يخطيء من يظن أن المعركة مع الماضي القبيح انتهت بتنصيب المشير السيسي رئيسا للجمهورية بل بدأت وتجسدت أيام التصويت الثلاثة في عبث محكم لإحراج الرجل وهز الثقة المطلقة في قلوب مؤيديه للحد الذي دفع بعضهم للتفكير فيما يمكن أن يحدث إن فاز حمدين صباحي. الماضي القبيح أراه ثلاثة فرق لا يجمعهما إلا العمل مبكرا على إسقاط خطر داهم بوجود رئيس ذي شعبية مخلص "عينه مش مكسورة" بالتعبير الدارج البليغ. أول تلك الفرق عبيد المرشد أيتام المعزول ضحايا أصنام كهف المقطم المعروف إعلاميا بأعضاء مكتب الإرشاد وسيكون هدفهم الأول إرباك وتشويه كل رسائل يبعث بها المشير أو تصدر عنه بأسلوب الاستلواح وقلب الحقائق الخط الرئيسي في تهيئة المتدربين الجدد بأكاديمية الاسترقاق الفكري في جماعة البنا وشركاه. ولن يخلو الأمر من اللجوء للجهاد "القطبي" بالعمل بكل قوة على ترسيخ عبارة "ده كان انتخابه فقر على البلد" وفي سبيل ذلك لا مانع من حريق مصنع هنا أو حادث قطار هناك أو انفجار هنا أو قطع طريق هناك الأمر يتوقف على التيسير والقدرة على الإبداع في ألا تهدأ الشاشات عن بث أخبار سيئة طوال الوقت وسيوفر الجهل الإعلامي الذي يتعامل مع الظواهر من خارجها ولا يبحث عن الأسباب أو الدوافع وراء ما يبثه من رسائل إلى العقول طريقا ممهدا لنجاح ذلك. وبالطبع أعضاء ذلك الفريق تحت ضغط الفناء لن يملكوا إلا محاولة استنساخ مرحلة ارتباك مرسي في القصر لخلق الحالة الغاضبة التى دفعت الملايين إلى الثورة على مندوبهم الأجير بالاتحادية نزيل سجن برج العرب الحالي وعلى قدر تحرك السيسي وحكومته ومن ستكون سرعته أكبر على الارض ستأتي النتائج. أما الفريق الثاني فهم قواعد حزب النور والتيار المتسلف عامة وهؤلاء تحت ضغط الخوف التحقوا بسفينة نوح التى دشنت في 3 يوليو وحجزوا مقعدا حرصوا على تركه خاليا وإن بدا أحدهم جالسا عليه فظهروا في بيان الجيش المصري الذي ألقاه وزير الدفاع آنذاك المشير السيسي من منطق "تحسبهم جمعاً وقلوبهم شتى". وكان منطقهم أثناء التصويت كالتالي ...لن نصوت لحمدين صباحي فهو لا يصلي ولن نصوت للسيسي لكنه الإمام المتغلب في الأرض والصدام معه فتنة تفسد معركتنا المؤجلة في البرلمان المقبل فليخرج قادتنا برهامي وبكار ..و...و ويلتقطون الصور وهم يؤشرون على ورقة الاقتراع لصالح السيسي أمام كاميرات الإعلام الساذج ولنحشد ربع أنصارنا للظهور في الطوابير ليدخلوا لإبطال الأصوات داخل اللجان..ومن وجهة نظرهم نكون بذلك أرضينا الله بعدم تسليم البلاد لشخص كحمدين ورفعنا عن أنفسنا الإثم بالتصويت للسيسي قاتل حلفائنا. لكنهم يستعدون وبكل قوة لمعركة مجلس النواب الذي منحه الدستور صلاحيات واسعة لإدارة البلاد يبدو معها الرئيس المنتخب عاجزا للحد الذي لا يستطيع معه عزل أحد وزرائه بل إلى الحد الذي يمكنهم من عزل الرئيس نفسه إن حصلوا على ثلثي المقاعد. لكن لماذا الخوف من الديمقراطية إن أتت بالسلفيين لحكم البلاد أليست هذه قواعد اللعبة...