يتصاعد الجدل في السنوات الأخيرة حول التأثيرات الذهنية لمشاهدة الريلز والبوستات القصيرة، خاصة مع ملاحظة تراجع قدرة كثيرين على التركيز لفترات طويلة، وازدياد الشكوى من "تشوش الدماغ" بعد جلسات التمرير المتواصل. ويطرح هذا الجدل سؤالًا جوهريًا، هل تؤدي هذه المقاطع السريعة فعلًا إلى ما يشبه ب "تعفّن الدماغ"؟ أم أن الأمر مجرد مبالغة لغوية؟ ويكشف علماء الأعصاب أن تدفّق المحفزات السريعة قد يغيّر طريقة عمل مراكز الانتباه والمكافأة في الدماغ، ويزيد قابلية التشتت، وقد حذرت دراسة منشورة في مجلة NeuroImage أن الإفراط في متابعة الفيديوهات القصيرة قد يعيد تشكيل أنماط نشاط الدماغ. كيف تغيّر الريلز عمل الدماغ؟ تُظهر الأبحاث أن الدماغ يتكيّف مع النمط السريع للمحفزات حين يعتاد المستخدم مشاهدة المقاطع القصيرة دون توقف، وتبدأ مراكز المكافأة تستجيب بسرعة أعلى، مما يجعل المستخدم يطلب جرعات فورية من المتعة البصرية بدلًا من التفاعل مع محتوى أطول، وتُضعف هذه الدورة قدرة الدماغ على الثبات في مهمة واحدة، لأن نمط الاستهلاك السريع يدفع العقل إلى البحث المستمر عن تغيّر جديد.
وتُبيّن نتائج علم الأعصاب أن الانتقال السريع بين عشرات المقاطع خلال دقائق يُربك أنظمة الانتباه، ويجعل الدماغ يبذل جهدًا أعلى في فرز المعلومات المتلاحقة، ويؤدي هذا الإرهاق الذهني المتكرر إلى انخفاض القدرة على التركيز الممتد، وهو ما يُفسّر شعور كثيرين بأنهم لم يعودوا قادرين على متابعة فيلم طويل أو قراءة صفحة كاملة دون انقطاع، كما تتراجع كفاءة الذاكرة قصيرة الأمد حين يتعرض الدماغ لكمّ كبير من المحفزات المتتابعة.
هل "تعفّن الدماغ" مصطلح دقيق؟ يعتمد الناس هذا التعبير لوصف حالة الذهن بعد جلسة تمرير طويلة، لكنه ليس توصيفًا طبيًا، ومع ذلك، تُشير الأدلة العلمية إلى أن الاستخدام المكثف للمحتوى السريع يُغيّر بالفعل جودة الانتباه، ويُضعف قدرة الدماغ على التعمّق، وتُظهر أبحاث سلوكية أن كثرة المقاطع القصيرة تُقلّل قدرة الفرد على تذكّر ما كان ينوي فعله، وهو ما يعرف ب "الذاكرة المستقبلية"، وهكذا يتحوّل التعبير الشعبي إلى وصف قريب من الحقيقة العلمية.
ويستطيع الفرد أن يُعيد تدريب دماغه على التركيز العميق من خلال تحديد وقت استخدام المنصات، وتقليل التعرض المتواصل للمحتوى السريع، ويمكنه كذلك يستبدل جزءًا من وقت التمرير بنشاطات تتطلب تركيزًا أطول مثل القراءة أو التأمل، كما يساعد ضبط الإشعارات، ووضع الهاتف بعيدًا أثناء العمل أو النوم، في حماية منظومة الانتباه من الإرهاق.