لم تخل رواية "حافة الكوثر" للشاعر والروائي علي عطا الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية حديثا، من دلالات مهمة وتشويق مثير، فأراد عطا الذي طرق باب كتابة الرواية للمرة الأولى ألا يتخلى عن البوح ب "المعاني" التي ظلت في "بطن" الشاعر. و"حافة الكوثر" الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية"، هى الرواية الأولى للشاعر علي عطا، في نحو 155 صفحة من القطع المتوسط. وسبق أن صدر لعلي عطا ثلاثة دواوين شعر هى "على سبيل التمويه"، و"ظهرها إلى الحائط"، و"تمارين لاصطياد فريسة". والكاتب شاعر وصحفي، وعضو اتحاد كتاب مصر، وعضو جمعية المراسلين في القاهرة. وفي "حافة الكوثر" بدا "ارتباك" بطلها الرئيسي حسين عبد الحميد علي جاد، نموذجا لارتباك وطن بأكمله بين ثورتين وتخبطه بين تجاذبات فصائل وقوى أرهقته وأنهكته خلافاتها. حسين عبد الحميد علي جاد، هو الراوي الذي يعمل صحفيا في وكالة أنباء المحروسة، تجاذبته أيضا مشاعره الصافية بين خلافات وتناقضات محيطه، فلجأ إلى "مصحة الكوثر"، ليشفى من "اكتئاب نفسي" ألم به، فوجد في عالمها ما أعظم من اكتئابه، وارتباكه. حسين عبد الحميد الحنون على ابنتيه حنان وحنين وتؤرقه متاعبهما، وآلام حفيدته وابن أخيه اللذين يعالجان من مرض عضال، يُرهق عقله وقلبه بكل تلك المتاعب وتتجاذبه علاقات ملتبسة مع زوجتين، فيقرر أن يتخلص من متاعبه بالبوح بأسراره التي زجت به في آتون الاكتئاب النفسي، ليجد تشجيعا بل وتحفيزا من صديقه الصدوق الطاهر يعقوب المغترب والمنفي اضطراريا أحيانا, واختياريا أحيانا أخري. وفيما يروي حسين عن حياته ومتاعبه، وما أكثرها، يعيد القارئ إلى عقود طفولته الأولى، واصفا وجها من وجوه مصر الجميلة، حين يتحدث عن جدته أبيه "ست الدار"، التي تسكن في باب الشعرية، وخاله العريف مجند محمد توفيق ريحان يوسف الذي استشهد في حرب أكتوبر عام 1973، ووالده الذي دُفن في مقابر الصدقة، وأمه زاهية التي حرصت دوما على تعليمه حتى صار شاعرا وروائيا وصحفيا يشار له بالبنان، ولم ينس التطرق إلى علاقة أسرته الصغيرة بالجارة أم جرجس، والعلاقات الودودة بين الجيرة. ولما ارتبك الوطن كأن شخوصه كلهم ارتبكوا، فحين تكالبت على حسين المتاعب التي لم يكن هو مصدرها، بل أحبائه، ولما تجاذبته المشاعر المتناقضة، وضربه الاكتئاب، دخل "الكوثر" تلك المصحة النفسية التي روى عن عيشتها وأهلها بدقة وكأنه ينقل القارئ بين جدرانها يتجول في عنابرها ليحيى تلك التجربة التي قد تكون قاسية مريرة على البعض ناعمة شافية لآخرين. فمن ضمن ضيوف الكوثر الدكتور نعيم حماسة الطبيب النفسي الشهير، ومن نزلائها أحمد جمال الدين المدير في شركة مقاولات, والدكتور عامر الإسناوي الصيدلي الذي قتل أبنة شقيقته, والطبيب حسام شاكر، وآخرون لكل منهم رواية وحده. واهتم عطا في روايته بالأمكنة بشكل لافت، فهو يصف بدقة محيط "الكوثر" وقصة مسجد "حسين صدقي"، ومناطق عدة في حي المعادي وكيف ضربتها العشوائية وسيطر على مناطق فيها بلطجية خصوصا بعد الثورة، ويحي عن مقهي سوق الحميدية, وعنبر صيانة قطارات المحطة الفرنساوي في المنصورة حيث نشأ، ويصف دار ابن لقمان ومحيط مديرية أمن الدقهلية التي استهدفت في ديسمبر 2013, بتفجير إرهابي، والمسرح القومي, ومقهي أندريا, وكنيسة الأرمن الكاثوليك, ومسجد الصالح نجم الدين أيوب. وختم علي عطا روايته ب "نهاية مفتوحة"، واصفا مشهد السوق الذي يضج من الركود، وفي المشهد كلاما يصدر عن تلفاز لمناسبة الذكرى الخامسة للثورة، فيما رجل حائر من بداية الرواية يشغله سؤال يجول به على رواد السوق: "يا عم، هو التدخين ينقض الوضوء؟".