- غياب الرقابة وعدم وجود حلول جذرية للأزمة ينعشان السوق السوداء - "مرسى" رصد 100 مليون دولار لحل أزمة الدواء والانقلاب أجهضها الغرفة التجارية: - 30% من الأدوية الناقصة ليس لها بدائل و70% بدائلها لا يقدر عليها المريض - 40 مصنعا مهددة بالإغلاق و60 مصنعا تحت الإنشاء تعانى من التعثر الخبراء: - الأوضاع الاقتصادية الراهنة وراء الأزمة واستمرارها ينذر بكارثة فى مجال صناعة الدواء - سامر حسن: الانقلاب أجهض الحلول التى وضعتها حكومة قنديل لحل الأزمة - عبد الجواد هاشم: سياسات حكومة الانقلاب الفاشلة تزيد معاناة البسطاء تتواصل المعاناة التى يتكبدها الفقراء والمطحونون من أبناء الشعب المصرى منذ وقوع الانقلاب العسكرى على الشرعية، فبجانب الاكتواء بلهيب الأسعار ورحلة العذاب فى البحث عن أنبوبة بوتاجاز وارتفاع سعرها بصورة جنونية، وتدنى مستوى الخدمات على كافة المستويات، لم يسلم المرضى الذين يعانون الآلام من تداعيات هذا الانقلاب الغاشم؛ حيث اختفت أنواع كثيرة من الأدوية مما يهدد بكارثة، خاصة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة. واشتغلت أزمة نقص الأدوية بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة التى أسهمت فى عجز العديد من شركات الأدوية عن الإنتاج والاستيراد على حد سواء، وتجاوز عدد الأدوية الناقصة فى الأسواق 450 صنفا دوائيا بحسب تقدير نقابة الصيادلة 70% منها له بدائل ولكن بأسعار تفوق إمكانيات المرضى الفقراء؛ حيث يصل سعر الأدوية البديلة فى بعض الأحيان إلى 200 جنيه وقد يزيد. وأوضح تقرير الغرفة التجارية بالقاهرة، عن شهر أغسطس الماضى، ارتفاع أسعار أكثر من 74 صنفا من الدواء، وتصدرت القائمة زيادات تراوحت نسبتها بين 11٪ و100%، فى “الأنسولين"، "إبنفرين" لعلاج الربو، و"فامدتدين" لعلاج أمراض الجهاز الهضمى، و"أمانتدين" لعلاج الأمراض العصبية، وبخلاف ألبان الأطفال المدعومة، وهناك أصناف من ألبان الأطفال التى يبلغ سعرها 17 جنيها اختفت من الأسواق، مما أدى لارتفاع أسعارها، وفى المقابل توافرت بدائلها المستوردة بأسعار تتراوح بين 35 و60 جنيها للعبوة. وبجانب نقص الأدوية التى لها بدائل توجد أدوية أخرى ليست لها بدائل وتقدر ب30% من الأدوية الناقصة على الرغم من أن جميعها تمثل احتياجا رئيسيا لسوق الدوائى المصرى لارتباطها بأكثر الأمراض انتشارا مثل أمراض السكر وفيرس سى والضغط والقلب والفشل الكلوى وغيرها، ومن الأدوية الحيوية الناقصة ولا بديل لها عقار أزيكس أمبول لعلاج حالات الضغط المرتفع، وهيومن البومين لمرضى الكبد، وعقار سو ليوكورتيف أمبول لعلاج أزمات الربو الحادة وحساسية الصدر، وكذلك نقص حاد فى عقار سلاتسيل للأمراض النفسية. ومن الأدوية التى تشهد نقصا شديدا أيضا عقار سوريستريت والذى يتم استخدامه لمرضى الفشل الكلوى المصاحب لارتفاع نسبة البوتاسيوم فى الدم، وكذلك الأنسولين المدعم وبعض ألبان الأطفال وبعض عقاقير علاج الكبد وهى: «هيباماكس- هيباماكس بلس وإنترفيرون لمرض الاتهاب الكبدى". سوق سوداء من جانبهم، يؤكد الخبراء أن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر بعد الانقلاب العسكرى الدموى أهم أسباب تفاقم أزمة الدواء، مؤكدين أن استمرار الوضع الاقتصادى الراهن ينذر بكارثة محققة فى القطاع الدوائى بدأت بوادرها تظهر الآن. وقال رئيس غرفة صناعة الدواء بالغرفة التجارية -فى تصريحات صحفية- إن هناك أكثر من 40 مصنعا تم الترخيص لها فى العام الماضى مهددة بالإغلاق فضلا عن 60 مصنعا تحت الإنشاء تعانى من التعثر الشديد بسبب ارتفاع سعر الدولار، واشتراط الشركات العالمية التى يتم منها استيراد المواد الخام الدفع النقدى مقدما، فضلا عن توقف العديد من الاستثمارات بسبب سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وفى ظل هذا النقص الشديد فى الأدوية بعد الانقلاب العسكرى انتعشت السوق السوداء للدواء؛ حيث تحتكر بعض الشركات بعض الأدوية الناقصة وبعد تعطيشها للسوق الدوائية لهذه الأدوية الناقصة تقوم ببيعها بأضعاف سعرها الحقيقى، وهو ما تمارسه الآن بعض الشركات فى ظل غياب الرقابة وانشغال حكومة الانقلاب بالملف السياسى وقمع التظاهرات المؤيدة للشرعية. جهود "مرسى" الجدير