من المؤكد أن الإعلام والفن الهادف هو الذي يرتقي بالذوق العام ويضع يديه على مشكلات المجتمع للوصول إلى حلول فعالة لها ، ويخاطب عقل المواطن وليس غرائزه أو جيوبه ، والأهم انه يجب أن يلتزم بالضوابط الاخلاقية والمهنية والموضوعية والدينية خاصة وأننا نعيش في مجتمعات شرقية يعتبر الدين واحدا من اهم المكونات الوجدانية للشخصية فيها ، ومن المؤسف حقاً أن نرى برامج تبث وتذاع كل يوم على الفضائيات تنتهك كل هذه القواعد والضوابط والمعايير المهنية والاخلاقية والدينية ، وفي شهر رمضان الكريم.. هذا الشهر الذي هو مناسبة دينية وروحية يجب أن يصوم فيها الناس عن الشرور والآثام والمعاصي بكل أنواعها لا عن الطعام فقط ، فتصويم العين عن رؤية القباحة والمشاهد التي تنتهك حياء المشاهد تدخل في اطار الصوم ، وكذلك منع الاذن عن سماع العبارات الخادشة وغير اللائقة صوم ، ومن المفجع أن رأينا وللأسف الشديد حرمة هذا الشهر تنتهك انتهاكا صارخا وسافرا وتذبح المعايير المهنية والاخلاقية والدينية في كثير من البرامج والأعمال الفنية في شهر رمضان ، وقد استفزتني واستفزت الكثيرين البرامج التي يطلقون عليها "برامج المقالب " مثل برنامج "رامز بيلعب بالنار" للفنان رامز جلال وهو برنامج اقل ملئ بالسخافات والاستخفاف والاستظراف ، وهو بمثابة تمثيلية مفضوحة ومحبوكة بين الضيوف الذين قبلوا على انفسهم ان يكون أداة في برنامج يستخف بعقول المشاهدين المصريين والعرب لأجل حفنة من المال ، وبين معدو ومقدم البرنامج الذين قبلوا ان يقوموا بهذا الدور لأجل جلب أكبر عدد من الرعاة والإعلانات ، وهو برنامج كارثي خاصة وانه يخلق جيلا جديدا ً يعتاد على الحرق وكأن الحرق ومشاهد النيران أمورا معتادة لديه ، وقد سمعنا عن أطفال حاولوا القيام بتقليد الحرائق في البرنامج بمحاولة اشعال الحرايق في منازلهم على غرار ما شاهدوه من مقالب سخيفة ورخيصة. وهناك أيضا برنامج "هاني في الادغال " لمقدمه الفنان "هاني رمزي" الذي ارى انه أساء لنفسه ولسمعته ولتاريخه بمثل هذه البرامج من أجل الحصول على المال ،خاصة وأن البرنامج عبارة عن تمثيلية متفق عليها ولا معنى ولا رسالة فيها بل هناك إسفاف وألفاظ خارجة من بعض الضيوف وهناك للاسف بسطاء من يبتلعون الطعم ويقلدون هذه الالفاظ ، وهناك اطفال ومرضى قد لا يحتملون مشاهدة تمثيلية الرعب التي تمارس على المشاهد الذي هو الضحية لهذه البرامج التي سيكون فيها المجتمع كله ضحية لو تركت هذه الأمور بلا ضوابط ، ومن المفزع والمرعب ما رأيناه في برنامج آخر للمقالب وهو برنامج " ميني داعش " وهو يعد بمثابة تلميع واضح لتنظيم داعش التي هي أخطر ما يكون على أمن مصر والبلدان العربية. ويظهر في البرنامج علامة داعش وهي علامة مجرمة بالقانون ويجب ان يلاحق عليها القائمين على البرنامج لانها علامة لجماعة ارهابية ، وهذا البرنامج يزرع في نفوس الطفل الذي هو مستقبل مصر وقوتها ويزرع في نفوس الطفل العربي مصطلح داعش ، عبر الترويج له في البرنامج وهناك من الاطفال خاصة في المناطق العشوائية المضروبة بالأمية الدينية والابجدية يمكن ان يلجأون لتقليد داعش عبر مشاهدة البرنامج ، فهذا البرنامج حفاظا على امن مصر القومي يجب ان يتوقف فورا ويحال كل فريق البرنامج للتحقيق أمام جهات القضاء ، وللعلم أنا لست ضد برامج المقالب ولكن بالصورة التي تتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا وبالشكل الذي كان يتم سابقا فهذه البرامج لو تمت في إطار منضبط بالقيم والاخلاق والموضوعية سيكون بمثابة متنفس لكثيرين وينتزع منهم ، ولكن كارثة كبرى أن نرى برامج بهذا الشكل المستفز والمنحط أحيانا في بعض العبارات والألفاظ والهدف والذي يدفع الثمن في النهاية هو النشء الذي يتم تدميره والهاؤه عبر هذه البرامج. فمثل هذه البرامج الهابطة وغيرها جرأت الاطفال واثرت في وعيهم سلبيا وجعلت اللغة الهابطة جزءا من اسلوبهم وجعلت ايضا مشاهد الدم والرعب والنار وعبارات السفه والانحطاط امرا عاديا في وقت تستهدف فيه قوى معادية شبابنا واطفالنا في إطار سلسلة الجيل الرابع والخامس من الحروب التقليدية ، واي استفادة يحصل عليها المشاهد من هذه التمثيليات المحبوكة والمفضوحة التي يخرجون بها علينا كل يوم في شهر رمضان الكريم. وأين مؤسسة الازهر الشريف ودورها ؟ واين غرفة صناعة الاعلام من هذه البرامج التي يجب ان تتوقف فورا لو سارت على هذا النهج من الاسفاف والانحطاط والتدني شكلا وموضوعا ً ؟!! لقد حولت بعض وسائل الاعلام في العالم الاسلامي مناسبة هامة وهي مناسبة صوم شهر رمضان التي يجب ان يصوم فيها كل مسلم عن اي شر وليس عن الطعام فقط الى مناسبة للتسلية وجرجرة المواطن العربي مسلما كان او مسيحيا للانزلاق في منحدر هذه البرامج المسيئة ، وهو ما يتطلب من المشاهد نفسه وقفة وان يتخذ قرارا بمقاطعة برامج المقالب وان يقول لا لهذا الاسفاف والانحطاط ، فالمشاهد هو من في يده الامر وهو الذي يستطيع ان ينهي هذه المهزلة بمقاطعة هذه البرامج ومقاطعة المنتجات التي تعلن عنها الشركات الراعية لها ، والمواطن المصري والعربي يقدر ويستطيع بحسه وحفاظا على اسرته ان لا يشارك في هذه المهزلة والجريمة المكتملة الاركان ، فمشاهدته لهذه البرامج هي ايضا جزء من الجريمة على وطن بأكمله ...