قليلة تلك الأصوات التى تدخل قلوب وعقول المصريين، فيصدقونها ويتفاعلون معها، لدرجة تصل إلى حد التوحد، فتصير هذه الأصوات مثل ضمائرهم الحية، التى تبصرهم بالحقائق اللازمة للسعى الآمن والسليم فى الحياة. عندما تحدث الجنرال، صاحب الملامح الحادة، والبنية الضخمة‘ لقى صوته صدىً واسعاً عند المصريين، بعد أن نجح بلغته الصريحة القاطعة، وأفكاره العميقة الواضحة، ورؤيته الصافية، أن يطمئنهم ويبدد مخاوفهم، وأيضاً بعد أن نجح أن يعبر عن عقيدة العسكرية المصرية الراسخة، التى تعلى من أمن وسلامة ومصالح الوطن، وتضعها فوق كل اعتبار آخر، ولا تبخل بروحها ثمناً زهيداً فداء لأرض وحق شعب فى حياة مستقرة، فى تجسيد إيمانى واقعى لقول الله تعالى: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا". الجنرال " أحمد وصفى" قضى جل زمنه العسكرى، منذ أن تخرج فى الكلية الحربية، وهو يعمل فى سيناء، حتى أصبح قائداً للجيش الثانى الميدانى، الذى يخوض اليوم معركة تحرير سيناء الثانية ، بعد تحريرها فى المعركة الأولى عام 1973 من العدوان، وهى معركة شرسة ضد عناصر جماعات إرهابية وتكفيرية، تعمل لحساب قوى أجنبية وإقليمية، ترعى وتدعم وتمول، من أجل تحقيق مشاريعها "المشبوهة" فى المنطقة. " الجنرال" فى معركته، لا يجلس فى مقر قيادة محصن، وإنما يرابط مع قواته على الأرض، بالقرب من حدود مصر الشرقية، يواجهون معاً مصيراً واحداً، بعد أن أقسموا على كتاب الله بأنهم لن يغادروا سيناء، إلا بعد القضاء على طيور الظلام وخفافيش الإرهاب الأسود. صوت " الجنرال " عندما يتحدث أشبه بزئير أسد من أُسود مصر الرابضة والشجاعة والعاشقة، وهو على قدر سعادته بإطلاق لقب " أسد الصحراء" عليه، إلا أنه يرفض تلخيص إنجازات الجيش الثانى فى شخصه ويقول إنه لا يساوى شيئاً بدون رجاله. يقول الجنرال فى لغة موجزة دالة، مثل طلقات رصاص حية تصيب أهدافها بدقة بالغة: " كنا نستطيع أن نقضى على الإرهاب فى سيناء خلال ساعات معدودة، ولكن هذا كان يعنى تدمير الأخضر واليابس فى طريقنا، ونحن لا نريد أن يدفع أبرياء الثمن، وخاصة أن هؤلاء الذين يدعون الدين ليس لديهم نخوة أو شجاعة، ويحتمون بالسيدات والأطفال، ويعلمون جيداً أننا لن نعتدى على طفل أو إمرأة، فنحن نخوض حرباً مع عناصر غير شريفة، وأن الجيش وأهل سيناء تربطهم علاقة قدسية". يطلق "الجنرال" وصفاً دقيقاً على الإرهابيين والتكفيريين، بأنهم " ورماً سرطانياً صغيراً" يجرى استئصاله، وأن العمليات فى سيناء قد انتهت، وما يحدث الآن عملية تطهير كاملة، ويحذر من تسول له نفسه المساس بحدود مصر بأن الجيش سيتولى تأديبه، وأن من "يقل عقله" ويقترب من قناة السويس، سيدفع ثمناً لا يحلم به، ويطالب الإرهابيين أن يتقوا الله فى هذا البلد، وأن يتقوا غضب الجيش المصرى الذى بدأ صبره فى النفاد. متى يلفظ الإرهاب أنفاسه الأخيرة فى سيناء، ومتى تعود إلى أحضان الوطن؟ وهل يمكن تحديد موعداً ينتظره المصريون بشوق كبير؟ . إن معركة "الجنرال" ورجاله ليست النهاية، ولكنها يجب أن تكون البداية لمعركة أخرى، لا تقل أهمية عن معركتى تحرير سيناء الأولى والثانية، وهى معركة تنمية سيناء، التى تأخرت كثيراً، وكادت أن تكون، إن لم تكن هى السبب الرئيسى فى ما نواجهه الآن من أخطار مدمرة، وأحسب أنها معركة كل المصريين، وتعد بخير وفير، فرمال سيناء على حد قول الجنرال " وصفى" تكفى وحدها لسداد ديون مصر!.