بالذكر أن صناعة الدواء فى مصر من الصناعات التى تعوقها مشاكل متعددة، ولذلك أولتها مؤسسة الرئاسة فى عهد الدكتور محمد مرسى أولولية كبرى، حيث عقدت عدة اجتماعات بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الصحة ونقيب الصيادلة والعديد من المهتمين بالشأن الدوائى لمناقشة مشاكل صناعة الدواء والأمور التى تعيق بعض الشركات عن الإنتاج وأسفرت نتائج الاجتماعات عن اتفاق، مضمونه أن تدفع الدولة مائة مليون جنيه لتغطية الفارق بين سعر الدولار وسعره فى السوق حتى لا تتعرض الشركات المنتجة للأدوية للخسارة، وحتى لا تضطر إلى رفع سعر الأدوية أو التوقف عن الإنتاج. الانقلاب أشعل الأزمة فى هذا الإطار أكد الدكتور سامر على حسن -عضو نقابة الصيادلة بالقاهرة- أن الأزمة الراهنة والمتمثلة فى نقص العديد من الأدوية الحيوية والتى ترتبط بالعديد من الأمراض المتوطنة فى مصر كأمراض السكر والالتهاب الكبدى الوبائى والأورام والفشل الكلوى، ترجع بالأساس فى فشل السياسيات المتبعة من قبل وزارة الصحة وإهمالها لمواجهة الأزمة منذ بدايتها. وأضاف أن صناعة الدواء فى مصر من الصناعات التى تعانى من مشكلات مزمنة ومتعددة منذ نظام مبارك، لافتا إلى أن وزارة الصحة والاستثمار فى عهد الدكتور مرسى قد خطت خطوات جادة وفعالة من أجل حل هذه المشكلات، ووضعت حلولا مبدئية كان من شأنها المساهمة فى حل العديد منها، وعلى رأسها مشكلة نقص الأدوية، ولكن ما حدث بعد 30 يونيو من الانقلاب قد أجهض كل الحلول، معتبرا أن استمرار الأوضاع الاقتصادية الراهنة من شأنه أن ينذر بتفاقم أزمة الدواء بصورة أكثر مما هى عليه الآن، وهو ما يدفع ثمنه البسطاء فى المقام الأول، خاصة أنه وصل سعر بعض بدائل الأدوية الناقصة إلى خمسة أضعاف سعرها الحقيقى وهو ما لا يتناسب على الإطلاق مع إمكانيات البسطاء من المرضى، خاصة فى ظل ضعف الرواتب وارتفاع أسعار السلع الأساسية. وأوضح حسن أن أزمة نقص الأدوية لم تقتصر أسبابها على تعثر الشركات المنتجة محليا فحسب وعدم قدرتها على استيراد المواد الخام لتصنيع الدواء بسبب ارتفاع سعر الدولار واشتراط الشركات المصدرة دفع الأموال مقدما، وإنما هناك مشاكل أخرى متعلقة بمنظومة الدواء نفسها ومنها التسعيرة؛ حيث نجد شركات حكومية لصناعة الأدوية تنتج أدوية وتجبرها الدولة لبيعها بسعر أقل من نصف التكلفة، وهو ما يجعلها تخسر مليارات الجنيهات فى السنة الواحدة، دون وضع حلول جذرية للحد من هذه الخسائر المتتالية، وهو ما كانت وزارة الصحة فى حكومة الدكتور هشام قنديل قد بدأت بوضع يدها عليه ووضعت بالفعل استراتيجية لتجنب هذه الخسائر ولكنها لم تكتمل. ولفت إلى أن السياسات الراهنة فى مجال صناعة الدواء عادت إلى سابق عهدها، من حيث الاعتماد على الحلول الفردية وتحقيق المصالح الخاصة دون النظر لحل المشكلة الأم ذاتها، وهو ما يمثل سببا مباشرا فى تفاقم أزمة الدواء الآن. واتفق مع الرأى السابق الدكتور عبد الجواد هاشم، الأستاذ بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، وقال إنه لا حلول للأزمة الراهنة فى نقص الدواء إلا بتعافى الاقتصاد المصرى من الحالة المتردية التى يعانى منها الآن فى ظل الانقلاب، وكذلك إصلاح الأوضاع الأمنية والسياسية؛ لأن أغلب صناعة الدواء تعتمد على الاستثمار، مشددا على أنه من المحال تحقيق استثمار ناجح فى ظل اقتصاد مترد. وأرجع عبد الجواد أسباب الأزمة إلى أمرين، الأول تراجع الاقتصاد والذى أدى إلى انخفاض التصنيف الائتمانى لمصر مما جعل الشركات الموردة للخامات لا تورد الخامات للشركات المصرية إلا بعد دفع ثمن الخامات مقدما، لافتا إلى أنه لعدم وجود السيولة الكافية لدى الشركات المنتجة والتى تعتمد على استيراد المواد الخام من الخارج، قل استيرادها للخامات، ومن ثم قل إنتاجها للأدوية المحلية، معتبرا أن استمرار هذا الوضع المتردى من شأنه أن يفاقم الأزمة بأكثر مما هى عليه الآن. وأضاف أن السبب الآخر هو السياسية المرتعشة للحكومة الانقلابية والتى أسهمت وبشكل مباشر فى وجود هذه الأزمات التى يكتوى بها البسطاء، وذلك من حيث ضحالة الرؤية فى إيجاد حلول للأزمة، وعدم وضعها فى بؤرة اهتمامها على الرغم من خطورتها وارتباطها بقطاع عريض من المجتمع