في شباك آينتراخت فرانكفورت بدوري الأبطال    محمد صلاح يثير الجدل بعد حذف صورته بقميص ليفربول    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    ختام فعاليات الدورة التثقيفية للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بمكتبة مصر العامة بالمنصورة.. صور    رئيس الوزراء البريطاني: يسعدني انضمام أمريكا إلينا بفرض عقوبات كبيرة على شركتى النفط الروسيتين    نشوب حريق مخزن أخشاب بطريق بلبيس – أبوحماد بالشرقية    «التعليم» تكشف مواصفات امتحان اللغة العربية الشهري للمرحلة الابتدائية.. نظام تقييم متكامل    نفذها لوحده.. كاميرات المراقبة تكشف تفاصيل جديدة في "جريمة المنشار" بالإسماعيلية    مقتل وإصابة 4 من قوات شرطة الطاقة في انفجار أنبوب غاز غربي بغداد    حبس «الجن» 4 أيام بعد إلقاء زوجته من شرفة منزلهما بمحافظة بورسعيد    وكالة: كوريا الشمالية تعلن تنفيذ تجارب ناجحة لصواريخ فرط صوتية    علي الحجار يطرب جمهور الموسيقى العربية ويحيي تراث أم كلثوم بصوته    بعد تداول فيديو مفبرك.. حنان مطاوع تنتقد استخدام الذكاء الاصطناعي في تشويه الحقيقة    زوج رانيا يوسف: بناتها صحابي.. وكل حاجة فيها حلوة    الصحف المصرية.. حراك دولى لإلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    سان دييجو أو اتحاد جدة أو الهلال.. من الأقرب لضم محمد صلاح حال رحيله عن ليفربول؟    خالد الجندي: الغنى والشهرة والوسامة ابتلاء من الله لاختبار الإنسان    ترامب يدعو مربي الماشية إلى خفض الأسعار ويؤكد استفادتهم من الرسوم الجمركية    تهديدات بالقتل تطال نيكولا ساركوزي داخل سجن لا سانتي    10 رحلات عمرة مجانية لمعلمي الإسماعيلية    رئيس محكمة النقض يستقبل الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي    مدحت عبدالدايم يكتب: محمود ياسين فنان متفرد يقود سيارته ويغنى للعندليب    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    رئيس هيئة النيابة الإدارية في زيارة لمحافظ الإسكندرية    4474 وظيفة بالأزهر.. موعد امتحانات معلمي مساعد رياض الأطفال 2025 (رابط التقديم)    رفض الطعن المقدم ضد حامد الصويني المرشح لانتخابات مجلس النواب بالشرقية    اليوم.. «6 مباريات» في افتتاح الجولة العاشرة بدوري المحترفين    هترم عضمك.. وصفة شوربة الدجاج المشوي التي تقاوم نزلات البرد    مش هتنشف منك تاني.. أفضل طريقة لعمل كفتة الحاتي (چوسي ولونها جميل)    مع اقتراب الشتاء.. خطوات تنظيف اللحاف بسهولة    ألونسو: سعيد من أجل بيلينجهام.. وصليت ألا يتعرض ميليتاو للطرد    ضياء رشوان: الاتحاد الأوروبي يدرك دور مصر المهم في حفظ السلام بمنطقة القرن الإفريقي    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د . رشا سمير تكتب : الصبر السرمدى الطويل!
نشر في الفجر يوم 15 - 08 - 2012

(عم أحمد) رجل بسيط يعيش فى الأقصر منذ أن وعى على الدنيا، وُلد بها وآبى ألا يُدفن إلا تحت ترابها...كان شاهدا على عصر الفساد، ومؤمنا بأن القادم أفضل..ولكن بعد الثورة والفوضى، ماتت السياحة فى قلب المدينة الشامخة، وهجرها السياح.. فبقى تمثالى آجا ممنون شاهدين على السكون المُخيف، ولم يعد أبناء البلد يسمعون سوى أصوت الخواء فى بهو الأعمدة ونعيق البوم فوق مقابر الملوك والملكات بالبر الغربى..طُمست النقوش من فوق المسلات..وتوقف كهنة آمون عن إقامة شعائرهم الدينية فى رحاب قدس الأقداس.. إنتصر الخراب وخفق الأمل، ومات الإيمان بالغد فى قلوب أهل الأقصر..
