الليرة والاستثمارات أبرز ضحايا الأزمات الداخلية والخارجية أنقرة تخسر شراكاتها الاقتصادية مع موسكو بعد توتر العلاقات توقعات متشائمة للبنك الدولي بخصوص نمو الاقتصاد التركي لعبت الأزمات السياسية التى تشهدها تركيا منذ فترة دورا في تراجع اقتصادها، الذي كان ازدهاره رمزا لنجاح حزب العدالة والتنمية، الذي وصل للحكم في 2002، واستطاع أن يحقق سنويا معدلات نمو تراوحت بين 7 و 9 % سنويا خلال معظم سنوات العقد الماضي. وحتى عام 2011، حيث بدأت ثورات الربيع العربي واختارت تركيا أن تتخذ مواقف سياسية صريحة بدعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس و مهاجمة بشار الأسد، خلافا لنظرية "صفر مشاكل"مع الدول المجاورة والتفرغ لعملية البناء الاقتصادي، التى تبناها وزير الخارجية أنذاك أحمد داود أوغلو، الذي أصبح رئيسا للوزراء لاحقا، و أثار إعلانه، اليوم ، نيته التنحي من رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئاسة الحكومة، حالة من عدم الاستقرار في تركيا، انعكست في فقد الليرة التركية حوالى 4 % من قيمتها أمام الدولار، في أكبر تراجع يومي في 2016، قبل أن تشهد بعض التحسن، ورغم تطمينات أوغلو للمستثمرين بأن ألا يقلقوا بشأن استمرار الاستقرار لأن حكومة قوية للحزب ستستمر، لكن تنحيه يشير إلى المزيد من عدم التيقن للمستثمرين، فيما يتعلق بالاقتصاد، الذي يعاني من ارتفاع ديون القطاع الخاص وانخفاض المدخرات، إثر تعرض الاقتصاد التركي لعدة صدمات إثر الأزمات التى تواجه أنقرة داخليا و خارجيا. فعلى الصعيد الداخلي، أدي فشل خطة السلام مع حزب العمال الكردستاني، لوقوع عدة تفجيرات واستهداف لعناصر الأمن وشن أنقرة هجمات على مواقع تابعة للأكراد في سوريا والعراق، ما أدي لتقويض حالة الاستقرار في البلاد المطلوبة لتأمين السياحة والاستثمارات، وأدي إلى أن قيمة الليرة التركية، خلال 2015، شهدت تراجعا أمام الدولار الأمريكي في سلسلة غير مسبوقة من الانخفاضات منذ 1999، وأيضا انتهاء أولي جولات الانتخابات النيابية بدون حسمها لصالح أحد من الأحزاب لتشكيل الحكومة عزز عدم استقرار سياسي، والذى انتهى بعد فوز العدالة والتنمية بالجولة الثانية في نوفمبر الماضي، وكذلك قضايا الفساد التى طالت اتهاماتها عائلة رجب طيب أردوغان و ووزراء مقربين منه، لعبت دورا في زعزعة ثقة المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب، وحسب مؤشر الفساد الدولي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تراجعت تركيا إلى المركز 64 عالميا، ضمن 175 دولة، بينما كانت في المركز 53، خلال 2013، ووفقا لوزارة الاقتصاد التركية، تراجعت الاستثمارات الخارجية إلى تركيا بنسبة 23 بالمائة خلال 2014. وخارجيا، أثرت علاقات أنقرة المتوترة مع عدة دول منها روسيا ومصر وليبيا، على اقتصادها، فبينما اعتمدت تركيا عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم على السياحة إذ وصل عدد زائريها إلى أكثر من 25 مليوناً في السنة، وكذلك الاتجاه إلى أسواق روسيا ودول وسط آسيا والعالم العربي إثر فشل مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتضاعفت الصادرات التركية إلى تلك الدول أكثر من مرة في أقل من عشر سنوات، حيث ارتفعت الصادرات إلى روسيا من 11 مليار دولار في 2004 إلى أكثر من 38 مليار دولار في 2008، وخلال الفترة بين 2002 و 2012 ارتفع التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية بنسبة وصلت إلى 300 %، ليصل إلى أكثر من 50 مليار دولار سنويا، وعلى الصعيد السياحي تحولت تركيا لواجهة سياحية هامة لأوروبا والشرق الأوسط. ووفقا للمعطيات الرسمية التركية والروسية، خلال 2015، تراجعت الصادرات التركية إلى روسيا بنسب وصلت إلى 36 %، بسبب الخلافات بين أنقرةوموسكو بسبب المواقف المتباينة من نظام بشار الأسد، وتعد روسيا مصدر الطاقة الرئيسي لتركيا إذ تزودها ب 55% من احتياجاتها من الغاز و30% من احتياجاتها النفطية، ولكن بعد إسقاط الجيش التركي لمقاتلة سوخوي على الحدود السورية، في نوفمبر الماضي، أعلنت موسكو سلسة من العقوبات الاقتصادية ضد أنقرة تشمل قطاع السياحة والزراعة ووقف أعمال اللجنة الاقتصادية المكلفة بالتفاوض على خط "تورك ستريم" علمًا أنه لم يبدأ بعد لعدم تلبية الطلبات التركية من قِبل الروس، وكذلك تراجع الاقتصاد الروسي ومعه القوة الشرائية لروسيا بسبب المقاطعة الغربية لها بسبب الأزمة الأوكرانية. وبالنسبة لمصر نظرا لمواقف أردوغان المعادية، تراجعت الصادرات التركية بنسبة تصل إلى 17 % خلال 2015 مقارنة مع 2014، وشهدت الحركة التجارية مع سوريا وليبيا توقف شبه تام، وهو الذي انعكس على تجارة أنقرة مع دول الخليج التى تضررت بشكل كبير عقب توقف حركة الترانزيت عبر الأراضي السورية، التي كان يعبرها سنويا نحو 85 ألف شاحنة محملة بالبضائع إلى السعودية ودول الخليج الأخرى، وكذلك لعب الربيع العربي وكذلك ضعف الأسواق الروسية والآسيوية وتباطؤ النمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، دورا سلبيا على زيادة صادراتها ودفع عجلة اقتصادها. وبحسب خبراء تحتاج تركيا إلى جذب الاستثمار الأجنبي لسد عجز متزايد في ميزان المعاملات الجارية الذي يبلغ حوالي 4.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتمويل شركاتها المثقلة بالديون، خاصة أنها شهدت نزوح لنحو 15.5 مليار دولار من استثمارات المحافظ العام 2015، بحسب بيانات البنك المركزي بسبب تراجع الشهية للأسواق الناشئة والمخاوف المتعلقة بالوضع الأمني الداخلي، وتوقع البنك الدولي توقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي التركي إلى 3.5 % في 2016، من 4 % في 2015، في معدل أقل بكثير من مستويات الذروة التي تحققت عقب مجيء العدالة والتنمية إلى الحكم.