والجواب أنه لاخوف ممن تفرزه الانتخابات إن اتفقنا كجماعة وطنية تتنافس على السلطة على ثوابت الدولة ومسارها وتعاونا جميعا على تعظيمها والتحرك في إطارها . إنما الخطر الذي أقصده هو أن السلفيين يكفرون تماما بالدولة المصرية التى تحرك المشير السيسي بالجيش المصري للدفاع عنها ويعيشون في مجتمع مغلق يفرض على كل منتسبيهم منهج حياة ورؤية من زاوية معينة للشريعة بعيدة عما توارثه المصريون من فهم لها وهم لا يعيشون بيننا إلا بالأمل في أن يتسلف بقية المصريين وبالتالي لن يكونوا حريصين على مشاركة فعالة في صنع مستقبل هم يعتبرونه مرحلة مؤقتة تسبق نشر فهمهم الضيق لمقاصد الشريعة السمحة والاعتماد عليهم وقت ضائع من عمر البلاد. ويمثل الفريق الثالث دوائر المصالح المرتبطة بدوائر الحكم الذي تسلمه المشير مطلع ولايته وكان ذلك الفريق أطول صبرا من كل مناضلي الثورة وأشدهم ثقة في العودة لمناطق النفوذ التى أظهروا أنهم غادروها بعد 25 يناير بل كان هذا الفريق أسبق إلى الالتفاف حول المشير ممن كانوا إلى جواره في بيان 3 يوليو وأعطوا الرجال انطباعا وطنيا باستعدادهم التام ليكونوا جزءا من كتيبة الرئيس المنتظر وأحد عوامل نجاحه لكن الحقيقة أنهم يريدون مستقبلا يدار بقواعد الماضي "عصر مبارك" وأن تظل مقدرات البلاد من ثروات واراضي وبشر مواد خام لاستثماراتهم وتحريك ثرواتهم . تلك الفئة كانت بحكم خبرتها في كواليس الحكم أكثر إحساسا بالخطر من غيرها وأدركت خطورة أن يحظى المشير بصورة عبد الناصر الحاكم القوي القادر على دفع الامور في الاتجاه الذي يريده كيفما يشاء .وبالفعل قررت تلك الفئة ممارسة اقصى أنواع التلون وبرعت فيه بشكل تجاوز نفاق الإخوان لمجلس طنطاوي العسكري وأروع من نفاق السلفيين لمجلس السيسي العسكري وكان الهدف المباشر هو تلويث المشير بالماضي فجمعوا له كل رموزه ليلتقطوا معه الصور ليعاد نشرها على مجاريحهم من أجيال جعلوا من مستقبلهم سلالم لمجدهم وسخروا نوافذهم الإعلامية لتدشين حملة تهليل ممجوج افتقدت لدقة المرحلة التى تعيشها مصر لإرسال رسالة مفادها أن يا شعب السيسي العريض إن كنتم تطنونه عبد الناصر الجديد فأنتم مخطئون بل هو امتداد لمبارك ليس أكثر. وأزعجهم إصرار المشير على أنه لن يكون مدينا لأحد بفواتير واجبة السداد لوصوله لمقعد الرئيس سوى المصريين فدبروا له مسرحية هزلية انطلقت من نوافذهم الإعلامية شعارها "ضعف الإقبال" وأن المشير في ورطة حتى بدا وكأنه يتسول الناخبين لهدفين أن يفقد السيسي حماسه لجماهير أقنعوه بأنها باعته في أولى محطات مشواره معهم وأن يفقد منتخبو السيسي أملهم في استنساخ عبد الناصر جديد. نجح هؤلاء جميعا في هز ثقة فئات كانت مصطفة مع الرئيس السيسي ..فئات تحولت من خانة التفاؤل بالمستقبل إلى خانة الترقب ودوائر الشك..ويبدو لى المشير السيسي اليوم في الوضع نفسه الذي فرضه أعضاء الحزب الشيوعي على الرئيس الراحل انور السادات الذي بلغ نفوذهم معه لحد منعه من دخول التليفزيون الرسمي للبلاد مرورا بتشكيل حكوماته لثلاث سنوات حتى جاءت لحظة سمع فيها السادات المصريين ينادون " افرم افرم يا سادات" التي تعالت وهو يحطم مراكز القوة داخل حكمه التى مهدت له الطريق نحو انطلاقة حرة سمحت له بتحقيق نصر بحجم انتصار أكتوبر المجيد . سيادة الرئيس المشير السيسي .... إذا عزمت فتوكل على الله ..ألا هل بلغت ...اللهم فاشهد .