ذهب عم أحمد مُتحاملا على آلام المرض التى سكنت جسده، وعلى الشعور باليأس الذى أعترى كل ملامحه عقب إنهاء عقده من قبل صاحب الفندق الذى عمل به لمدة ثلاثون عاما ، ذهب ليقابل الرئيس حين علم بقدومه إلى الأقصر..لقد كان يحلم ليل نهار بمقابلة الرئيس الذى إنتخبه بعد إقتناع شديد وإيمان بأنه قادم ليقيم دولة العدل والكرامة بعد سنين من القهر والقمع والفقر..
وقف "عم أحمد" أمام باب قاعة المؤتمرات الدولية ثلاث ساعات وفى يده ورقة، ورقة كتب فيها شكواه ووصف فوق سطورها آلامه وأحزانه ومشاكله الذى سمع الرئيس يؤكد بقدرته على حلها مرارا وتكرارا أيام حملته الإنتخابية..
مرت الدقائق والساعات والرجل فى محاولة بائسة للوصول إلى الرئيس..لكن دون جدوى..وأخيرا قرر العودة إلى بيته..مطأطئ الرأس، خائر القوى..
سألته زوجته عقب عودته إلى المنزل:
-" يا سي أحمد، قابلت الريس مُرسي، قولى قالك إيه وقلت له إيه؟ "
رد عم أحمد وقد إنتفضت ملامحه بالحزن والأسي:
-" الحرس الخاص منعنى، وحاولت أديله الورقة، فشاورلى أديها للراجل اللى وراه، ولما مارضاش ياخدها منى، رجعت والورقة فى جيبى، بعد ما حودت عالقهوة علشان أشوف المؤتمر اللى عمله فى التلفزيون".
- " طب وقال إيه ياخويا فى المؤتمر؟ "
-" قال إن الناس ممكن تتحمل شويه إنقطاع الكهرباء والميه، وقال إن هو نفسه فى بيته الكهرباء بتقطع عليه، وطلب من الناس إنها تقطع الكهرباء بنفسها فى بيوتها ساعتين كل يوم كنوع من المساهمة فى حل مشاكل البلد، يعنى كل واحد يختار الساعتين اللى يناسبوه بدل ما الحكومة تقطعها عليه..ووعد الناس كمان إن زيارته دى حتخلى السياحة تزدهر والناس كلها حتلاقى شغل..وقال كلمة غريبة قوى يا أم يوسف مافهمتهاش ..قال إن الشعب المصرى طول عمره شعب قادر على التحمل والصبر، حتى إنه وصف الصبر ده بكلمة (الصبر السرمدى الطويل)..اللى هو إيه يا حاجة، الله أعلم!".
تعجبت أم يوسف من كلام زوجها ولأنها لم تفهم معنى الكلمة فعادت تسأله:
-" طب ماقلش إزاى ياخويا ، يعنى ناوى يعمل إيه والا إيه مثلا خطة الحكومة؟ ".
-" لأ ماقلش.. بس أنا برضه عمرى ماحندم إنى إنتخبته، ده رجل بتاع ربنا يعنى عمره ما حيعمل حاجه تغضب ربنا وأكيد حيبقى عادل".
تنهد عم أحمد وسقطت دمعة رغما منه على الأرض، فربتت زوجته على كتفه...
