ربما لا يدرك حجم المأساة التى تحويها السطور التالية إلا من عاشها، فمن أبسط حقوق الإنسان أن يجد علاجا يشفيه من أمراض تفتك بجسده، ولكن مافيا صناعة الدواء وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار حالا دون ذلك، فأصبح المريض فريسة سهلة لهم، ففى صعيد مصر بالأقصر تجد أجسادا نحيلة وعيونا حائرة تبحث عن الدواء فى كل مكان، فلا تجده، أو تضاعف ثمنه فأصبح من الصعب شراؤه. "صدى البلد" رصد أزمة اختفاء الأدوية الشعبية وارتفاع سعر الأدوية البديلة، ومعاناة المرضى ما بين الدواء غير المتوافر ونظيره الذي لا يقدرون على ثمنه. ويروي محمد عبد الرضي، مريض مزمن بالسكر والضغط والكبد، معاناته بين المرض والبحث عن الدواء، قائلا: "أصبت منذ أيام بارتفاع ضغط قاع العين، فأمر الطيب بأخذ محلول طبي "منيتول 20"، وبحثت فى جميع الصيدليات بالمحافظة فلم أجده إلا فى السوق السوداء بأضعاف ثمنه، وفى نفس الوقت فوجئت بارتفاع أسعار جميع أدوية السكر والضغط، وأنا مواطن بسيط بالمعاش لا أملك مالا ولا قدرة على كسب المال". وحملنا شكوى المواطن إلى الدكتور محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق فى الدواء، لنتعرف على حقيقة الأمر، حيث أكد أن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري هو السبب الرئيسي لارتفاع سعر الأدوية نتيجة ارتفاع سعر المادة الخام التي تحتاجها عملية تصنيع الدواء ويتم استيرادها من الهند ودول غيرها، وبالتالى حدث الارتفاع في سعر الدواء. وأوضح أن بعض الشركات تراجعت عن تصنيع عدد من الأدوية، ما أدى لأزمة فادحة فى سوق الدواء ترتب عليها نقص 170 صنف دواء كانت تصنع بأسعار منخفضة بالقطاع العام ولكن لها بدائل بأسعار مرتفعة بالقطاع الخاص، كما اختفى أكثر من 150 صنف دواء دون توفير بديل له فى سوق الدواء. وقال "فؤاد" إن بعض شركات التوزيع ساعدت فى تفاقم الأزمة، حيث أخفت بعض الأدوية من السوق ثم طرحتها مرة أخرى بأسعار مضاعفة فى السوق السوداء، دون مراعاة أن هناك مرضى فقراء لا يملكون ثمن الدواء. وتوجهنا إلى مديرية الصحية بالأقصر، رغبة في معرفة المزيد حول الأدوية التي زاد سعرها، حيث أطلعنا مصدر مسئول على بعض أسماء الأدوية التى ارتفعت أسعارها فى الأسواق، ومنها عقار "أنسولين اكترايد" لعلاج مرضى السكر ارتفع من 31 جنيها إلى 38 جنيه و"أوجمنتين" مضاد حيوى لا يوجد منه إلا البدائل بسعر 64 جنيها. وأشار إلى بعض الأدوية غير المتواجدة فى الأسواق، ومنها عقار "مهيمون البيومين" لعلاج مرضى الكبد وعقار "ماركاين" لمرضى العناية المركزة وعقار "لاتكتوز كملين" لمرضى الكبد وعقار "سوسبرين 81" مذيب للجلطات. وقال المصدر إن هناك نقصا فى جميع أنواع المحاليل مثل الجلوكوز 10 وجلوكوز 25 ومحلول الملح والمانيتول لمرضى الغسيل الكلوى والهيدرات وعقار "برولفين" للسعال، وأيضا فى جميع أدوية السكر والضغط والكبد والعيون والألبان. ولاستكمال الصورة، توجهنا إلى الدكتور عبد السلام نور السلام، نقيب الصيادلة بالأقصر، الذي أوضح أن المحافظة تشهد نقصا في أكثر من 30% من الأدوية. وأرجع السبب فى ذلك إلى انهيار القطاع العام المتخصص فى إنتاج الدواء، حيث كان ينتج قبل ذلك 60% من الأدوية المتواجدة بالأسواق، والآن أصبح ينتج 4% فقط، وأيضا عدم وجود رقابة على الأدوية وعدم وجود متخصصين فى حل مشاكلها. وقال نور السلام إن القطاع العام ينتج الدواء بأسعار منخفضة جدا لا تتناسب مع تكلفة سعر التصنيع، فتسبب فى خسائر فادحة له وساعد على إيقاف إنتاج بعض الأصناف، وعلى الجانب الآخر هناك بدائل لهذه الأدوية بالقطاع الخاص، ولكن بأسعار مرتفعة يتحكم فيها بعض الشركات ولا توجد رقابة عليهم. وطالب نقيب الصيادلة بالأقصر بضرورة إنشاء المجلس الأعلى للدواء الذى يقوم بعمل رقابي على سوق الدواء والحد من ارتفاع الأسعار ويساعد القطاع العام لإنتاج الدواء مرة أخرى بصورة فعالة.