-" بقى لى سنة بحالها دلوقتى من غير شغل، ولولا ولاد الحلال بيفتكرونا كان زمانا مُتنا من الجوع...كان نفسى بس أسأله، حاكمل جهاز البت منين؟ حادفع فلوس أمى اللى مرميه فى المستشفى على جهاز التنفس الصناعى منين؟ النهاردة عرفت أدبر تمن غسيل الكلى بتاعك بمعجزة طب والأسبوع الجاى حاجيبه منين؟..
كان نفسى أتكلم معاه وأقوله ياريس هو أنا لما إنتخبتك مش قلت لنا إن كل مشاكلنا حتتحل، مش عشنا أشهر طويلة بناخد زيت وسكر من الناس بتوعك..طب بطلوا يعدوا علينا ليه؟، ده حتى لما بنسألهم فين الخير اللى كنتوا بتجيبوه لنا، بيقولولنا: بعدين بعدين..مع العلم إن الأكياس بتاعتهم كان مكتوب عليها (نحمل الخير لمصر)".
أخذت أم يوسف رأس زوجها بين ذراعيها، وقبلت جبينه وقالت له:
-" ولا يهمك يا حاج، ربنا أكبر من الكل، ربنا حيفرجها إنشاءالله وزى ما صبرنا على الهم والسرقة تلاتين سنه، أكيد حال البلد حيتعدل فى يوم من الأيام ".
-" أهو أيام الهم والسرقة على الأقل كنا لاقيين شُغل..همه الناس دول ضحكوا علينا وإلا إيه..الواحد ساعات غصب عنه بيقول أمال إسلام إيه ودقون إيه، ده سيدنا عُمر بن الخطاب كان بيلبس هدوم مقطعة وبيغمس العيش فى زيت علشان الناس تلاقى تاكل.. بيت مال المسلمين كان بيكفى كل الناس، وعمالين يقولوا لنا مشروع النهضة وخطة الميت يوم..إمتى بقى أى حد حيحكم البلد دى حيحس بجد بالناس الغلابة..أنا والنبى يا حاجة خايف أحمد يطلع زى الحاج أحمد ".
" طب والحل يا حاج..ما تحاول تروح تقدم فى ديوان المظالم؟ "
ضحك عم أحمد مقهقها:
" أنت مصدقة يا حاجة الكلام الفارغ ده، ده أنا أعرف ناس واقفة بقى لها شهر..عمالة تقدم فى ورق وشكاوى وبيؤكدوا عليهم أن الريس بنفسه حيبص على كل الشكاوى..بس إن جيتى للحقيقة، هو الراجل فاضى لإيه وإلا إيه؟ يعنى يقفل الجرايد والقنوات اللى عماله تكسر فى مقاديفه، وإلا يفرج عن زمايله بتوع الجماعات، وإلا يقابل الريس بتاع حماس، والا يا عينى يوفر لقمة سخنة وكهرباء لاخواتنا فى غزة، والا يقابل الست بتاعة أمريكا اللى بتدينا المعونة..وإلا إيه..ربنا يقدره على اللى هو فيه..قاله يا حاجة هو أنتي عارفة يعنى إيه كلمة سُرمدى؟! ".
فى هذه اللحظة رن جرس هاتف عم أحمد المحمول فسمع صوت يقول:
-" البقيه فى حياتك يا حاج، أمك تعيش أنت..الكهرباء قطعت عليها فى المستشفى خمس ساعات فاتعطل جهاز التنفس، وربنا إفتكرها..شد حيلك ".
تسمر الرجل فى مكانه ولم ينطق..مادت الدنيا تحت قدميه، لم يعد يرى سوى سواد حالك..هل تدخل الله ليزيح حملا من فوق كاهله؟.. هنا فقط إتضحت معالم الصورة للرجل الغلبان، إن الموت أحيانا يكون أشد رحمة على الإنسان من الفقر واليأس..إبتسم عم أحمد نصف إبتسامة، فسألته زوجته:
" بتضحك على إيه يا حاج؟".
" أخيرا عرفت يعنى إيه سرمدى!".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.